القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

اغتصاب

الاغتصاب هو فعل إجبار شخص على اتصال جنسي رغم إرادته، باستعمال القوة والعنف أو أي شكل آخر من أشكال القسر. ويعتبر الاغتصاب جناية في أنظمة القوانين الجنائية في معظم البلدان. وقد يحدث الاغتصاب بين أشخاص من نفس الجنس، ومن جنسين مختلفين.

وفي العديد من الأنظمة التشريعية، وفي حال عدم وجود أدلة كافية لإثبات وجود اختراق أو أن الفرد تعرّض لعمل قسري، لا يجوز مقاضاة الجريمة على أنها “اغتصاب” وبالتالي جناية، بل “اعتداء جنسي” أو حتى “سوء سلوك جنسي”. وفي مثل هذه الحالة، لا يجوز اعتبار الفعل جناية بل ربّما جنحة. ويصعب أحيانًا أيضًا إثبات أن الفعل لم يكن قد تمّ برضا الطرفين. وعلى الضحايا أن يثبتوا أنهم لم يوافقوا بمحض إرادتهم على الفعل. إذ ربّما تكون الموافقة قد تمّت بالقوة والتهديد وسوء استعمال السلطة، أو الثقة أو أي شكل آخر من أشكال القسر. وتطلب دول معينة شروطًا متشددة للإثبات مثل ضرورة وجود دليل مادي أو حتى شهود.

وعند وقوع مثل هذه الجريمة الخطرة بين بالغ وقاصر، تدعى بصورة عامة جريمة “اغتصاب الأحداث”، حيث لا يعترف القانون برضا الحدث. ولدى بعض الدول قوانين وطنية محدّدة توسع إمكانيات مقاضاة مثل هذه الأعمال، سواء صنفت جنايات أو جنحًا. وتمكن هذه القوانين الأفراد الذين يرتكبون جرائم جنسية ضدّ القاصرين من محاكمتهم حتى إذا كانوا في بلد مختلف. ويمكن إجراء المحاكمات في مثل هذه القضايا أمام محاكم الدولة التي يكون فيها المتهم مواطنًا من مواطنيها بالإضافة إلى محاكم الدولة حيث وقعت الجريمة. وقد تمّ اعتماد مثل هذه القوانين، ومعظمها في أوروبا، ضمن سياق محاربة الميل الجنسي إلى الأطفال والسياحة الجنسية.

إن الاغتصاب انتهاك بصفة عامة للقانون الدولي، وبصفة خاصة للقانون الإنساني الذي يسري في النزاعات المسلحة. ولا يُذكر بشكل صريح دائمًا في معظم نصوص القانون الدولي الإنساني، لكنه يندرج ضمن السلوكيات المحظورة بشكل عام مثل “الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية” أو “الاعتداء على الكرامة الشخصية” أو “التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهيــنـة”.

وهناك اتفاقيات وسلطات معينة تعتدُّ صراحةً بالاغتصاب والعنف الجنسي كشكل من أشكال التعذيب ومن بينها اتفاقيّة البلدان الأمريكية لعام 1944 لمنع العنف ضدّ المرأة والمعاقبة عليه واستئصاله، وإعلان الأمم المتحدة لعام 1993 الخاص بالقضاء على العنف ضدّ النساء، لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، وكما ستذكر بالتفاصيل فيما بعد، “المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا.

☜ بالإضافة إلى شهادة الضحية، يمكن استخدام نتائج فحص طبي لدعم الأدلة التي تثبت أن شخصًا قد تعرّض للاغتصاب، عندما يثبت التقرير الطبي أن هناك إصابات نتجت عن الطبيعة العنيفة أو القسرية للفعل الجنسي. ومن الممكن كذلك إجراء فحوصات نفسية لتحديد النتائج المترتبة على الحالة الذهنية للضحية ويتوجب على الطبيب الذي يواجه مثل هذا الموقف، وفي كل الأحوال، أن يُعد مثل هذا التقرير للضحية، وبأسرع وقت ممكن بعد وقوع الحادث.

وقد تنتج العديد من الصعوبات عن جعل الضحية يدلي بشهادته خاصة في المحكمة وذلك بسبب الإحساس بالإذلال الذي يعانيه نتيجة الاستجواب أثناء المحاكمة - خاصة في الأنظمة القانونية الجنائية، وبسبب المخاطر الشخصية التي قد يتعرّض لها نتيجة الإدلاء بالشهادة - خاصة إذا كان العنف الجنسي قد وقع في سياق نزاع مسلح. مما يجعل الأمر غاية في الأهمية بالنسبة للأطباء سواء كانوا أطباء مواطنين أو أجانب من العاملين في المنظمات الإنسانية، لإعداد تقرير طبي. ولذلك يكون من الضروري تمكين الضحايا من الاتصال بالأطباء بحيث يمكن إجراء الفحوص عليهم دون الكثير من التأخير.

← واجبات طبية؛ أخلاقيات مهنة الطب

وقد اعتبر الاغتصاب والعنف الجنسي لفترة طويلة “ضررًا تبعيًا” للحرب. ولم يتمّ تمييزه عن الجرائم الأخرى التي ترتكب ضدّ المدنيين ومن الأمثلة الحديثة ظهرت في البوسنة ورواندا على نطاق واسع وكسلاح حرب ارتبط بسياسة التطهير العرقي.

وتعدّ هذه الجريمة حاليًا وبصورة رسمية بموجب القانون الدولي جريمة ضدّ الإنسانية، وجريمة حرب عند ارتكابها ضمن سياق نزاع مسلح دولي أو غير دولي، وجريمة ضد الإنسانية عند ارتكابها في إطار هجوم منظم على السكان.

  • —تهدف أحكام معينة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لها لعام 1977 إلى حماية النساء من التهجم على شرفهن وإهانات الكرامة الشخصية والمعاملة المهينة والمذلة، وبصورة خاصة، الاغتصاب، والعهر الإجباري، أو أي شكل من أشكال التهجم غير اللائق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 27؛ البروتوكول 1 المادة 76؛ البروتوكول 2 المادة 4)، ويجب على الدول الأطراف، في أي وقت أو أي مكان، ضمان منح النساء الضمانات الأساسية التي تنصّ عليها الاتّفاقيات التي تحظر العنف على الحياة والأشخاص وبصورة خاصة جرائم القتل بكافة أنواعها، والبتر، والمعاملة القاسية، والتعذيب (اتفاقيات جنيف 1-4 المادة 3 المشتركة).

وتوضح القاعدة 93 من دراسة عن القانون الدولي الإنساني العرفي التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2005 حظر الاغتصاب وغيره من أشكال العنف في القانون الإنساني العرفي ذي الصلة بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

← احتجاز؛ ضمانات أساسية؛ نساء

  • —بما أن بالإمكان تصنيف الاغتصاب ضمن فئة التعذيب أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية، فإنه يعدّ كذلك انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف، سواء كان الضحية ذكرًا أم أنثى (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 50، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 51، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 130، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 147).

← جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

  • —يجري تنفيذ الاغتصاب أحيانًا على مستوى منظم أو شامل وكجزء من سياسة تهدف إلى التطهير العرقي أو كوسيلة من وسائل إرهاب السكان. واستنادًا إلى الأمم المتحدة، تمّ اغتصاب خمسة وعشرين ألف امرأة في رواندا أثناء مذبحة 1994. وفي الوقت الحاضر، تقرّ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الاغتصاب يمكن أن يشكل عنصر اضطهاد يسمح بالاعتراف بوضع لاجئ وفقًا لاتفاقيّة 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين على ذلك الأساس. وتوصي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كذلك أنه أثناء إجراء تحديد وضع اللاجئ، أنه يجب معاملة طالبي اللجوء ممن كانوا ضحايا العنف الجنسي، باحترام لائق نظرًا لمعاناتهم.
  • —وفي عام 1993، أقرّت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بالوضع القانوني لجريمة الاغتصاب باعتباره جريمة ضدّ الإنسانية وجريمة حرب. وللمحكمة سلطة على الأفراد الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم أثناء النزاع. بالإضافة إلى ذلك، توفّر القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بها إجراءات تتطلب مجموعة أخف من الأدلة في حالة الاعتداء الجنسي (المادة 5- ز من قانون المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، البند 96 من أحكام الإجراءات والأدلة). ويشمل ربع الاتهامات التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا اتهامات بالعنف الجنسي، وهذه خطوة قانونية مهمة. إلّا أن هذه الدعاوى القضائية تبقى محددة ومعينة لهذه المحكمة الخاصة التي تنحصر سلطتها بجرائم ارتكبت في يوغسلافيا السابقة.
  • —وللمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا سلطة على الاغتصاب كجريمة ضدّ الإنسانية وجريمة حرب. وتوسّع نظامها الأساسي الصادر عام 1994 في فكرة الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 لتشمل أوضاع النزاع المسلح غير الدولي. وتقيم الاتهامات على أساس انتهاكات المادة 3 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 (المادة 4 من قانون المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا).
  • —ولأول مرة، بموجب القانون الدولي، قضت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أن الاغتصاب والعنف الجنسي يشكلان أعمال إبادة جماعية عند ارتكابها بهدف تدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو اثنية أو دينية جزئيًا أو كليًا.
  • —يدخل قانون المحكمة الجنائية الدولية الذي تمّ تبنّيه في روما في 17 تموز/ يولية 1998 ودخل حيّز التنفيذ في 1 تموز/ يولية 2002 العنف الجنسي ضمن تعريفه لكلّ من الجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب التي للمحكمة اختصاص قضائي عليها في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وكي يرقى العنف الجنسي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية يجب ارتكابه في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد السكان المدنيين (المادة 7-1-ز). وكي يعتبر العنف الجنسي جريمة حرب يجب ارتكابه في سياق نزاع مسلح دولي أو غير دولي (المواد 8-2-ب-22، 8-2-هـ - 6 من قانون المحكمة الجنائية الدولية). ويحظر التعريف خمسة أشكال من العنف الجنسي: الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على أنه يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف.

← جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

عناصر جريمة العنف الجنسي

إن المعنى الدقيق لهذه الجريمة يرد في وثيقة منفصلة اعتمدتها جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية بعنوان “أركان الجريمة”.

  • —يتطلب الاغتصاب أن يولج مرتكب الجريمة عضوًا جنسيًّا في أي جزء من جسد الضحية أو جسد مرتكب الجريمة، حتى ولو بشكل طفيف، أو أن يولج أي جسم أو أي جزء آخر من الجسد في شرج الضحية أو في فتحة جهازها التناسلي. وأن يرتكب الاعتداء باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو بالقسر من قبيل ما ينجم عن الخوف من تعرض ذلك الشخص أو الغير للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استعمال السلطة أو باستغلال بيئة قسرية، أو يرتكب الاعتداء على شخص يعجز عن التعبير عن حقيقة رضاه.
  • —يتطلب الاستعباد الجنسي أن يمارس مرتكب الجريمة إحدى أو جميع السلطات المتصلة بالحق في ملكية شخص أو أشخاص كأن يشتريهم أو يبيعهم أو يقايضهم أو كأن يفرض عليهم ما ماثل ذلك من معاملة سالبة للحرية. وأن يدفع مرتكب الجريمة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص إلى ممارسة فعل أو أكثر من الأفعال ذات الطابع الجنسي.
  • —يتطلب الإكراه على البغاء أن يدفع مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر إلى ممارسة فعل أوأفعال ذات طابع جنسي، باستعمال القوة أو بالتهديد باستعمالها أو بالقسر، من قبيل ما ينجم عن الخوف من تعرض ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو الغير للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم. وأن يحصل مرتكب الجريمة أو غيره أو أن يتوقع الحصول على أموال أو فوائد أخرى لقاء تلك الأفعال ذات الطابع الجنسي أو لسبب مرتبط بها.
  • —يتطلب الحمل القسري أن يحبس مرتكب الجريمة امرأة أو أكثر أكرهت على الحمل بنية التأثير في التكوين العرقي لأي مجموعة من المجموعات السكانية أو ارتكاب انتهاكات جسيمة أخرى للقانون الدولي.
  • —يتطلب التعقيم القسري أن يحرم مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر من القدرة البيولوجية على الإنجاب، وألا يكون ذلك السلوك مبررًا طبيًّا أو يمليه علاج في أحد المستشفيات يتلقاه الشخص المعني أو الأشخاص المعنيون بموافقة حقيقية منهم.
  • —يتطلب العنف الجنسي أن يقترف مرتكب الجريمة فعلًا ذا طبيعة جنسية ضد شخص أو أكثر أو يُرغم ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص على ممارسة فعل ذي طبيعة جنسية باستعمال القوة أو بالتهديد باستعمالها أو بالقسر، من قبيل ما ينجم عن الخوف من تعرض ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو الغير للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم.

—لم يعالج القانون الدولي حتى الآن حالات الاغتصاب التي تتفاقم بسبب الإصابة الطوعية (أو غير الطوعية) بفيروس الإيدز.

وتم تعيين ممثل خاص للأمين العام معني بالعنف الجنسي في حالات النزاع من أجل متابعة مسألة العنف الجنسي في النزاعات المسلحة وتقديم توصيات في هذا الصدد. ومنذ حزيران/ يونية 2012 تشغل هذا المنصب زينب هافا بانغورا من سيراليون والتي خلفت مارغوت وولستروم. ولمجلس حقوق الإنسان أيضًا مقرر خاص لمسألة العنف ضد النساء.

وفي عام 2007، نشرت منظمة الصحة العالمية توصيات بشأن الأخلاقيات والسلامة في بحث وتوثيق ورصد العنف الجنسي في حالات الطوارئ. وهذه التوصيات هي نتاج عملية مشاورات بدأت عام 2006 وجمعت خبراء من منظمات طبية وأخرى لحقوق الإنسان، وذلك بغرض تحديد أدوات جمع المعلومات لمعالجة العنف الجنسي في النزاع المسلح وضمان حصول الضحايا على الرعاية والحماية الملائمتين. وتهدف التوصيات التي تحترم القواعد الدولية للأخلاقيات الطبية إلى مساعدة المنظمات المشاركة في رعاية ضحايا العنف الجنسي في نشاطها اليومي.

← تطهير عرقي؛ إبادة جماعية؛ محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان/ لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا؛ واجبات طبية؛ اضطهاد؛ لاجئون؛ تعذيب؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية، نساء.

السوابق القضائية

عدّلت المحكمتان الجنائيتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا وكذلك المحكمة الجنائية الدولية تعريفها للاغتصاب كي يشمل الحالات التي لا يكون فيها الاغتصاب جريمة منعزلة وفردية بل تُستخدم على نطاق واسع كوسيلة للحرب. وخففت هذه المحاكم أيضًا من شروطها لإثبات عدم رضا الضحايا، مع مراعاة أثر حالات العنف الجماعي والحرب على الشروط القانونية والمادية.

وفي قضية أكايسو اعتبر الحكم (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا 96-4-T، 2 أيلول/ سبتمبر 1998) الذي قضى بأن جان بول أكايسو مذنب بتهمة الاغتصاب كجريمة ضدّ الإنسانية، من بين جرائم أخرى، أول حكم دولي يعرِّف الاغتصاب وبذلك وضعت سابقة قانونية مهمة. وقد قدمت الدائرة الابتدائية للمحكمة تعريفًا واسعًا للاغتصاب (فقرة 688) “على أنه اعتداء بدني ذو طبيعة جنسية ترتكب بحق شخص في ظلّ ظروف قسرية.” ولاحظت الدائرة الابتدائية في هذا السياق أن الظروف القسرية لا تحتاج إلى إثبات بإظهار القوة الجسدية؛ “ويمكن للتهديدات والإرهاب والابتزاز وأشكال القسر الأخرى التي تتغذى على الخوف أو اليأس، أن تشكل عملًا قسريًا”. وأضافت الدائرة الابتدائية أن العنف الجنسي، شاملًا الاغتصاب، لا يقتصر على الإيلاج في الجسد البشري ويجوز أن يشمل أعمالًا لا تتضمن الإيلاج أو حتى الاتصال البدني. ولاحظت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أيضًا أن مثل هذه الأعمال لا يمكن “حصرها في وصف آلي للأشياء أو أجزاء من الجسم”. و أثارت المحكمة مسألة “الحساسيات الثقافية الداخلة في المناقشة العامة للقضايا الحساسة وأعادت إلى الذاكرة التردد المؤلم والعجز الذي أبداه الشهود في الكشف عن التفاصيل التشريحية للعنف الجنسي الذي تعرَّضوا له”. علاوة على ذلك، أقر القضاة لأول مرة بأن الاغتصاب “يمكن أن يشكل جريمة إبادة جماعية بالطريقة نفسها التي يشكلها أي فعل آخر طالما أنها ارتكبت بهدف محدّد لتدمير مجموعة معينة مستهدفة لهذا الغرض كليًا أو جزئيًا” (فقرة 731). وهذه الصياغة فضفاضة بما يكفي لتغطي أشكالًا مختلفة من العنف الجنسي المرتكب في إطار سياسة إبادة جماعية.

تم تعديل هذا التعريف لاحقًا لسياقات محددة ارتكبت فيها جريمة الاغتصاب. وتأكد هذا في قضية موسيما (ICTR-96-13-A، 27 كانون الثاني/ يناير 2000، فقرة 154). وبالمنطق نفسه، قررت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في قضية معسكر سيليبتشي أن الاغتصاب يمكن أن يشكل تعذيبًا إذا توفرت الظروف المحددة للتعذيب (IT-96-21-T، 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، فقرة 941).

وفي قضية فوروندزيا (IT-95-17/1-T، 10 كانون الأول/ ديسمبر 1998) قضت المحكمة بأن الاغتصاب يتطلب “استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الضحية أو شخص ثالث” (فقرة 185).

وفي قضية فوكا (كوناراتش وآخرين، IT-96-23/1-T، 22 شباط/ فبراير 2001) رأت المحكمة أن وجود عوامل وظروف أخرى “يمكن أن تحوِّل عمل الإيلاج الجنسي إلى عمل غير توافقي أو غير طوعي من جانب الضحية” وأن ذلك يرقى إلى الاغتصاب بموجب القانون الدولي (فقرة 438).

واعتمدت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة لاحقًا تعريفًا أكثر تفصيلًا وتحديدًا للأعمال التي ترقى إلى الاغتصاب (قضية فوكا، IT-96-23/1-A، 12 حزيران/ يونية 2002). ورأت أن جريمة الاغتصاب في القانون الدولي تتشكل “بالإيلاج الجنسي من مرتكب الجريمة لعضوه الذكري أو شيء آخر يستخدمه مرتكب الجريمة، ولو بشكل طفيف، في فتحة الجهاز التناسلي أو الشرج للضحية” (فقرة 127). وأيدت المحكمة أن “تأكيد المستأنفين المكشوف بأن المقاومة المستمرة فحسب هي التي تمثل إشارة ملائمة لمرتكب الجريمة بأن ملاطفته غير مرغوبة إنما هو خطأ في القانون ومنافٍ للعقل في الواقع”. إن القوة – أو التهديد باستخدامها – دليل واضح على عدم الرضا (فقرة 128).

وعند تحديد ما إذا كان فرد ما قد تعرض للاغتصاب، فإن حقيقة أنه قاوم فعلًا ليس شرطًا مسبقًا لاعتبار الفعل اغتصابًا؛ وكافٍ لإثبات أن الجاني كان يعتزم الإيلاج في الضحية؛ وأن الضحية لم توافق على ذلك (انظر قضية فوروندزيجا، هيئة المحكمة بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، 10 كانون الأول/ ديسمبر 1998، فقرة 179).

وفي قضية فوكا (IT-96-23/1-T، 22 شباط/ فبراير 2001) ساوت هيئة المحكمة بين الاغتصاب والجريمة ضد الإنسانية وجريمة الحرب.

ويبرر القضاة تطور التعريف وعبء الدليل بسياق النزاع المسلح المحيط بعمليات الاغتصاب تلك، والتي ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتعذيب والإبادة الجماعية.

وكانت قضية كاتانغا وآخرين هي أول قضية للمحكمة الجنائية الدولية (الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الادعاء ضد جرمان كاتانغا وماثيو نغودجولو، تشوي، 30 أيلول/ سبتمبر 2008). وفي هذا القرار عن تأكيد الاتهامات، أيدت هيئة ما قبل المحاكمة أن الاغتصاب بوصفه جريمة ضد الإنسانية يتطلب عنصرين، هما:

الفعل، أي “الإيلاج في الجسد ما ينجم عنه الدخول في أي جزء من الجسد بعضو جنسي أو في الشرج أو فتحة الجهاز التناسلي بأي شيء أو جزء من الجسد بالقوة أو التهديد أو الإكراه” شريطة أن الإكراه لا يتطلب بالضرورة قوة بدنية (فقرات 438-440).

القصد الجنائي، أي “نية الإيلاج في جسد شخص آخر بالقوة أو التهديد أو الإكراه” (فقرة 441).

لمزيد من المعلومات:

Askin, Kelly D. “Sexual Violence in Decisions and Indictments of the Yugoslav and Rwandan Tribunals:Current Status.” American Journal of International Law 93 (1999): 97–123.

Brouwer, Anne-Marie de. Supranational Criminal Prosecution of Sexual Violence: The ICC and the Practice of the ICTY and the ICTR. Antwerp: Intersentia, 2005.

Gardam, Judith. “Women, Human Rights and International Humanitarian Law.” International Review of theRed Cross 324 (September 1998): 421–32.

Josse, Evelyne. “‘They Came with Two Guns’: The Consequences of Sexual Violence for the Mental Health of Women in Armed Conflicts,” International Review of the Red Cross 877 (March 2010): 177–95.

Meron, T. “Rape as a Crime under International Humanitarian Law.” American Journal of InternationalLaw (1993): 424–28.

Olsen, Odd Einar, and Kristin S. Scharffscher. “Rape in Refugee Camps as Organisational Failures.” International Journal of Human Rights 8, no. 4 (2004): 377–97.

Tompkins, Tamara L. “Prosecuting Rape as a War Crime: Speaking the Unspeakable.” Notre Dame LawReview 70, no. 4 (1994): 845–90.

Viseur Sellers, Patricia. “The Context of Sexual Violence: Sexual Violence as Violation of International HumanitarianLaw.” In Substantive and Procedural Aspects of International Criminal Law: The Experience of International and National Courts, edited by Gabrielle Kirk McDonald and Olivia Swaak-Goldman, 1:263–323. The Hague: Kluwer Law International, 2000.

———. “Rape.” In Encyclopedia of Genocide and Crimes against Humanity, edited by Dinah Shelton, 862–69. Detroit: Thomson/Gale, 2004.

———. “Sexual Violence and Peremptory Norms: The Legal Value of Rape.” Case Western Legal Journal of International Law 34, no. 3 (2002): 287–303.

Article également référencé dans les 4 catégories suivantes :