القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

حفظ السلام

أولًا الأصول

ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين هو الهدف الرئيسي للأمم المتحدة (المادة 1-1 من ميثاق الأمم المتحدة)، ويناط بمجلس الأمن الدولي المسؤولية الرئيسية لتحقيق هذا الهدف (المادة 24).

وإذا ما فشلت محاولة لتسوية نزاع معين بالطرق السلمية (الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة - التسوية السلمية للنزاعات) فإن الميثاق يضع آلية معينة من أجل الدفاع عن الأمن الجماعي، تخول استخدام إجراءات قسرية (الفصل السابع - التحرك في ما يتعلّق بالتهديدات للسلام، وانتهاكات السلام، وأعمال العدوان). وإذا ما اقتضت الضرورة، فإن مجلس الأمن يستطيع، بموجب الفصل السابع، القيام بعمليات عسكرية (المادة 42) وكان الهدف في الأصل هو أن يكون هناك جيش دائم تحت تصرف المجلس (المادة 43)، وكان يفترض أن تدير القيادة الاستراتيجية فيه لجنة أركان عسكرية (المادتان 46 و47). غير أن اللجنة لم تتشكل أبدًا، وعملت الحرب الباردة على تجميد أي محاولات لإنشاء النظام ككل بسبب منطق تصادم التكتلات الأيديولوجية المرتبطة بالقوى الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن.

ومنذ البداية، تبيّن أن الإجراءات الخاصة لتسوية النزاعات سلميًا، التي نصّ الفصل السادس عليها، غير كافية في حالات النزاع المفتوحة. ومن جهة أخرى، فإن أي استخدام للقوة الدولية المنصوص عليه بموجب الفصل السابع في الحالات التي تعرض السلام والأمن الدوليين للخطر، قد تعرَّض لتعطيلات بفعل قوة التصويت بالفيتو من جانب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وللتغلب على هذه العقبات ابتكرت الأمم المتحدة عمليات حفظ السلام في عام 1956 أثناء أزمة قناة السويس. وكانت تلك استجابة خاصة لوضع لم يرد له تصور في الميثاق وإجراء علاجي ليحل محل استخدام القوة. وحيث إنه لا يوجد أساس قضائي لهذه الإجراءات، فإن التبرير الذي يساق لهذه العمليات غالبًا ما يشار إليه “الفصل السادس والنصف” المتخيل.

وفي الآونة الأخيرة، عزز مجلس الأمن تعاونه مع المنظمات الإقليمية لتسوية الأزمات، ولا سيما مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (في ليبيريا وسيراليون في عام 2003)، ومع الاتحاد الأفريقي (في السودان من خلال البعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور منذ عام 2007)، وذلك وفقًا للمادتين 52 و53 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي تاريخ عمليات حفظ السلام، فوَّض مجلس الأمن أيضًا وأجاز استخدام القوة لائتلافات من الدول (القوة الدولية بقيادة أستراليا في تيمور الشرقية عام 1999) ولمنظمات أخرى مثل حلف شمال الأطلسي (قوة المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان منذ عام 2001) والاتحاد الأفريقي (بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال منذ عام 2007).

ومنيت بعض هذه البعثات بإخفاقات خطيرة، مثل المذابح التي تعرض لها أناس تحميهم الأمم المتحدة في يوغوسلافيا سابقًا ورواندا، وأثارت شكوكًا بشأن عمل هذه البعثات وأدت إلى ظهور مذاهب جديدة بشأن مضمون وشروط استخدام القوة لحماية السكان المدنيين (راجع أدناه ثانيًا-4). وأدت أيضًا إلى إيضاح جواز تطبيق القانون الإنساني على عمليات حفظ السلام، سواء كقوات مقاتلة تنخرط في نزاع، أو كقوات لتحقيق الأمن والاستقرار تشارك في مهام مرتبطة بإنفاذ القانون وإعادة إرساء النظام العام (أدناه 4).

ويعهد ميثاق الأمم المتحدة بالمسؤولية الرئيسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين إلى مجلس الأمن. ومع ذلك، فإنه حينما يفشل في اتخاذ قرار بسبب الافتقار إلى إجماع الأعضاء الدائمين، يمكن للجمعية العامة التحرك (القرار 377 [5] الذي تبنته الجمعية العامة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1950 وعنوانه “الاتحاد من أجل السلام”) وفي حالة وجود خطر على السلام والأمن الدوليين، أو انتهاك للسلام، أو عدوان لا يجوز للجمعية العامة اللجوء إلى القوة ولكن يمكنها دراسة الموضوع على وجه السرعة وتقديم توصيات إلى الأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية من أجل الحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما. وفضلًا عن ذلك، يمكنها إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية كما فعلت عدة مرات، لا سيما في عام 2004 فيما يتعلق بالعواقب القانونية لبناء إسرائيل جدارًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

← محكمة العدل الدولية؛ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .

ثانيًا الهيكل والتنظيم

يتمّ تشكيل عمليات حفظ السلام بموجب قرار من مجلس الأمن يحدّد نطاق تكليفها. وبالتالي فإن هذه العمليات تكون خاضعة لسلطة المجلس. ويكون الأمين العام للأمم المتحدة مسؤولًا عن تنظيم وتنفيذ هذه العمليات. ويقوم أفراد عديدون وأقسام عديدة في الأمانة العامة بدعم جهوده في هذا الخصوص - وبخاصة، القسم الخاص بعمليات حفظ السلام. ويتولى الأمين العام مسؤولية تشكيل القوة: يدعو الدول الأعضاء لحشد الجنود ويختار جنسية الفرق العسكرية المشاركة. ثم يتمّ التوقيع على اتفاق بين الأمم المتحدة وكل دولة تساهم بالقوات.

وقد توصّل الأمين العام إلى اتفاق مع الدول الأعضاء من أجل إنشاء نظام تكون فيه القوات على أهبة الاستعداد (نظام الأمم المتحدة للترتيبات الاحتياطية)، الذي من شأنه تسهيل الانتشار السريع لعمليات حفظ السلام. وحتى كانون الأول/ ديسمبر 1999، وافقت ثمان وثمانون دولة على وضع 147900 جندي تحت تصرُّف الأمم المتحدة. وحتى أيار/ مايو 2011، قامت ثلاث وستون دولة من هذه الدول بإضفاء صفة رسمية على مشاركتها في هذا الترتيب من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة، وكان آخر هذه الدول سريلانكا.

وفي معظم الحالات، لا يمكن تنفيذ عمليات حفظ السلام إلّا بموافقة الحكومة في الدولة التي تنتشر فيها العملية وبموافقة أي طرف آخر له علاقة بالأمر. ويتمّ إضفاء الصفة الرسمية على هذه الموافقة من خلال اتفاق خطي يغطي جميع القضايا (الإدارية، القانونية، اللوجستية،... إلخ.) المتعلقة بالعملية.

غير أن مجلس الأمن يستطيع، باستخدام التفويض الممنوح له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن يقرّر المضيّ قدمًا بدون هذه الموافقة.

1 تركيبة قوات حفظ السلام

يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين قائد القوة (أو كبير المراقبين العسكريين). وفي حالة وجود عمليات واسعة النطاق، مع عنصر مدني مهم، يتمّ أيضًا تعيين ممثل خاص (أو رئيس البعثة). ويتوليان مسؤولية قيادة العمليات (العسكرية والسياسية) في الميدان. ويقصد من وضعهما الدولي ضمان استقلاليتهما عن الدول المساهمة بالأفراد. ويختار قائد القوات أفراد طاقم أركانه العسكري من ضباط الفرق الوطنية التي وضعت تحت تصرفه.

تكون القوات التي يتمّ نشرها ذات طابع دولي ويتمّ وضعها تحت السلطة المباشرة للأمم المتحدة. وبالتالي يتعيّن على قادة الفرق العسكرية الوطنية ممارسة سلطتهم بما يتوافق مع الأوامر الصادرة عن قائد القوات كلها. غير أنهم يبقون أيضًا خاضعين لقوانينهم الوطنية.

ويكون قائد القوات مسؤولًا عن النظام والانضباط الكلّي للجنود. ويقوم بإنشاء مكتب للشرطة العسكرية وتعيين أعضائه وإداراته. وتكون هذه الشرطة العسكرية مفوضة باعتقال أي من أفراد القوات، ويمكن للقائد أن يفرض عمليات نقل أو مهام معينة كإجراءات عقابية. ويمكنه أيضًا أن يطلب من إحدى الدول استدعاء جميع أفرادها العسكريين. غير أن السلطة الانضباطية الحقيقية تبقى خاضعة للنظام القضائي الخاص بالدولة المزودة للقوات. ومن أجل هذا الغرض، يتعيّن على الدولة أن تسمِّي ضابطًا ضمن فرقتها يعمل كرئيس وطني للشرطة العسكرية. ويتمّ إبلاغ قائد القوات بأية إجراءات انضباطية، والذي يتشاور بدوره مع قائد الفرقة الوطنية، وحتى مع سلطات الدولة المشاركة، إذا ما اعتقدت أن هذه الإجراءات غير كافية.

2 نطاق العمليات وتكلفتها

منذ انتهاء الحرب الباردة، ازدادت مناشدة الأمم المتحدة لهذا النوع من العمليات. فقد قام مجلس الأمن منذ عام 1988 بنشر عمليات لحفظ السلام تفوق بثلاثة أضعاف ما نشره في السنوات الأربعين التي سبقت ذلك العام. وحتى حزيران/ يونية 2015، تم نشر ست عشرة عملية لحفظ السلام تشمل 94 ألف فرد نظامي (شاملة الجنود والمراقبين والشرطة) من 120 دولة. وكان للزيادة في هذه العمليات تبعات مالية: فالميزانية الخاصة بعمليات حفظ السلام ارتفعت. فقد بلغت في عام 1975 153 مليون دولار ووصلت إلى 3.6 بليون دولار في عام 1995، إبان عملية حفظ السلام في يوغوسلافيا، ثم هبطت إلى بليون دولار في 1998 لتصل أخيرًا إلى 7.6 بليون دولار للفترة 2011-2012. وتعتمد الميزانية على صيغة تحدّد أربع فئات من المساهمين، وهي نسخة معدّلة من المعيار تستخدم للميزانية العادية للأمم المتحدة، بحيث تنقل من الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن إلى أفقر الدول. وفي الواقع أن عمليات حفظ السلام يتمّ تمويلها حصريًا تقريبًا من قبل الدول الصناعية، مع أن العديد من هذه الدول يدفع مساهماته بعد أكثر من سنة من الموعد المقرَّر؛ وحتى حزيران/ يونية 2012 تبلغ مستحقات حفظ السلام غير المسددة ما يقارب 1.26 بليون دولار.

وبسبب المتأخرات قامت الأمم المتحدة بتأخير دفعاتها المالية للدول التي تساهم بالجنود لمدة ثلاث أو أربع سنوات. وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء صندوق احتياط لحفظ السلام تبلغ قيمته 150 مليون دولار في عام 1992، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لتغطية النقص في الميزانية، الذي بدأ الآن يؤثر على قدرة الفرق العسكرية على إنجاز مهامها في الميدان. وفضلًا عن ذلك، فإنه حتى حزيران/ يونية 2012، انخفض الرصيد في الصندوق إلى 139 مليون دولار.

ثالثًا الأنواع المختلفة من العمليات

كانت الزيادة في عدد عمليات حفظ السلام موازية لتطور في نوع عمليات التدخل التي يجري تنفيذها. وفي تعميمه “خطة السلام” (إيه/277/47- إس/24111، 17 حزيران/ يونية 1992)، حاول الأمين العام للأمم المتحدة في حينه بطرس بطرس غالي إعطاء تبرير منطقي للأنواع المختلفة من عمليات حفظ السلام بوضعه تعريفات دقيقة لحفظ السلام، صنع السلام، والدبلوماسية الوقائية. وفي عام 1995، في كتابه الملحق لخطة السلام (إيه/60/50-إس/1/1995، 3 كانون الثاني/ يناير 1995)، أشار إلى أن “مجموعة الأدوات الخاصة بالأمم المتحدة لمراقبة وحل النزاعات بين الدول وداخلها [تشمل] الدبلوماسية الوقائية وعملية صنع السلام؛ وحفظ السلام، وبناء السلام، ونزع السلاح؛ والعقوبات وتطبيق السلام” والتي بموجبها يعرض الأنواع المختلفة لعمليات حفظ السلام. ومع ذلك، فإن مصطلح “حفظ السلام” ظلّ مصطلحًا عامًا يطلق على معظم الأنواع المختلفة من العمليات.

1 عمليات حفظ السلام “التقليدية” أو الجيل الأول منها

تمّ إنشاء ثلاث عشرة عملية لحفظ السلام من عام 1949 إلى عام 1988. وقد شكلت هذه العمليات في أعقاب قيود صارمة على التفويض الممنوح لها وعلى تحركاتها. وكانت ثلاثة مبادئ رئيسية تحكم هذه التدخلات:

  1. رضا أطراف النزاع: لا يمكن نشر القوة إلّا بموافقة الدولة التي ستعمل على أراضيها.
  2. الحياد: لا يجوز لعمليات حفظ السلام الحكم على الحقوق، أو المطالب، أو المواقف الخاصة بأطراف النزاع. فهدفها لم يكن تحديد المعتدي أو الضحية.
  3. عدم استخدام القوة: لم تكن قوات حفظ السلام مفوضة باستخدام القوة إلَّا لأغراض الدفاع عن النفس.

لقد لعبت هذه العمليات نوعين من الأدوار هما: العمل كقوات فصل بين أطراف النزاع ومراقبة وقف إطلاق النار. وهذه المهام المباشرة الخاصة بالمراقبة العسكرية كانت تتمّ في سياق النزاعات بين الدول وعكست هامش المناورة الضعيف الذي عملت الأمم المتحدة في حدوده خلال الحرب الباردة.

2 الجيل الثاني من العمليات

في نهاية الثمانينيات، اكتسبت عمليات حفظ السلام أهدافًا أكثر طموحًا. فلم تعد تهدف فقط إلى إرساء الاستقرار لوضع معيَّن وإنما باتت تهدف أيضًا إلى المشاركة بفاعلية في تطبيق القواعد السياسية الدولية. وهكذا شملت عمليات حفظ السلام مهامَّ متنوعة جدًا، كمراقبة عمليات الانتخاب (وأحيانًا شمل ذلك تنظيم الانتخابات والإشراف عليها)، نشاطات المصالحة الوطنية (بما في ذلك تسريح الجنود وإعادة دمج المحاربين السابقين، ومراقبة حقوق الإنسان والتدريب)، وإزالة الألغام. ويعتبر فريق الأمم المتحدة للمساعدة في فترة الانتقال في ناميبيا (1989-1990)، بعثة الأمم المتحدة المتقدمة ومن ثم سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا (1991-1993)، وبعثة مراقبي الأمم المتحدة في السلفادور (1991-1995) - تعتبر أمثلة على هذا النوع من العمليات متعددة المهام، والتي تتمّ بصورة مباشرة داخل الدول.

وقد استمر احترام المبادئ العملياتية الثلاثية المذكورة سابقًا.

3 الجيل الثالث من العمليات

خلال التسعينيات وفي أعقاب قرارات ومناقشات الأمم المتحدة عن “حق التدخل”، حدث تحوُّل كليّ في طريقة فهم عملية حفظ السلام. وحدثت ثلاثة تغيرات تتلخص في ما يلي:

  1. تمّ توسيع التفويض الإنساني من الأمم المتحدة، وذلك لأن توصيف ما يعتبر “تهديدًا للسلام والأمن الدوليين” جرى توسيعه ليشمل “الأزمات الإنسانية”. وكانت النتيجة هي استخدام آليات اللجوء إلى القوة التي ينصّ عليها الفصل السابع بصورة متزايدة من أجل تطبيق قرارات إنسانية.
  2. بدأت العمليات المنفذة بموجب الفصل السابع تكتسب تفويضًا ذا طبيعة إلزامية وتنفيذية أكثر. وتجاوزت السلطة الممنوحة للقوات باستخدام القوة الحصر السابق في حالات الدفاع عن النفس، وبصورة خاصة، نظريًا، حماية العمليات الإنسانية أو السكان المدنيين في “مناطق آمنة”.
  3. منحت الأمم المتحدة بصورة متزايدة التفويض باستخدام القوة لفرق عسكرية وطنية بموجب تحالفات دولية مشكلة خصيصًا لهذا الغرض أو في سياق منظمات إقليمية. وهذه الفرق لا تخضع لقيادة الأمم المتحدة المباشرة، مع أنها مسؤولة نظريًا عن أعمالها.

ونجم عن هذه التغيرات نوع جديد من العمليات يجمع بين عناصر عسكرية وإنسانية، وكان يتمّ نشره في معظم الحالات في النزاعات الداخلية أو أوضاع الأزمات الأخرى. البعض يشير إلى هذه العمليات على أنها الجيل الثالث من عمليات حفظ السلام، بينما يميّز آخرون بين عمليات حفظ السلام التقليدية وشكل جديد من عمليات إنفاذ السلام أو صنع السلام. ومع ذلك، فإن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا ينصّ على أي من أنواع العمليات هذه، رغم أنه يتمّ الاستشهاد به كأساس لاستخدام القوة من قبل قرارات الأمم المتحدة التي تمنح التفويض لهذه العمليات.

←تدخل

أ. عمليات خاضعة لقيادة الأمم المتحدة

المقصود من هذه العمليات هو أن تكون غير قسرية، ولكن التفويض الممنوح لها يوسع أحيانًا ليشمل استخدام القوة (إضافة إلى الدفاع عن النفس) في ظلّ ظروف معينة - لحماية القوافل الإنسانية و/ أو السكان المدنيين، على سبيل المثال. وفي بعض الحالات، قد تتألف القوات التي يتمّ نشرها فقط من عناصر لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة (يُعرفون أحيانًا باسم أصحاب “الخوذات الزرقاء”)، كما كان الحال مع قوات الأمم المتحدة للحماية في يوغوسلافيا السابقة وعملية الأمم المتحدة الثانية في الصومال. وفي حالات أخرى، يمكن دعم قوات حفظ السلام الدولية - سواء على الأرض أو من الجو - بواسطة فرق عسكرية وطنية (كما كان الحال مع قوة الردّ السريع في البوسنة) أو منظمات عسكرية إقليمية (تدخل الناتو في البوسنة). وفي هذا السياق كان اقتراح بطرس غالي باستبدال قوات “حفظ السلام” بقوات “صنع السلام”، في تعميمه “خطة السلام”، عندما كان التفويض مختلفًا.

ويُبيِّن تطوُّر تفويض بعثة الأمم المتحدة في الكونغو (التي أصبحت الآن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو) في جمهورية الكونغو الديمقراطية هذا الاتجاه الجديد. ومنذ عام 2007، تشارك قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الاستعدادات العسكرية بقيادة جيش الكونغو ولا سيما لاستعادة سلطة الدولة الكونغولية في المناطق التي تم تحريرها من الجماعات المسلحة. ومن أجل استعادة السلام، تخلت قوة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو عن حيادها في أداء وظيفتها تجاه أطراف النزاع المسلح.

ب. عمليات تتمّ “بعقود من الباطن” أو بتفويض من الأمم المتحدة

إن هذه العمليات لا تخضع للقيادة المباشرة من الأمم المتحدة، ولكن التفويض بها جاء بتكليف من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما يمنحها الحقّ باستخدام القوة. وبالتالي، فإن هذه العمليات تكون دائمًا ذات طبيعة قسرية والقوات التي يتمّ نشرها لا تضمّ عناصر لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. وإنما هي تتألف من فرق عسكرية وطنية تخضع لتحالف دولي شكل لغرض خاص - مثل عملية إعادة الأمل في الصومال في عام 1993، تحت قيادة أمريكية، وعملية “تركواز” في رواندا عام 1994، تحت قيادة فرنسية أو قوة دولية تقودها أستراليا في عام 1999.؛ أو تخضع لتحالف دولي تشرف عليه منظمة إقليمية – مثل “قوة التنفيذ” “وقوة تحقيق الاستقرار” تحت إشراف حلف الأطلسي في البوسنة وقوة الحماية المتعددة الأطراف في ألبانيا في عام 1997 تحت قيادة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وقوة المساعدة الدولية لتحقيق الأمن في أفغانستان (إيساف) منذ عام 2001 تحت قيادة حلف شمال الأطلسي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال عام 2007 تحت قيادة الاتحاد الأفريقي.

4 التخويل باستخدام القوة بهدف حماية المدنيين

أثار انسحاب قوات الأمم المتحدة في رواندا أثناء الإبادة الجماعية في عام 1994 وتقاعسها أثناء الهجمات والمذابح التي تعرض لها السكان في المناطق الخاضعة لحماية الأمم المتحدة في سربرنيتشا في يوغوسلافيا سابقًا عام 1995- أثارت شكوكًا حول وظائف ومبادئ عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وفي عام 2000، استكمل تقرير لجنة عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام الذي طلبه الأمين العام ورأسها الأخضر الإبراهيمي (ويُسمى أيضًا تقرير الإبراهيمي) تحليلًا للأسباب الهيكلية لهذه الإخفاقات. وكانت توصياتها أساسًا لتغييرات لاحقة في الصفة القانونية للولايات المسندة لعمليات حفظ السلام وكفاية المعدات العسكرية مع الأهداف المعلنة.

ومن المنظور القانوني، كان من الضروري تمديد إمكانية استخدام القوة العسكرية لتتجاوز حالات الدفاع عن النفس، ولكن دون تحويل قوات الأمم المتحدة إلى قوات مقاتلة طرف في النزاع.

وفي الواقع، كان من الضروري التخلي عن مبدأ الردع النظري الذي تميَّز بوجود فرق من قوات حفظ السلام الضعيفة والقليلة العدد والعاجزة عن استخدام القوة بشكل فعَّال في حالات التهديدات دون تعريض سلامتها للخطر.

ومن ناحية المبدأ، كان يتعيَّن الموازنة بين العناصر المتضاربة أحيانًا لتفويضات عمليات حفظ السلام. فالخطر الكامن في المساندة بشكل غوغائي أو ساذج لمهام متعارضة أقر به ضمنًا الممثل السامي للأمم المتحدة لشؤون يوغوسلافيا سابقًا الذي برر عدم استخدام الأمم المتحدة للقوة في وقت الهجوم في سربرنيتشا بحقيقة أنه كان سيعرض الكتيبة الهولندية للخطر، وكان سيعرض للخطر أيضًا مفاوضات السلام الجارية في ذلك الوقت مع مختلف أطراف النزاع في البوسنة.

وراعى الأمين العام في السنوات التالية توصيات تقرير الإبراهيمي فيما يتعلق بتحسين صياغة الولايات وكذلك إعادة فتح المناقشات العالمية بشأن مبدأ حماية المدنيين.

وهكذا، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تم تعديل معظم ولايات قوات الأمم المتحدة لتفادي عجزها بحكم القانون أمام المذابح التي يتعرض لها السكان. ولم تعد هذه الولايات تقيد جواز استخدام قوات الأمم المتحدة للقوة في حالات الدفاع عن النفس، بل وسَّعت نطاقه ليشمل الحالات التي يواجه فيها السكان “خطرًا وشيكًا من عنف مادي” في مناطق انتشار قوات الأمم المتحدة، وإذا كانت الوسائل المتاحة لا تعرض للخطر أفراد الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا التصريح الولاية بجواز استخدام القوة لحماية المدنيين ليس التزامًا لكنه يظل خاضعًا لتقييم الظروف من قبل قادة قوات الأمم المتحدة الذين يجب أن يتصرفوا حسب الوسائل العسكرية المتاحة دون تعريض قواتهم أو مهمتهم بالكامل للخطر.

وجاء نشر تقرير اللجنة الدولية عن التدخل وسيادة الدول تحت عنوان “مسؤولية الحماية” في كانون الأول/ ديسمبر 2001 ليرسي الأساس لمبدأ جديد يبرر الحق في استخدام القوة المسلحة من أجل حماية السكان المعرضين للخطر. وكان التحدي الذي واجهته اللجنة في ضوء الإبادة الجماعية في رواندا وغيرها من إخفاقات الأمم المتحدة هو تحديد الظروف التي يمكن فيها التوفيق بين مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل ومبدأ التدخل العسكري الدولي باسم حماية المدنيين. ويُحقِّق مفهوم “مسؤولية الحماية” هذا التوفيق بقوله إن السيادة ليست حقًّا مطلقًا لكنها أيضا مسؤولية الدولة تجاه سكانها. ويشير هذا المبدأ إلى أن المسؤولية الأساسية لضمان حماية السكان تقع على كاهل الدول، لكنه ينبِّه إلى واجب التضامن بين الدول، ويفتح أيضًا الباب أمام الحق في تدخل المجتمع الدولي أو الدول فرادى في حالة وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان مثل التطهير العرقي أو جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية حينما تكون الدولة عاجزة أو غير مستعدة لحماية سكانها.

← حماية

من الناحية النظرية، يثير هذا المفهوم شكوكًا بشأن أساس القانون الدولي، ولاسيما مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما، بقدر ما يشير إلى وجود أوضاع يجوز فيها تجاهل سيادة الدولة. وعلى وجه التحديد، مسؤولية الحماية مفهوم واسع يمكن استخدامه لمعالجة السلطات الحالية لمجلس الأمن الدولي، بما يسمح له باستخدام القوة ضد دولة وفرض قرارات على غير إرادتها مثل العقوبات أو الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك فإن هذا المبدأ يفقد مبدأ الالتزام القانوني ويعتمد على التقدير السياسي لسلطة النقض (الفيتو) للأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن الدولي. ولا شيء يمنع الدول من استخدام هذا المبدأ ذريعة للتدخل العسكري في حالات خارج نطاق تفويض الأمم المتحدة. وتتضح هذه الإمكانية في التدخل المسلح في العراق الذي باشرته في آذار/ مارس 2003 الولايات المتحدة وائتلاف من الدول الحليفة دون تفويض من مجلس الأمن.

مهما يكن من أمر، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت وضمَّنت الفقرتين 138 و139 من الوثيقة الختامية للقمة العالمية 2005 مبادئ مسؤولية الحماية. وفي عام 2006، أجاز مجلس الأمن في قراره 1674 هذه البنود بنفس الشروط. وفي كانون الثاني/ يناير 2009، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريرًا عنوانه “تنفيذ مسؤولية الحماية” يعرض الركائز الثلاث لمسؤولية الحماية، وهي الحماية والاستجابة وإعادة البناء. ويهدف هذا التقرير إلى توضيح المفهوم مجادلًا بأن مسؤولية الحماية هي في الأساس مسؤولية الدولة ذات السيادة، وتأتي بعدها مسؤولية المجتمع الدولي إذا عجزت الدولة أو كانت غير مستعدة لحماية سكانها من أشد الجرائم خطورة. “فالمسؤولية عن الحماية حليف للسيادة وليست خصمًا. وهي تنبع من الفكرة الإيجابية للسيادة كمسؤولية لا من المفهوم الضيق للتدخل الإنساني”.

وأبرز الاستخدام الدولي للقوة ضد ليبيا بموجب القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن في 17 آذار/ مارس 2011 صعوبة قصر التدخل العسكري على اضطهاد السكان. وأيًّا كان الهدف الإنساني للتدخل العسكري، فإنه لا يمكن الزعم بأنه لضمان الحياد السياسي أو العسكري الحقيقي. والتدخل العسكري الذي يتم باسم حماية السكان يؤدي حتمًا إلى إضعاف عسكري لأحد أطراف النزاع بما يعود بالنفع المباشر على الطرف الخصم.

وعلى الرغم مما يبدو من إضفاء الطابع الرسمي على هذا المبدأ، فإنه لا يحظى بإطار قانوني في القانون الدولي قادر على تحديد جوهر وحدود الحقوق والالتزامات التي يشير إليها، ولا الموازنة بين النوايا الأخلاقية والأفعال العسكرية والسياسية التي يتمخض عنها. ويبدو هذا المبدأ كشكل جديد من مفهوم الحرب العادلة وحق التدخل الذي ابتكرته الدبلوماسية الفرنسية في أوائل التسعينيات. وهو يعاني نفس مواطن الضعف التي ينطوي عليها الخلط بين النوايا الأخلاقية والأفعال السياسية والعسكرية.

وبقدر ما يجيز هذا المبدأ استخدام التدخل المسلح، يجب اعتباره من حيث النوايا لا من حيث الأفعال. ومهما كان نبل هذه النوايا، فإن هذا المبدأ ينبع بشكل أساسي من نظرية بموجب قانون الحرب التي تعني الحق في إعلان الحرب وكانت منذ قرون موضوع تطوُّر فلسفي وقانوني. وحسب الفترة الزمنية، كانت نظرية الحرب العادلة تُقدِّم كل المبررات التي تجعل من القانوني والمقبول استخدام الحرب خارج الحالات المقبولة في العادة والتي تشن فيها الحرب ردًّا على عدوان خارجي.

ومنذ عام 1945، يعترف ميثاق الأمم المتحدة بسبب شرعي وحيد للحرب بين الدول ويُعرِّفه بأنه الدفاع عن النفس من العدوان (المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة) حتى تقوم الأمم المتحدة نفسها بعمل عسكري جماعي لحماية الدولة التي تعرضت للعدوان. ويُشكِّل أي لجوء للحرب من جانب دولة ما خارج الأسباب الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة جريمة بموجب القانون الجنائي الدولي: جرائم ضد السلام في تعريف المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ وجريمة عدوان بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ومن ثمَّ، من الضروري عدم التهوين من الخطر الذي تنطوي عليه إعادة استخدام مفهوم الحرب الباردة في العلاقات الدولية وما قد يؤدي إليه من إطلاق استخدام القوة من جانب الدول، وليس فحسب لمصلحة الأمم المتحدة. وفي الواقع، فإنه إذا كان مبدأ الحرب العادلة من أجل حماية السكان معترفًا به على هذا الأساس، فإنه لا يمكن أن يخضع بشكل كامل لاستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وليس هناك سبب في عدم تنفيذ هذا المبدأ خارج تفويض مجلس الأمن في حالة عرقلة أداء هذا المجلس لوظائفه بسبب استخدام حق النقض (الفيتو). وفي الواقع أن وجود الحق لا يمكن تقليصه من الناحية النظرية إلى قواعد إجرائية.

وعلى الرغم من التقلُّبات في مفهوم الحرب الباردة بمرور الزمن، فإنه يرجع إلى نظرية الفيلسوف توما الإكويني بأن الحرب لا تكون عادلة إلا فيما يتعلق بنواياها. وفيما يتعلق بالمسؤولية عن الحماية، من الضروري تجاوز نية الحماية من أجل إضفاء طابع رسمي على الشروط والالتزامات المتصلة بالإجراءات التي يتم تنفيذها ونتيجة الأعمال العسكرية التي تُتَخذ في هذا السياق.

وحل معضلة القتل أو ترك المرء ليموت ليس في تفويض استخدام القوة المسلحة باسم الحماية. فهو يتطلب توضيح الالتزامات المفروضة على القوات العسكرية الدولية حينما تستخدم القوة، وكذلك الالتزامات المتصلة بمعاملة السكان المدنيين حينما يتصرفون في أوضاع تحقيق الاستقرار أو احتلال أرض أجنبية.

وتغطِّي المجموعة الواسعة من التدخلات العسكرية الدولية التي تم تنفيذها على مدى عشرين عامًا الطائفة الكاملة التي تتراوح من عمليات حفظ السلام الكلاسيكية إلى المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية وإعادة إرساء سيادة القانون.

وفي معرض الحديث عن هذه الأشكال المختلفة للتدخل، ثارت قضية القانون واجب التطبيق على قوات الأمم المتحدة وبدأت تتلقَّى استجابات متفاوتة حسب وضع القوات الدولية وهل تشارك في عمليات قتالية أم احتلال أم تحقيق الاستقرار أم دفاعًا عن النظام العام؟ وهل تعمل إلى جانب السلطات الوطنية أم لا؟

← عمليات حفظ السلام، مجلس الأمن، الأمم المتحدة

لم يرد بعمليات حفظ السلام نصٌّ في ميثاق الأمم المتحدة. وقد بدأت كآلية معدَّة لغرض خاص أوجدها مجلس الأمن من أجل الاستجابة لأوضاع فشلت معها الوسائل السلمية في حلِّ النزاعات، ولكنها لا تستدعي تطبيق بند استخدام القوة الوارد في الفصل السابع كاملًا. ومن ناحية نظرية، فإن عمليات حفظ السلام تتبع ثلاثة مبادئ رئيسية:

▪ يجب أن تحظى بموافقة أطراف النزاع؛

▪ يجب أن تكون محايدة؛

▪ يجب ألا تستخدم القوة إلَّا في حالات الدفاع الشرعي.

أدت العديد من عمليات حفظ السلام التي نفذت في الأعوام العشرين الماضية (تفوق في عددها بثلاثة أضعاف ما تمّ من عمليات خلال الحرب الباردة) إلى تغير فكرة “حفظ السلام”. وهي الآن تشبه كثيرًا عمليات “صنع السلام” أو إنفاذ السلام. وفي ما يلي بعض من العناصر الرئيسية التي غيرت من الموقف وبما يتناقض مع المبادئ الثلاثة المذكورة سابقًا:

▪ في توسيع التفويض الخاص بالعمليات ليشمل إنفاذ العمليات الإنسانية، تجاوزت العمليات في بعض الأحيان أو بدا أنها زورت، موافقة الدول أو الأطراف الأخرى للنزاع.

▪ أدى التفويض باستخدام القوة في أوضاع غير الدفاع الشرعي - وبشكل خاص لحماية السكان المدنيين أو قوافل الإغاثة الإنسانية - في بعض الأحيان إلى تحدي المحاولات الرامية إلى الحفاظ على الحياد وبالطبع تماشت بشكل مخالف مع مبدأ عدم استخدام القوة.

غير أنه لا يوجد تفويض واضح باستخدام القوة. وقد أسفر هذا، إلى جانب حقيقة أن قوات حفظ السلام لا تنشر في العادة بأعداد كافية، عن عجز بعثات الأمم المتحدة في مواجهة المجازر بحق المدنيين في يوغسلافيا السابقة أو الإبادة الجماعية في رواندا.

ومن المستبعد أن يغيِّر تقرير حول عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة نشر في آب/ أغسطس 2000 (من قبل لجنة يرأسها الأخضر الإبراهيمي) من هذا الأمر وهو: في الوقت الذي يصرُّ على أن يقوم مجلس الأمن بضمان منح عمليات حفظ السلام الموارد الضرورية للقيام بالتكليف المناط بها والقول إن عمليات التفويض الغامضة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، فإنه يؤكد بوضوح على أن “استخدام القوة لأغراض الدفاع الشرعي فقط يجب أن يبقى الأساس الصلب لمبادئ حفظ السلام”. (الفقرة 48 من التقرير) ويؤكد على أنه من المستحيل على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أن تقدم الحماية للمدنيين في جميع المناطق التي تنتشر بها.

مهما يكن من أمر فإن ولايات عمليات حفظ السلام تستلزم على نحو متزايد عناصر من حماية المدنيين وهي نتيجة لظهور مفهوم المسؤولية عن الحماية في عام 2001 في إطار الأمم المتحدة والذي يذهب إلى القول بأن على المجتمع الدولي واجب التدخل في حالة وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ولا سيما التطهير العرقي، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية حينما تعجز الدولة أو تكون غير مستعدة لحماية سكانها الضعفاء.

وينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي الإنساني العرفي على أنه يُحظَر تعمُّد توجيه هجوم إلى أفراد أو أعيان مشاركين في بعثة لحفظ السلام عملًا بميثاق الأمم المتحدة ما دام لهم الحق في الحماية الممنوحة للمدنيين والأعيان المدنية بموجب القانون الدولي الإنساني (القاعدة 33 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون العرفي ونظام روما الأساسي المادة 8-2 ب.3 النزاع المسلح الدولي والمادة 8 – 2 ج -3 النزاع المسلح غير الدولي)

←أمن جماعي؛ تدخل؛ حماية؛ الدفاع الشرعيّ ؛ الأمم المتحدة

رابعًا قابلية تطبيق القانون الإنساني واللجوء إلى المحاكم المتاحة عند وقوع انتهاكات

1 قضايا تتعلق بمسؤولية قوات الأمم المتحدة

أثار التوسع في استخدام القوة المسلحة في العمليات الجديد لحفظ السلام مسألة تطبيق القانون الدولي الإنساني على قوات الأمم المتحدة ومسؤولية أفراد هذه القوات في حالة وقوع سلوك خطأ أثناء تنفيذها عملياتها في الميدان. ومنذ عام 1956، وجدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن القانون الإنساني ينطبق على قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة. ولاقت هذه المقولة مقاومة من الأمم المتحدة نفسها ومن دولها الأعضاء، وما زالت مثيرة للجدال لأسباب سياسية وقانونية. وفي الواقع، فإنه ليست الأمم المتحدة وإنما دولها الأعضاء هي الموقعة على اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين. وبالمثل، فإن هذه الاتفاقيات لم تتوقَّع الحالات المُحدَّدة لعمليات حفظ السلام. وعلى مر السنين، كان الحل الوسط هو تضمين ولايات هذه العمليات بنودًا تتصل باحترام روح ومبادئ القانون الدولي الإنساني. وتشتمل هذه الإشارة على اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 واتفاقية 1954 عن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح. ومنذ عام 1992، تم إدراج هذا البند في معظم الاتفاقات الموقعة بين قوات الأمم المتحدة وحكومة البلد الذي يتم نشرها فيه. وتنص بعض الاتفاقات التي أبرمت في الآونة الأخيرة على أنه يجب على الأمم المتحدة أن تضمن أن بعثتها يتم تنفيذها بحيث تفي ليس فحسب “بمبادئ وروح” الاتفاقيات الدولية المتصلة بسلوك الأفراد العسكريين وإنما أيضًا “بمبادئ وأحكام” هذه الاتفاقيات. وفي أعقاب الهجمات وأعمال العنف التي تتعرض لها قوات حفظ السلام في الميدان، جاءت اتفاقيّة سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها - التي تمّ تبنّيها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9 كانون الأول/ ديسمبر 1994(A/RES/49/59) ودخلت حيّز التنفيذ في 15 كانون الثاني/ يناير 1999 - لتؤكد بشكل غير مباشر على أن القانون الإنساني ينطبق على عمليات التدخل لحفظ السلام. وحتى إذا كانت المادة 2-2 من هذه الاتفاقية تنص على أنها لا تنطبق على قوات الأمم المتحدة التي يتم نشرها في عمليات حفظ السلام التي يأمر بها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق، فإن المادة 20 تشير مع ذلك إلى أن هذه الاتفاقية لا تؤثر على جواز تطبيق القانون الإنساني على الأفعال التي يرتكبها موظفو الأمم المتحدة.

وتمت أخيرًا تسوية هذه المسألة بنشرة صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في السادس من آب/ أغسطس 1999 بعنوان “مراعاة قوات الأمم المتحدة للقانون الدولي الإنساني”. وهي تنص على أن قواعد ومبادئ القانون الإنساني تنطبق على قوات الأمم المتحدة حينما تشارك مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية أثناء نزاع مسلح دولي أو غير دولي. وتشير النشرة أيضًا إلى أن قوات حفظ السلام ملزمة بالإذعان لصكوك القانون الإنساني التي تكون البلدان طرفًا فيها.

وتثور مسألة المسؤولية عن الانتهاكات للقانون الإنساني من جانب هذه القوات الدولية من حيث الإجراءات التأديبية أو العقوبات الجنائية، وأيضًا من حيث التعويضات المحتملة للضحايا.

وتنص هذه النشرة في النهاية على أن انتهاكات القانون الإنساني التي يرتكبها أفراد الأمم المتحدة تستوجب المعاقبة من جانب المحاكم الوطنية في البلد الأصلي لهؤلاء الأفراد.

وفيما يتصل بالمطالبات المحتملة بالتعويض، فإن قوات حفظ السلام التي تقوم بعمليات بموجب تفويض الأمم المتحدة هي أجهزة تابعة للأمم المتحدة ومن ثم يشاركون في تحمُّل المنظمة المسؤولية من حيث التعويض في حالة الانتهاكات أو الضرر الذي يسببه أفراد خاضعون لسيطرتها.

تعتبر مسؤوليات القوات التي تنتمي إلى فرق عسكرية وطنية أو إقليمية، منحتها الأمم المتحدة تفويضًا بعمليات حفظ السلام أو صنع السلام - تعتبر واضحة نسبيًا. فهذه قوات تملك تفويضًا قسريًا ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمنحها ببساطة الإذن بالتصرف.

وهكذا، فإنها تبقى تحت السلطة الوطنية للدول المساهمة. ونتيجة لذلك، فإن هذه القوات تصبح أطرافًا في النزاع الذي تتدخل فيه. وبالتالي، فإنها تكون مقيدة باحترام القانون الدولي الخاص بالنزاع المسلح. وتكون الدول المعنية مسؤولة عن الأفعال الصادرة عن قواتها المسلحة، وفي حالة حدوث انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني، فليست الدول وحدها وإنما أيضًا الأفراد المرتكبون لهذه الجرائم يجب أن يتحملوا المسؤولية الجنائية عن ذلك ويمكن تحميلهم إياها.

إنقابلية تطبيق القانون الإنساني على قوات الأمم المتحدة التي تستخدم القوة المسلحة خارج نطاق الدفاع الشرعي عن النفس أُرسيت وهي تتعلق بكل الأفعال التي تنطوي على استخدام القوة في حالات النزاع المسلح. غير أن الإقرار بحالة نزاع مسلح مسألة مثيرة للجدال من الناحيتين القانونية والسياسية، وإذا لم يتم الاعتراف بالنزاع، يجب على قوات الأمم المتحدة الامتثال للقانون الدولي الذي يحكم حماية النظام العام وكذلك القانون الدولي الإنساني. وكان لهذا تأثير على القانون الذي يجب تطبيقه وشروط استخدام القوة وشروط التوقيف والاحتجاز، والالتزام بضمان النظام العام كقوة احتلال، وفقًا للقانون الإنساني أو بالتعاون مع حكومة البلد المعني وفقًا للقانون الوطني أو القانون الدولي الإنساني.

← واجب القادة؛ احترام القانون الدولي الإنساني.

☜ القانون الإنساني يطبَّق على عمليات حفظ السلام عندما تستخدم القوات المسلحة، على الرغم من وجود غموض معيَّن بهذا الخصوص.

▪ عندما يمنح تفويض لقوة وطنية من الأمم المتحدة، ولكنها تبقى تحت قيادة وطنية، فإنها تصبح عمليًا طرفًا في النزاع، وبالتالي يتعيَّن عليها احترام القانون الدولي الإنساني. وفي حالة انتهاك ذلك القانون، فإن كلًا من الحكومة نفسها وأفراد القوات المسلحة يمكن إخضاعهم للمساءلة.

▪ عندما تخضع الفرق العسكرية لقيادة الأمم المتحدة، كما يفترض أن تكون الحال بالنسبة لعمليات حفظ السلام، يكون تطبيق القانون الإنساني أكثر تعقيدًا. إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها التزام باحترام الواجبات المشتقة من القانون الإنساني. وتعيد الاتّفاقيات المختلفة الموقعة لدى تأسيس عمليات حفظ السلام (بين الأمم المتحدة، والدول المساهمة بالقوات والدولة المضيفة) تعيد التأكيد على هذا الأمر بإعلانها أن هذه القوات يجب أن تراعي وتحترم مبادئ وروح الاتّفاقيات الخاصة بالقانون الإنساني.

▪ غير أنه، في حال حدوث انتهاكات للقانون الإنساني، فإن إمكانيات اللجوء إلى المحاكم المتاحة تكون نادرة. ومن الصعب اعتبار الأمم المتحدة خاضعة للمساءلة، بسبب الحصانة الكلّية التي تتمتع بها. وبتعميم هذا المفهوم، فإن الأفراد في قوات حفظ السلام يستفيدون من هذه الحصانة، ولكن هناك بعض الاحتمالات، استنادًا إلى الاتّفاقيّة الموقعة عند تشكيل القوة، وبشكل خاص استنادًا إلى فداحة الجرائم المزعومة.

← حصانة؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ عقوبات (دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية)؛ الاختصاص العالمي؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

2 سبل اللجوء إلى القضاء المتاحة في حال حدوث انتهاكات للقانون الإنساني

من الضروري الإشارة إلى أن إمكانية اللجوء إلى القضاء ضدّ الأمم المتحدة نفسها أو ضدّ أفراد قواتها هي نادرة الحدوث وتخضع للمصادفة - وهي نادرة لأن الأمم المتحدة لا تفضّل الإجراءات التي قد تضطرها إلى الكشف عن معلومات تتعلّق بتطور عملياتها، وتخضع للمصادفة لأن الأدوات تستخدم وتطبق بشكل مختلف في كل حالة. ويؤكد الجدل الذي أعقب الأحداث المأساوية مثل الإبادة الجماعية في رواندا أو سقوط سريبرينيتشا (عندما تمّ ذبح معظم الأولاد والرجال لدى دخول الجيش الصربي البوسني إلى المدينة في تموز/ يولية 1995) على حقيقة أن الدول التي تساهم بالقوات لا تتحمل بسهولة التحقيق في عملياتها. ومن هنا، فإن القدرة على تحميل هذه القوات المسؤولية تصطدم بالحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وقوات حفظ السلام.

أ. اللجوء إلى القضاء ضدّ الأمم المتحدة نفسها

تتحمّل الأمم المتحدة المسؤولية المباشرة عن جميع الأعمال التي يقوم بتنفيذها قادة قواتها - أي قائد القوة وأركان جيشه. وإذا تمّ تنفيذ العمل من قبل أفراد آخرين في هذه القوات، فإن الأمم المتحدة وحدها تتحمل المسؤولية لكونه نفذ أثناء أداء الأفراد لمهامهم الرسمية. وفي هذه الحالات، تعتبر الأمم المتحدة مسؤولة عن ذلك سواء كان التصرف الفردي بموجب أمر أم بدون ذلك، حيث إن الفرد كان خاضعًا لسلطة الأمم المتحدة. وعلى العكس، إذا تصرف الفرد خارج نطاق مهامه الرسمية، فإن الأمم المتحدة لا تعتبر مسؤولة عن ذلك التصرف من ناحية فنية نظرًا لأن التصرفات كانت خارج نطاق سلطتها.

غير أنه، في الحالات التي يتصرَّف فيها الشخص خارج نطاق المهام الرسمية للأمم المتحدة، تتحمّل المسؤولية الدولة التي يعتبر الفرد مواطنًا فيها. ولهذا الغرض، فإن الاتّفاقيات الموقعة بين الأمم المتحدة والدول المساهمة تنصّ على أن الدول المعنية يجب أن تضمن معرفة وفهم أفراد فرقها العسكرية الوطنية لمبادئ وروح القانون الإنساني. غير أنه حدث من قبل أن حملت المسؤولية للأمم المتحدة عن انتهاكات للقانون الإنساني ارتكبت من قبل أفراد في قوات حفظ السلام تصرفوا خارج نطاق مهامهم الرسمية.

وفي جميع الأحوال، فإن قابلية تعرّض الأمم المتحدة للمساءلة لا يستبعد تعرّض الدول للمساءلة، حيث إن أفراد الفرق العسكرية الوطنية يبقون خاضعين لقوانينهم الوطنية، سواء كانوا تحت قيادة الأمم المتحدة أم لا. وهذا يعني أن جنود الأمم المتحدة تقع عليهم مسؤولية احترام القانون الإنساني بموجب تفويض مزدوج: بموجب الأنظمة المعمول بها في القوة التي ينتمون إليها وبموجب قوانينهم الوطنية (إذ إن كافة الدول تقريبًا تعتبر أطرافًا في اتفاقيات جنيف، إن لم تكن أطرافًا في البروتوكولين كذلك).

غير أنه، من ناحية عملية، من الصعب تحميل المسؤولية للأمم المتحدة، سواء أمام هيئات دولية أو وطنية. وعلى الصعيد الدولي، إمكانية اللجوء المتاح تقتصر فقط على الضحايا دولًا أو منظمات دولية. ومن هنا، فإن الأفراد أو الأشخاص الاعتباريين الآخرين (مثل المنظمات غير الحكومية) لا يملكون حقَّ اللجوء إلى القضاء في حال تعرضهم لضرر تسبَّبت فيه منظمة دولية، ما لم يشتمل النظام القانوني للمنظمة نفسها على تصور لهذه الإمكانية.

وفي المعتاد، يمكن للضحايا من الأفراد اللجوء إلى المحاكم الوطنية، إما المحاكم الموجودة في الدولة التي شهدت وقوع الضرر، أو في محاكم بلادهم. وهذا المبدأ لا ينطبق على الأمم المتحدة، التي تتمتع بالحصانة من المثول أمام القضاء - أي من الإجراءات القضائية (المادة 104 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 2 من اتفاقيّة عام 1946 حول الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الأمم المتحدة). وبالتالي، فإن المحاكم المحلية محرومة من صلاحياتها القضائية.

وتتلخص آليات اللجوء للقضاء ضدّ الأمم المتحدة في الأمور التالية:

← المحكمة الإدارية للأمم المتحدة للأفراد أو المنظمات غير الحكومية المتعاقدة معها

صحيح أن الأمم المتحدة لديها محكمة إدارية، ولكنه يقتصر اختصاصها على موظفي الأمم المتحدة وأي شخص آخر متعاقد مع الأمم المتحدة (المادة 2-2 من قانون المحكمة الإدارية للأمم المتحدة). وعلى هذا الأساس، تستطيع المنظمات غير الحكومية المتعاقدة مع الأمم المتحدة أن تحيل نظريًا الدعاوى القضائية إلى المحكمة الإدارية للأمم المتحدة. وفي بعض الحالات، فإن المنظمات غير الحكومية يمكن أن تتأهل بوصفها “وكلاء دوليين” كما هو محدّد في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في عام 1949 حول التعويض عن الإصابات التي تحصل أثناء الخدمة في الأمم المتحدة. وتوصل هذا القرار إلى أن الوكيل هو “أي شخص، سواء كان موظفًا بأجر أم لا، وسواء كان موظفًا بشكل دائم أم لا، يوكل إليه من قبل إحدى هيئات المنظمة تنفيذ، أو المساعدة في تنفيذ، إحدى مهامها - وباختصار، أي شخص تعمل من خلاله”.

← لجنة المطالبات

بالنسبة للأفراد، فإنهم لا يملكون أية إمكانية للجوء القضائي أمام الأمم المتحدة، وبالتالي لا يملكون أيًا منها ضدّها. ومع ذلك، فإن المنظمة ملزمة بوضع أحكام “لأساليب ملائمة للتسوية” في ما يتعلّق بالمنازعات القانونية التي تحمل طابع القانون الخاص “التي تعتبر متورطة فيها” و”للمنازعات التي تضمّ أي مسؤول في الأمم المتحدة يتمتع بحكم منصبه الرسمي بالحصانة، إذا لم يتمّ رفع الحصانة من قبل الأمين العام” (الفقرة 29 من اتفاقيّة عام 1946 حول امتيازات الأمم المتحدة وحصانتها).

ولهذا السبب، قامت الأمم المتحدة بإنشاء نظام خاص بلجنة مطالبات غير قضائية لغرض عمليات حفظ السلام. وهذه هي إمكانية اللجوء الوحيدة ضدّ الأمم المتحدة المتوفرة للأفراد. وهي متوفرة أيضًا للأشخاص الاعتباريين، وبالتالي متوفرة للمنظمات غير الحكومية. ومن هنا، فإن أي اتفاقيّة يتمّ توقيعها بين الأمم المتحدة ودولة مضيفة تؤكد على أن أي نزاع أو شكوى في مجال قانون خاص يضمّ الأمم المتحدة يجب أن يقدّم أمام هذه اللجنة.

تضمّ اللجنة ثلاثة أعضاء: اثنان يتمُّ تعيينهما من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وحكومة الدولة المضيفة، على التوالي، والثالث يتمُّ تعيينه بالاتّفاق المشترك بينهما، أو في حال تعذر ذلك، من قبل رئيس محكمة العدل الدولية. وتحدِّد اللجنة قواعد إجراءاتها الخاصة. ولا يمكن الاستئناف على قراراتها التي تعتبر ملزمة. وتكون المداولات غير علنية ولا يستطيع المدعي أن يصل إلى ملفات الأمم المتحدة نظرًا لأن أرشيفها يتمتع بالحصانة. وفي نهاية العملية، يحصل الضحايا على التعويض.

الحماية الدبلوماسية

تتوفّر إمكانية لجوء أخرى للأفراد والمنظمات غير الحكومية، إذا ما وافقت حكوماتهم الأصلية على تنفيذ إجراء يدعى الحماية الدبلوماسية. وفي هذه الظروف، تقوم الدولة بتبنّي قضية الضحية ودعمها. ثم يتعيَّن بعد ذلك أن تتمّ تسوية القضية بين الأمم المتحدة والدولة المعنية من خلال التفاوض أو التحكيم. غير أنه توجد هيئات قليلة يمكن أن تجري عملية التحكيم هذه أمامها، حيث إن محكمة العدل الدولية لا تستطيع، بموجب قوانينها أن تحكم في قضايا بين الأمم المتحدة والأفراد أو المنظمات غير الحكومية، حتى ولو من خلال الحماية الدبلوماسية: إذ إن سلطتها القضائية على القضايا المتنازع عليها لا تشمل سوى الدول، ولا يحق للمنظمات الدولية أن ترفع قضايا أمام محكمة العدل الدولية أو تخضع لها.

وأخيرًا، يبقى إجراء الحماية الدبلوماسية خيارًا نادرًا، يتمّ تنفيذه من قبل دولة الضحية على أساس تقديري. وعندما يصل هذا الإجراء إلى حكم معيَّن، تقوم الأمم المتحدة والدولة بالتفاوض على مبلغ التعويض الذي سيتمّ دفعه. ثم يعطى المبلغ إلى الدولة، التي تقوم أيضًا بتوزيعه على أساس تقديري.

ب. اللجوء إلى المحاكم ضدّ أفراد قوات حفظ السلام

← اللجوء إلى المحاكم من جانب البلدان المساهمة بقوات.

إذا ارتكب أحد أفراد قوات حفظ السلام جنحة جنائية (سواء كانت جناية أم جنحة)، فإن ذلك الفرد يكون خاضعًا للسلطة القضائية الحصرية لدولته. وهذا يعتبر جزءًا من الاتّفاقيات الموقعة بين الأمم المتحدة والدول المضيفة أو بين الأمم المتحدة والدول المساهمة بالقوات. وفي حال كانت الجريمة تشكل خرقًا خطيرًا للقانون الإنساني، فإن هذا البند يعتبر مثيرًا للمشاكل لأنه يتعارض مع مبدأ الاختصاص العالمي، الذي يحكم العقاب على هذه الجرائم. وينصّ مبدأ الاختصاص العالمي، الذي تحدّده اتفاقيات جنيف لعام 1949، على أن كافة الدول ملزمة بالبحث عن الأفراد المتهمين بارتكاب هذه الجرائم ومحاكمتهم. وبموجب التسلسل الهرمي للقواعد، فإن هذا الالتزام يسود على الاتّفاقيات المختلفة الموقعة إبان نشر القوات. غير أنه، من ناحية عملية، فإنه من المستبعد أن توافق دولة ما على مشاهدة أحد أفراد قواتها المسلحة يحاكم من قبل أي اختصاص قضائي أجنبي.

وتنصّ الاتّفاقيات الموقّعة بين الأمم المتحدة وكل دولة مضيفة على أن تقوم حكومة الدولة المعنية بإبلاغ قائد القوة وإعطائه أية أدلة بحوزتها، إذا اعتبرت أن أحد الأفراد في عملية لحفظ السلام قد ارتكب جنحة جنائية. وهذا جانب مهم من الاتّفاقيّة حيث إن الأمين العام يجب أن يكون قادرًا على الحصول على ضمانات من الدول المساهمة بأنها مستعدة لممارسة اختصاصها القضائي على أية جرائم قد ترتكب من قبل أفراد فرقتها العسكرية.

غير أن القدرة على مساءلة أفراد قوات حفظ السلام تصطدم، مرة أخرى، بالحصانة من الاختصاص القضائي التي تتمتع بها قوات حفظ السلام، بموجب وضعيتها كأداة فرعية للأمم المتحدة (بحسب اتفاقيّة عام 1946 حول الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الأمم المتحدة). وهذه الحصانة مذكورة في الاتّفاقيات المختلفة الموقعة لدى تشكيل القوة - وهو شقّ مهم من الاتّفاقيّة بالنسبة للدول المساهمة. وهكذا، فإن الأفراد الأعضاء في عمليات حفظ السلام يتمتعون بالحصانة من الاختصاص القضائي على أعمال ارتكبت أثناء تنفيذهم مهامّهم. ويواصلون الاستفادة من هذه الحصانة حتى بعد أن يتوقفوا عن كونهم أفرادًا في العملية.

إن الحصانة الممنوحة بموجب اتفاقيّة عام 1946 ليست مطلقة، بالطبع. فالاتّفاقيّة تنصّ على أن الأمين العام للأمم المتحدة يمكنه أن يرفع الحصانة عن أي فرد “في أي حالة، يعتقد برأيه، أن الحصانة ستعيق مسار العدالة ويمكن رفعها بدون الإخلال بمصالح الأمم المتحدة” (القسمان 20 و23 من اتفاقيّة عام 1946). وبالتالي، فإن الأمر متروك لتقدير الأمين العام حول ما إذا كان يتوجب رفع الحصانة.

لقد بادر برلمانا بلجيكا وفرنسا إلى إجراء تحقيقات في مسؤولية حكومتيهما خلال عملية حفظ السلام في رواندا عام 1994. وفي أعقاب هذه التحقيقات الوطنية واستنادًا إلى التوصيات التي خرجت بها، قام الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في تعامل الأمم المتحدة مع جرائم الإبادة الجماعية.

←التحقيقات والعقوبات التأديبية التي تنفذها الأمم المتحدة. بعد عدد من الفضائح التي تتعلق بالسلوك الفردي، لقوات حفظ السلام، وضعت الأمم المتحدة سياسة داخلية تتيح للمنظمة التدخل المباشر في الإدارة التأديبية للسلوك الفردي لوحدات الأمم المتحدة، ومن ذلك الانتهاك والاستغلال الجنسي. وفي عام 1998، أقرت الأمم المتحدة مدونة السلوك الفردي التي تُطبَّق على قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية. وفي الوقت نفسه، قامت المنظمة بحملات تدريب وتوعية في البلدان المضيفة فيما يتعلق بالسلوكيات المحظورة بوضوح.

ومن خلال المدونة ووحدة الانضباط في شعبة الدعم الميداني تقدم فرق السلوك والانضباط معلومات إلى أفراد الأمم المتحدة وسكان البلدان المضيفة بشأن الإبلاغ عن مزاعم سوء السلوك. وفي عام 2006، بدأ حفظ السجلات وتتبع البيانات الخاصة بمزاعم سوء السلوك. وفي تموز/ يولية 2008، دشَّنت شعبة الدعم الميداني في الأمم المتحدة نظام تتبع سوء السلوك، وهي قاعدة بيانات عالمية ونظام سري لتتبع كل مزاعم سوء السلوك.

وحينما تثور مزاعم عن سوء سلوك خطير يتضمن أفرادًا عسكريين والشرطة، يجوز للأمم المتحدة أن تعيد الأفراد المعنيين إلى بلدانهم وأن تحظر عليهم المشاركة في عمليات مستقبلية لحفظ السلام. ومع ذلك، فإن العقوبات التأديبية والإجراءات القضائية الأخرى تظل مسؤولية دولة الفرد المعني صاحبة الاختصاص الوطني. وفي الواقع، يظل أفراد الوحدات العسكرية المنشورة في مهام حفظ السلام خاضعين للولاية الحصرية لحكومتهم الوطنية. وتقع المسؤولية عن التحقيق في مزاعم سوء السلوك واتخاذ إجراء تأديبي لاحق على كاهل البلد المشارك بقوات وذلك وفقًا للنموذج المعدل لمذكرة التفاهم التي أقرتها الجمعية العامة في عام 2007. ويجب على البلد المساهم بقوات حينئذ أن يبلغ الأمم المتحدة بنتيجة التحقيقات في سوء السلوك والإجراءات التي تم اتخاذها.

☜ ينصّ القانون الدولي على أن الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية لا يمكنهم اللجوء للحصانة من الاختصاص القضائي أو المكانة الرسمية لتجنّب مواجهة العدالة.

وهذا البند مدون في

▪ اتفاقيّة عام 1948 حول منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (المادة 4)؛

▪ اتفاقيّة عام 1984 حول مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 1)؛

▪ اتفاقيات جنيف لعام 1949 (المادة 59 من اتفاقيّة جنيف 1، والمادة 50 من اتفاقيّة جنيف 2، والمادة 29 من اتفاقيّة جنيف 3 والمادة 146 من اتفاقيّة جنيف 4)؛

▪ النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ (المادة 7)؛

▪ النظام الأساسي للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين (المادة 7-2 من قانون المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمادة 6-2 من قانون المحكمة الجنائية الدولية لرواندا)؛

▪ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 27).

← المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

أُحيلت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عدة حالات تتعلق بأفعال القوات البريطانية كأفراد في القوة المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة (والتي فوضها قرار مجلس الأمن الدولي 1511 في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2003). وفي حكمين صدرا في عام 2011، وجدت المحكمة أن الحكومة البريطانية انتهكت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في سياق أنشطتها كقوة احتلال في العراق. ووجدت المحكمة أن التزامات المملكة المتحدة والخاصة بحقوق الإنسان تنطبق على أفعالها في أوضاع الصراع مثل العراق، بالإضافة إلى التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وبموجب تفويض الأمم المتحدة. وقضت المحكمة بأن الدولة تظل ملزمة بالوفاء بالتزاماتها المتصلة بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالأفراد والأراضي التي تمارس عليها سيطرة فعلية.

← عدوان؛ مدنيون؛ أمن جماعي؛ مقاتل؛ واجب القادة؛ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ الجمعية العامة للأمم المتحدة، هرمية القواعد؛ حصانة؛ محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية؛ المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا؛ تدخل؛ جماعات مسلحة من غير الدول؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ نظام عام؛ احترام القانون الدولي الإنساني؛ عقوبات (دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية)؛ الأمانة العامة للأمم المتحدة؛ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ الدفاع الشرعي؛ الأمم المتحدة؛ الاختصاص العالمي.

@UN Conduct and Discipline Unit: http://cdu.unlb.org/

لمزيد من المعلومات:

Annan, Kofi. “Peacekeeping, Military Intervention, and National Sovereignty in Internal Armed Conflict.” In Hard Choices: Moral Dilemmas in Humanitarian Intervention, ed.edited by Jonathan Moore, 55–71. Lanham, Md.:MD: Rowman & Littlefield, 1998, 55–71.

Bothe, Michael. “Peacekeeping.” In The Charter of the United Nations.: A Commentary, ed.edited by Bruno Simma., 648. Oxford: Oxford University Press, 2002, 648.

Burchill, Richard, Nigel D. White, and Justin Morris, eds. International Conflict and Security Law: Essays in the Memory of Hilaire McCoubery. Cambridge: Cambridge University Press, 2005.

Dallaire, Romeo. “The End of Innocence: Rwanda 1994.” In Hard Choices: Moral Dilemmas in Humanitarian Intervention, edited by Jonathan Moore, 71–86. Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 1998.

Durch, William J., ed. The Evolution of UN Peacekeeping: Case Studies and Comparative Analysis. New York: St. Martin’s, 1993.

Faite, A., and J. L. Grenier, eds. “Expert Meeting on Multinational Peace Operations: Applicability of International Humanitarian Law and International Human Rights Law to UN Mandated Forces.” ICRC, Geneva, 11––12 December 2003. Available at http://www.icrc.org/eng/assets/files/other/icrc_002_0912.pdf .

Henckaerts, Jean-Marie, and Louise Doswald-Beck, eds. Customary International Law,. Vol. 1—, The Rules. Cambridge, U.K.: Cambridge University Press, 2005, part II2, chap. 9.

International Commission on Intervention and State Sovereignty. The Responsibility to Protect: Report of the International Commission on Intervention and State Sovereignty. Ottawa: IDRC, 2001. Available athttp://www.idrc.ca/EN/Resources/Publications/Pages/IDRCBookDetails.aspx?PublicationID=240.

International Institute of Humanitarian Law. “International Humanitarian Law, Human Rights and Peace Operations: 31st Round Table on Current Problems of International Humanitarian Law.” San Remo, 4–6 September 2008. Available at http://www.icrc.org/eng/assets/files/other/sanremo-2008_peace_ops .pdf.

“International Organizations’ Involvement in Peace Operations: Applicable Legal Framework and the Issue of Responsibility; 12th Bruges Colloquium, 20–21 October 2011.” Collegium, no. 42 (Autumn 2012): 1–179. Available at http://www.coleurope.eu/sites/default/files/uploads/news/12th_bruges_colloquium_0.pdf .

Moore, Jonathan, ed. Hard Choices: Moral Dilemmas in Humanitarian Intervention. Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 1998.

Murphy, Ray. “United Nations Military Operations and International Humanitarian Law: What Rules Apply to Peacekeepers?” Criminal Law Forum 14 (2003): 153–94.

Nasu, Hitoshi. International Law on Peacekeeping: A Study of Article 40 of the UN Charter. Leiden: Martinus Nijhoff, 2009.

OCHA, Gender and Peace Support Operations. “Ten Rules: Code of Personal Conduct for Blue Helmets.” Available at http://procaponline.unocha.org/docs/library/UN%20Blue%20Helmets%20Codes%20of%20Conduct.pdf .

Palwankar, Umseh. “Applicability of International Humanitarian Law to UN Peacekeeping Forces.” International Review of the Red Cross 294 (May–June 1993): 227–40.

Ryniker, Anne.“Respect du droit international humanitaire par les forces des Nations Unies.”International Review of the Red Cross 836 (December 1999): 795–805.

Slim, Hugo. “The Stretcher and the Drum: Civil-Military Relations in Peace Support Operations.” International Peacekeeping 3, no. 2 (1996): 123–40.

Peacekeeping 3, no. 2 (1996): 123–40.

The Responsibility to Protect—Report of the International Commission on Intervention and State Sovereignty,

2001, available on http://www.iciss.ca/report-en.asp .

Stephens, Dale. “Military Involvement in Law Enforcement.” International Review of the Red Cross 878 (June 2010): 453–468.

United Nations. Report of the Panel on UN Peace Operations. August 21, 2000. A/55/305- S/2000/809, 21 August 2000.

United Nations Secretariat. “Observance by United Nations Forces of International Humanitarian Law.” UN Doc.ST/SGB/1999/13, 6 August 1999.

Weisman, Fabrice. In the Shadow of “Just Wars”: Violence, Politics and Humanitarian Action. London: Hurst, 2004.