اضطهاد
أولًا التعريفات
بينما يرد ذكر مصطلح “الاضطهاد” كثيرًا في الاتّفاقيات الدولية، فإنه لم يُعط تعريفًا قانونيًا إلَّا مؤخرًا، وذلك في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تمّ تبنّيه في 17 تموز/ يولية 1998 ودخل حيّز التنفيذ في 1 تموز/ يولية 2002. ويُعرِّف النظام الأساسي للمحكمة المذكورة الاضطهاد على أنه “حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانًا متعمدًا وشديدًا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع” (المادة 7-2- ز من قانون المحكمة الجنائية الدولية).
وينصّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن جنس الشخص قد يكون أساسًا للخوف من الاضطهاد. وهو يشمل “اضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموعة محدّدة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس [...] أو لأسباب أخرى من المسلّم عالميًّا بأن القانون الدولي لا يجيزها” باعتباره جريمة ضدّ الإنسانية (المادة -1-7ح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية باختصاص قضائي على الأفراد المتهمين بالإبادة، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية بعد تلبية شروط مسبقة معينة.
يعتبر التحرر من الاضطهاد أمرًا حيويًا لسلامة الأفراد في المجتمع ولتمتعهم بالحقوق الممنوحة لهم. ووفقًا للقانون الدولي، يعتبر الاضطهاد جريمة ضدّ الإنسانية. وقد ترسّخ هذا بوضوح في ظلّ الاختصاص القضائي للمحكمتين العسكريتين الدوليتين في نورمبرغ وطوكيو وأعيد تأكيده حديثًا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
← المحكمة الجنائية الدولية، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية .
والاضطهاد يعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأفراد يهربون من بلادهم الأصلية. واعترف به من قبل اتفاقيّة عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (اتفاقيّة اللاجئين) باعتباره المبرّر الرئيسي الذي يؤهل أحد الأفراد لنيل وضع اللاجئ. وهذه الاتّفاقيّة بالإضافة لاتفاقيّة عام 1969 المنظمة للجوانب الخاصة بمشاكل اللاجئين في أفريقيا، والتي تمّ تبنّيها من قبل منظمة الوحدة الأفريقية - تُعَرِّف اللاجئ على أنه “كل شخص يعيش خارج البلاد التي يحمل جنسيتها بسبب خوف مبرّر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلّق بالعرق، أو الدين، أو الجنسية، أو العضوية في تنظيم اجتماعي معين أو رأي سياسي، وغير قادر أو غير مستعد، بسبب ذلك الخوف، للاستفادة من حماية تلك الدولة” (المادة 1 من الاتّفاقيتين).
← لاجئون.
إن الخوف من الاضطهاد لا يعتبر فقط سببًا مشروعًا للفرار من بلد معيِّن وطلب اللجوء في بلد آخر، وإنما هو أيضًا الأساس لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي لا يجوز بموجبه للدول تحت أي ظرف، طرد أو إعادة شخص بالقوة إلى دولة يخاف فيها من الاضطهاد (ذكر في معظم الاتّفاقيات في ما يتعلّق بمسألة اللاجئين وفي المادة 45 من اتفاقيّة جنيف الرابعة)
← لجوء؛ إعادة قسرية/ طرد.
وحيث إن الأفراد يتعرَّضون للاضطهاد بسبب عضويتهم في مجموعة معينة، فإن السلوك الذي يعكس تمييزًا سلبيًا يعتبر في الغالب مؤشرًا هامًا على الخطر الذي يشكله هذا الاضطهاد. وتشمل المؤشرات الأخرى الأكثر وضوحًا التهديدات أو المحاولات التي تستهدف حياة الأفراد - وبخاصة العنف الذي يستهدف أشخاصهم، والقتل، والتعذيب، والأشكال الأخرى لسوء المعاملة. وأضافت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مؤخرًا؛ الاغتصاب إلى قائمة الجرائم التي يمكن أن تشكل مظهرًا للاضطهاد والتي تسمح بالتالي بالاعتراف بصفة اللاجئ كما تنصّ عليها اتفاقيّة اللجوء. ويؤكد النظام الأساسي للمحاكمة الجنائية الدولية من جديد على أن الجنس يعتبر سببًا للخوف من الاضطهاد (لاحظ البند التالي حول العقوبات).
← تمييز؛ سوء المعاملة؛ اغتصاب؛ تعذيب.
أركان جريمة الاضطهاد (المادة 7-1 ح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)
تُحدِّد وثيقة أركان جريمة الاضطهاد التي اعتمدتها جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية العناصر التي تتألَّف منها الجرائم التي تقع في اختصاص المحكمة. وبموجب المادة 7-1 ح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن أركان جريمة الاضطهاد هي كما يلي:
- أن يحرم مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر حرمانًا شديدًا من حقوقهم الأساسية بما يتعارض مع القانون الدولي.
- أن يستهدف مرتكب الجريمة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص بسبب انتمائهم لفئة أو جماعة محددة، أو يستهدف الفئة أو الجماعة بصفتها تلك.
- أن يكون ذلك الاستهداف على أسس سياسية أو عرقية أو وطنية أو اثنية أو ثقافية أو دينية أو تتعلق بنوع الجنس حسب ما عُرِّف في الفقرة 3 من المادة 7 من النظام الأساسي أو أية أسس أخرى يعترف بها عالميًّا بأنها محظورة بموجب القانون الدولي.
- أن يرتكب السلوك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في الفقرة 1 من المادة 7 من النظام الأساسي أو بأية جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة.
- أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.
- أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءًا من ذلك الهجوم.
ثانيًا العقوبات
سيكون الأفراد الذين يرتكبون أعمال الاضطهاد معرضين، بوجه عام، لعقوبات جزائية وضعت للانتهاكات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني والانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان. وهذه موضحة تحت المداخل
←لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ وجرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.
للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة الأفراد الذين يرتكبون أفعال اضطهاد ووجه إليهم الاتهام بارتكاب أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وذلك طبقًا لبعض الشروط.
ويحق للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا أيضًا محاكمة الأفراد الذين يرتكبون أفعال اضطهاد مدرجة في قائمة الجرائم ضدّ الإنسانية (المادة 5- ح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، المادة 3 - ح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا).
← لجوء؛ تمييز؛ حقوق الإنسان؛ سوء المعاملة؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا؛ اغتصاب؛ طرد؛ لاجئون؛ تعذيب؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية؛ رفاهية.
السوابق القضائية
- التعريف
في قضية فاسيليفيتش (29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002)، رأت الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن الفعل أو الإهمال الذي يُشكِّل جريمة الاضطهاد قد يتخذ أشكالًا مختلفة، ولا توجد قائمة شاملة للأفعال التي ترقى إلى أن تكون اضطهادًا (الفقرة 246). وفي قضية كفوكا وآخرين (2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001)، وجدت الدائرة الابتدائية للمحكمة أن الأفعال التالية قد تُشكِّل اضطهادًا إذا ما ارتكبت بقصد تمييزي: السجن، والاحتجاز غير المشروع لمدنيين أو انتهاك الحرية الفردية، والقتل، والترحيل، والنقل القسري، “الخطف والتجميع والفصل والنقل القسري لمدنيين إلى معسكرات” والتدمير الشامل للمنازل والممتلكات، وتدمير المدن والقرى، وغيرها من الممتلكات العامة أو الخاصة، ونهب الممتلكات، والهجمات على المدن والبلدان والقرى، وحفر الخنادق واستخدام الرهائن والدروع البشرية، والتدمير والإضرار بالمؤسسات الدينية أو التعليمية، والعنف الجنسي (الفقرة 186)
فيقضيةكورديتش وسركيز (26 شباط/ فبراير 2001)، أوضحت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن الجاني لا بد أنه تصرف بقصد تمييزي على أسس سياسية وعرقية ودينية وفقًا لتعريف الاضطهاد (الفقرة 212).
في قضية توتا وسيلا (31 آذار/ مارس 2003) رأت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن جريمة الاضطهاد تم تحليلها في أحكام مختلفة سابقة للمحكمة. ويجب إثبات العناصر التالية للحكم بأن الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية قد ارتكب: (1) الجاني يرتكب فعلًا أو إهمالًا ينطوي على قصد تمييزي. (2) الفعل أو الإهمال يحرم أو ينتهك حقًّا أساسيًّا أرساه القانون الدولي العرفي أو قانون المعاهدات. (3) الجاني يرتكب الفعل أو الإهمال بغرض التمييز على أسس عرقية أو دينية أو سياسية. (4) تلبية المتطلبات العامة لجريمة ضد الإنسانية وفقًا للمادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة (الفقرة 634).
في قضية سيميتش (28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006)، قضت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن الأفعال الأساسية لا ترقى إلى أن تكون اضطهادًا إلا عندما يتبيَّن أن تلك الأفعال استوفت المعايير (انظر أعلاه) واتسمت بدرجة الخطورة التي تعادل الجرائم المدرجة في الفقرة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة (جرائم ضد الإنسانية).
- الاضطهاد أوسع من التحريض
في قضية نهايمانا وآخرين (3 ديسمبر 2003 ، الفقرة 1078)، رأت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن “الاضطهاد أوسع من التحريض المباشر والعلني بما في ذلك الدعوة إلى الكراهية العرقية والأشكال الأخرى”.
- ليس كل فعل من أفعال الاضطهاد على نفس الدرجة من خطورة جرائم أخرى ضد الإنسانية لكن يتعين أن تكون تراكمية
في قضية نهايمانا وآخرين (28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 ، الفقرة 987)، رأت دائرة الاستئناف للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أنه ليس لزامًا أن يكون كل فعل من أفعال الاضطهاد على نفس الدرجة من الخطورة التي للجرائم الأخرى ضد الإنسانية، ولكن لا بد أن يكون نتاجه التراكمي على نفس الخطورة (الفقرة 986). ووجدت أيضًا أن القصد التمييزي لا بد منه في أفعال الاضطهاد (الفقرة 985). وهذا القصد الجنائي يمكن استنتاجه من الأدلة الظرفية مثل طبيعة الهجوم والملابسات المحيطة به. (قضية باجوسورا وآخرين، 18 كانون الأول/ ديسمبر 2008، الفقرة 2208). انظر أيضًا (قضية باجوسورا وآخرين، 18 كانون الأول/ ديسمبر 2008، الفقرة 2208) وقضية بيكيندي (2 كانون الأول/ ديسمبر 2008، الفقرة 435)