القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

اضطرابات وتوتُّرات داخليّة

الأوضاع التي يصنّفها القانون الدولي الإنساني على أنها “اضطرابات وتوترات داخلية” هي تلك التي لم يصل فيها مستوى العنف بعد إلى الدرجة التي تجعل منه نزاعًا مسلحًا، وحين تكون الجماعة المسلحة المشاركة فيه غير منظمة بالقدر الكافي. وهذا يعني أن قانون النزاعات المسلحة - القانون الدولي الإنساني - غير معمول به. وتتسم هذه الأوضاع بوقوع أعمال الشغب وأعمال العنف العرضية والمتفرقة (البروتوكول 2 المادة 1-2). وهي تقع في نطاق من التوترات السياسية والمجالات القانونية غير الواضحة، فيما بين تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان وما هو متعلق بالقانون الدولي الإنساني.

وفي أوضاع الاضطرابات والتوترات الداخلية، يؤذن للدولة باستخدام القوة المسلحة لاستعادة النظام العام والأمن القومي. بيد أن هذا الاستخدام للقوة يجب أن يحترم اتفاقيات حقوق الإنسان، التي توفر ضمانات أساسية لا يمكن للدول أن تتنصل منها، مهما كانت الظروف. ومع ذلك، فإن الدول غالبًا ما تحكم على هذه السياقات وتتحيز لأحد الأطراف، وغالبًا ما يهيمن الأمن القومي على صيانة سيادة القانون. ومما يزيد من هذا الخطر ضعف آليات العلاج الدولية في حالة انتهاك حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، من الصعب جدًّا التحديد الدقيق للحظة التي يتحول فيها استخدام القوة العامة بهدف الدفاع عن الأمن القومي إلى نزاع مسلح داخلي. ويشير ذلك ضمنًا إلى أن الدول تدرك أن سلطتها تتنازعها مجموعات معارضة مسلحة، وتقر بأنها فقدت السيطرة على جزء من أراضيها.

وتعكس النقاشات القانونية حول تفسير تعريف النزاع المسلح الحساسية السياسية المرتبطة بهذا الشرط.

← نزاع مسلح غير دولي؛ جماعات مسلحة من غير الدول

وقد اتخذت مبادرات قانونية عديدة منذ الثمانينيات لسد هذا المجال الرمادي بين قانون حقوق الإنسان وقانون النزاعات المسلحة. وهي تبرز ضرورة فرض قواعد دولية تحكم الرسالة الأمنية للدول ودراسة وضع الجماعات المسلحة من غير الدول.

وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه كان لديها التفويض بإعداد قانون إنساني في هذا المجال. واتفاقًا مع حق المبادرة الوارد في نظامها الأساسي، كانت قادرة أيضًا على وضع تدابير للمساعدة والحماية في هذا النوع من الأوضاع.

1 الضمانات الأساسية والمعايير الأساسية للإنسانية

إن صياغة إعلان المعايير الأساسية للإنسانية، والمعروفة أيضًا باسم إعلان توركو، في عام 1990 هو نتيجة لهذا الانعكاس على المناطق الرمادية للضمانات الأساسية المعترف بها في اتفاقيات حقوق الإنسان وغيرها الخاصة بالقانون الإنساني.

وتحدد تلك المعايير المجالات التي تكون فيها الضمانات الدولية للحماية غير كافية في زمن الاضطرابات الداخلية. وهي تشير خاصة إلى ما يلي:

—التشكيك في الحق في الحياة في عمليات إنفاذ القانون واللجوء المفرط لقوة الشرطة؛

—إساءة المعاملة في حالات الاحتجاز الإداري؛

—اختفاء الضمانات القضائية في الواقع أو في القانون للأشخاص المحتجزين أو المضطهدين لأسباب تتعلق بالاضطرابات أو التوترات الداخلية؛

—النزوح القسري للسكان وكذلك عمليات الطرد الجماعي؛

—ظاهرة الاختفاء القسري؛

—إرهاب السكان المدنيين.

وأحيلت المواد الثماني عشرة التي يتكون منها إعلان توركو إلى هيئات الأمم المتحدة عام 1994. وتمت مناقشتها لكنها لم تُعتمد بهذا الشكل من جانب لجنة حقوق الإنسان (مجلس حقوق الإنسان الآن).

وهي تبرز ضعف الحماية الفعلية للأفراد في تلك المناطق الرمادية وقد أسهمت في إعداد القانون الدولي لتغطيتها. واليوم، يغطي القانون الجنائي الدولي استخدام القوة من جانب الدول والجماعات المسلحة من غير الدول في حالات النزاع المسلح (جرائم الحرب)، وكذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد السكان في حالات لا ترقى بالضرورة إلى مستوى النزاع المسلح (انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم ضد الإنسانية).

وتبلور تلك التصنيفات الجديدة للقانون الجنائي الدولي محتوى الضمانات الأساسية التي تشتتت في حقوق الإنسان الدولية والإقليمية واتفاقيات القانون الإنساني. وهذا التشتت هو من عناصر الهشاشة لأنه يؤجل تطبيق هذه الضمانات الأساسية ويُخضعها للفحص المسبق من جانب القانون الذي ينطبق في كل وضع.

ومع ذلك، فإن الإقرار بالتطبيق التكميلي والمتزامن لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني إنما يتيح محاربة ظهور ثقوب سوداء قانونية بين المناطق المختلفة للقانون الدولي. وقد أكدت محاكم دولية وإقليمية، وهي تسيطر أيضًا على الارتباط والتناسبية في الانتقاص من حقوق الإنسان كما تقرره الدول، الالتزام باحترام إجراءات الانتقاص الواردة في اتفاقيات حقوق الإنسان.

← المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ حقوق الإنسان.

إن حركة توحيد وتنسيق الضمانات الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي ما زالت قائمة، وخاصة عبر القانون العرفي والفقه القانوني الدولي. ومما يستحث حركة التوحيد تعقّد حالات النزاع وغياب الأمن، والتي تتضمن تدخل الأمم المتحدة والدول فرادى في جميع مجالات إنفاذ القانون وسيادة القانون والأعمال العسكرية.

ويصور الوضع العرفي للمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف المحاولة الأولى لتوحيد الضمانات الأساسية بين قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني. وأخفق الطعن في تطبيقها في أوضاع الاضطرابات والتوترات الداخلية على أساس أن صياغتها تنص على أنها لا تطبق إلا في النزاعات المسلحة غير الدولية.

في الواقع، فإن الفقه القانوني الدولي لاحظ في هذه المسألة أنه في فترات الاضطرابات والتوترات الداخلية، يفرض القانون المحلي والاتفاقيات المحلية المتعلقة بحقوق الإنسان الاحترام لمبادئ مماثلة أو أعلى من تلك الواردة في المادة الثالثة المشتركة. ولذلك يكون من الخطأ والتناقض التأكيد أن انتهاك هذه الضمانات الأساسية مأذون به في زمن السلم والاضطرابات الداخلية. ولا يمكن التشكيك في الإطار الأدنى المنصوص عليه في المادة الثالثة المشتركة بالتفسير الحرفي الذي يتعارض مع روح النص. ولذلك تنطبق المبادئ الواردة في المادة الثالثة المشتركة على جميع الأزمان (للاطلاع على الفقه القانوني انظر ضمانات أساسية؛حقوق الإنسان).

← حقوق الإنسان؛ ضمانات أساسية؛ حالات وفئات لم يشملها القانون الإنساني صراحةً

لا يسري القانون الإنساني على الحالات التي تقع فيها أعمال عنف عرضية ومتفرقة وأعمال شغب على مستوى من العنف يكون أدنى من المستوى الذي يجعلها “نزاعًا” وحيث لا ترتكب مثل هذه الأعمال من قبل جماعات مسلحة منظمة قادرة على تنفيذ عمليات متواصلة ومنسقة.

وفي مثل هذه الحالات، قد يصبح من الصعب حماية جميع حقوق السكان طالما أن الحكومة قد تتبنى إجراءات استثنائية تسمح لها بالتخلص من مسؤوليات معينة وتقييد الحريات العامة.

إلا أن ضمانات إنسانية معينة تبقى نافذة المفعول وتستمر في حماية الأفراد. وهذه هي حقوق الإنسان التي تعد غير قابلة للانتقاص والمبادئ الواردة في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949.

ومن أجل تقييد الجدال فيما يتعلق بتوصيف وضع الاضطرابات الداخلية أو النزاع المسلح غير الدولي، أنشأت التعقيبات على اتفاقيات جنيف المعايير التالية، التي تساعد على التمييز بين كل وضع.

2 الاضطرابات الداخلية

الاضطرابات الداخلية هي الحالات التي تشتمل على مواجهات داخلية خطيرة أو مستمرة.

وفي مثل هذه الحالات، والتي قد لا تتصاعد بالضرورة إلى نزاع مفتوح، قد تستخدم السلطات قوات شرطة كبيرة وحتى القوات المسلحة لاستعادة النظام داخل البلاد. وقد تتبنّى إجراءات تشريعية استثنائية تمنح مزيدًا من السلطات للشرطة أو القوات المسلحة.

وتختلف الاضطرابات الداخلية عن الحالات التي توصف بأنها نزاع داخلي مسلح بسبب عدم تشكيل قوات مسلحة منشقة أو جماعات مسلحة منظمة أخرى تقوم بتنفيذ عمليات متواصلة ومنسقة (البروتوكول 2 المادة 1-1)، رغم إمكانية وجود جماعات منشقة منظمة وملحوظة. ولذلك لا يسري القانون الإنساني باستثناء المبادئ المشار إليها في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 (التي تعرف بالمادة الثالثة المشتركة).

وقد تواجه حماية حقوق الإنسان اتهامات بسبب الإجراءات التشريعية الاستثنائية. إلّا أن حقوقًا وحريات أساسية معينة، لا يجوز التقليل من شأنها بأي حال من الأحوال.

3 التوترات الداخلية

تعتبر “التوترات الداخلية” أقلّ خطورة من الاضطرابات الداخلية وتتّسم مثل هذه المواقف بمستويات توتّر عالية (مثل السياسية، والدينية، والعرقية، والعنصرية، والاجتماعية والاقتصادية) وتسبق مثل هذه المواقف أو تلي فترات النزاع.

وفي أوقات التوتر الداخلي، يجب أن تكون أي قوة تستخدمها السلطات قوة ذات طبيعة وقائية. وقد تتّسم مثل هذه الأوقات بما يلي:

  • —ارتفاع عدد حالات التوقيف،
  • —ارتفاع عدد السجناء السياسيين،
  • —احتمال سوء معاملة الأشخاص المحتجزين،
  • —ادعاءات عن حالات اختفاء،
  • —إعلان حالة الطوارئ.

وفي حالات كهذه، وعلى عكس الاضطرابات الداخلية، نادرًا ما تكون القوة المعارضة للنظام منظمة بطريقة ملحوظة.

وهناك حقوق إنسان معينة لا يسمح بالتقليل من أهميتها، مهما كانت الإجراءات الاستثنائية التي ربّما تكون الدولة قد نفذتها. وحتى لو لم يكن مستوى العنف من الشدّة بحيث يؤدي إلى تنفيذ القانون الإنساني المنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول 2 المادة 1-2)، عدا المادة الثالثة المشتركة، ويجب حماية هذه الحقوق التي لا يجوز المساس بها.

←ضمانات أساسية؛ حقوق الإنسان؛ متمردون؛ نزاع مسلح غير دولي؛ جماعات مسلحة من غير الدول؛ أطراف النزاع؛ تناسب؛ حركات المقاومة؛ مسؤولية؛ حالات وفئات لم يشملها القانون الإنساني صراحةً؛ حالة الطوارئ/ حالة الحصار

لمزيد من المعلومات:

Declaration of Turku. 2 December 1990. Available at http://www.law.wits.ac.za/humanrts/instree/1990b.htm .

“Declaration of Turku: Internal Disturbances and Tensions. Declaration of Minimum Humanitarian Standards.” International Review of the Red Cross 282 (June 1991): 328–36.

Gasser, Hans-Peter. “Humanitarian Standards for Internal Strife: A Brief of Developments.” InternationalReview of the Red Cross 294 (May–June 1993): 221–26.

Meron, Theodor. “Contemporary Conflicts and Minimum Humanitarian Standards.” In International Law:Theory and Practice, edited by Karel Wellens, 623–28. The Hague: M. Nijhoff, 1998.

☜ إن تعريف وإقرار النزاع المسلح الدولي من الأمور الحيوية لأنهما يتيحان تنفيذ وإنفاذ قواعد القانون الدولي على مثل هذه النزاعات.

—النزاع المسلح الدولي يشمل مواجهة بين دولتين أو أكثر.

—النزاع المسلح الداخلي قد يتحول إلى نزاع دولي حين تساند دولة أخرى وتسيطر على أنشطة جماعة مسلحة من غير الدول تتحرك ضد حكومتها، أو حين تصبح قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام مشاركة كطرف في النزاع المسلح. غير أن سريان القانون الإنساني يعتمد على طبيعة الدولة أو غير الدولة للأطراف المتحاربة في النزاع.

—النزاع المسلح الذي تصطدم فيه، على أرض محتلة، قوة احتلال وجماعة مسلحة من غير الدول هو نزاع مسلح دولي، حتى إذا كان لهذه الجماعة صفات جماعة إرهابية.

—يمكن استخدام القواعد التي تنطبق على النزاعات المسلحة الدولية في تفسير القواعد التي تنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية.

—ينسق القانون الدولي الإنساني العرفي معظم القواعد السارية في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.