حالات وفئات لم يشملها القانون الإنسانيّ صراحةً
¡حالات وفئات لم يشملها القانون الإنسانيّ صراحةً
إن المداخل القانونية إلى مسألة حماية الأفراد قد دخلت فيما يشبه المعضلة. ولتقديم حماية أكثر فاعلية يُصبح من المهم إعطاء تعريف دقيق لكلّ حالة وللأشخاص المعنيين بها، لإنشاء حماية محدّدة قد يكونون مخولين بها. وفي الوقت نفسه فإن الإشارة الصريحة إلى الحماية المنيعة الممنوحة إلى هؤلاء الأشخاص ينجم عنها إضعاف الكثير من الأحكام العامة التي يُقصد منها حماية أشخاص أو حالات أخرى. وهناك مخاطر أخرى هي أن البحث عن تلك التعريفات الدقيقة قد يسبّب نقاشات بين أولئك الذين يحاولون تحديد التوصيف الصحيح لحالة معينة وهذا قد يؤخر أو يعوق تطبيق الحماية المطلوبة لضحايا النزاع. واتضح هذا الخطر في النقاشات القانونية المحيطة بتوصيف النزاعات المسلحة المعاصرة وقدرتها على الوفاء بمعايير النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي، وكذلك في نقاشات حول وضع أفراد الجماعات المسلحة من غير الدول. ورغم أنه لا ينبغي وجود فجوة قانونية بين الفئات من المدنيين والمقاتلين، والتي تتميز كل منها عن الأخرى، فمن المهم وضع هذه النقاشات في الأذهان عند دراسة الحقوق التي تبقى قابلة للتطبيق على الحالات والأشخاص التي لم يتناولها القانون الإنساني صراحة أو بشكل مباشر.
← ضمانات أساسية؛ حقوق الإنسان؛ أشخاص محميون.
إن اتفاقيات جنيف 1949 وبروتوكوليها الإضافيين 1977 لها نطاق محدّد للتطبيق. وحتى تحمي الأفراد بشكل أفضل تستمرُّ تلك النصوص حسب الفئات: فئات للنزاعات وفئات للأشخاص.
إن اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول قابلة للتطبيق فقط على النزاعات الدولية المسلحة ما عدا المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف والتي تتناول النزاعات المسلحة غير الدولية وقد استكملت بالبروتوكول الإضافي الثاني، إلّا أنه في حالات الاضطرابات أو التوترات الداخلية عندما لا تصل أعمال العنف إلى مستوى عالٍ من الشدة بما يكفي لتوصيف حالة معينة كنزاع مسلح - على سبيل المثال في حالة أعمال الشغب أو أعمال العنف المتقطعة - فإن القانون الإنساني لا مكان لتطبيقه، ما عدا ما يتعلّق بالمبادئ التي أعلنتها المادة المشتركة 3، حيث إنها تماثل المعايير الدنيا والإلزامية لحقوق الإنسان ويُقال إن أجزاء منها قابلة للتطبيق في جميع الأوقات.
إن القانون الإنساني يوضح الحقوق المتميّزة لكلّ من الأفراد والمقاتلين والجرحى والمرضى والنساء والأطفال والمعتقلين والمحتجزين وأسرى الحرب وسكان الأراضي المحتلة أو المناطق المحاصرة. وإن قوة هذا المدخل تكمن في أنه يسرد حقوقًا محدّدة ثم يكيّفها بعناية لحماية الأفراد في تلك الفئات من الأخطار المحدّدة التي قد تحدث نتيجة لصفتهم ومكانتهم أو طبيعة الوضع الذي هم فيه. أما الضعف في هذا الأسلوب فيأتي من أنه كلما كان التعريف دقيقًا كانت الفرصة أكبر لاستبعاد شخص أو وضع من الحماية المقصودة من وراء هذا التعريف.
ولمنع الحماية الخاصة التي توفّرها الاتّفاقيات من إضعاف الحماية العامة التي تقدمها فإن العديد من الموادّ تقرّ أن:
- هناك معيار أدنى للحماية يجب ضمانه لجميع الأفراد. ويمكن إكماله بإجراءات إضافية لكن محددة للحماية بغرض أن تستفيد منها فئات معينة من الأفراد أو الحالات (انظر قسم 2).
- بعض أحكام القانون الدولي الإنساني قابلة للتطبيق على الحالات التي قد تكون فيها اتفاقيات جنيف غير قابلة للتطبيق تلقائيًا (انظر قسم 1).
أولًا التطبيق الخاص لاتفاقيات جنيف
إن القواعد الشاملة المعلنة في اتفاقيات جنيف تنظم فقط النزاعات الدولية المسلحة ما عدا المادة الثالثة المشتركة التي تقرّ حدًا أدنى من الحماية يجب تنفيذه في حالات أخرى بما فيها النزاعات الداخلية. وتقرّ أيضًا المادة الثالثة أن على أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك عن طريق اتفاقيات خاصة على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتّفاقيّة أو بعضها. وتسمح هذه الآلية لنطاق تطبيق الاتّفاقيات أن يتّسع على أساس خاص وتساعد أيضًا على كسر أية ردود فعل تلقائية قضائية قد توجد وتؤكد حسن نية المتحاربين أو عدمها في ما يتعلّق باستعدادهم لحماية السكان ضحايا النزاع.
وعمليًا فإن هذا تمّ تيسيره لأن المادة الثالثة المشتركة توضح أيضًا أن تطبيق هذا الحكم لا يجب أن يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع. وهكذا لا يجوز لطرف في النزاع أن يستخدم الاعتراف بالقانون الدولي وتطبيقه في حالة النزاع الدولي المسلح أو توقيع اتفاقيات خاصة بهذا المعنى كي يحاول الحصول على اعتراف رسمي من السلطات السياسية أو العسكرية المعادية.
يتمتع هذا المدخل الخاص للقانون بإجراء وقائي مهم: لا يؤثر أي اتفاق خاص تأثيرًا ضارًا على وضع الأشخاص المحميين كما نظمته هذه الاتّفاقيّة (اتفاقيّة جنيف 3، المادة 6، اتفاقيّة جنيف 4، المادة 7).
← اتفاق خاص.
وتقرّ الاتّفاقيات بأنه على كل طرف في النزاع أن يعمل من خلال قادته على ضمان تنفيذ أحكام الاتفاقية، وأن يعالج الحالات التي لم ينص عليها بما ينسجم مع المبادئ العامة للاتفاقيات (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 45، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 46). ومن ثمّ، يجب على أطراف النزاع احترام تلك المبادئ. إن تفسير اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين الذي يخلق فراغًا قانونيًا وأوضاعًا قانونية عبثية إنما يتعارض مع روح هذه النصوص.
ويعتمد القانون الإنساني أيضًا على منظمات الإغاثة لملء الفراغ في أوضاع لا يمكن إنفاذ قوانين معينة فيها. ولا يعتبر القانون الإنساني حق المبادرة الإنسانية تدخلًا. وتم تفويض اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضًا لإعداد قانون إنساني في مجالات ليست محل تغطية كافية. وفي هذا السياق فقد أخذت زمام المبادرة لنشر دراسة تحدد فيها القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني وكذلك دليلًا تفسيريًا عن فكرة “المشاركة في العمليات العدائية بشكل مباشر” من جانب المدنيين.
← حقّ المبادرة الإنسانيّة؛ اتفاق خاص
ثانيًا الحدّ الأدنى من الحماية كما ينص عليه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
تضع المادة الثالثة المشتركة المعايير الدنيا للحماية القابلة للتطبيق في أوقات النزاع سواء دوليًا أو داخليًا، لذا فإن المبادئ التي تحصيها المادة تظلّ قابلة للتطبيق في كل الأوقات بما فيها الأحوال التي لم يتناولها القانون الإنساني مثل الاضطرابات والتوترات الداخلية. ويُعترف بهذه المادة الآن كقاعدة إلزامية في القانون العرفي وهو ما يعني أنها ملزمة لأطراف النزاع كافة.
إن هذه المادة التي تبيّن الأفعال المحظورة قطعيًا في جميع الظروف في ما يتعلّق بغير المقاتلين بدون تمييز سلبي، قد تمّ شرحها في المداخل التي يتضمّنها⇐ضمانات أساسية. وتفترض أيضًا المادة المشتركة 3 أن الجرحى والمرضى سيتمّ جمعهم والاعتناء بهم وأنه يجوز “لأية منظمة إنسانية غير منحازة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تقدّم خدماتها إلى أطراف النزاع”. وهذه الحقوق الدنيا، التي تنطبق على جميع الأفراد العاجزين عن القتال، لا تخضع لأي معيار يمكن أن يؤخرها أو يلغيها. وتوسع البروتوكولان الإضافيان لسنة 1977 في محتوى هذه الحقوق الدنيا الإلزامية لضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول 1 مادة 57) والنزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول 2 المادتان 4 و5). وتُطبق هذه المواد كحد أدنى ما دام الشخص لا يستفيد من وضع أكثر حماية بموجب أحكام إنسانية.
وينصّ أيضًا القانون الإنساني أنه في الحالات التي لا تتناولها اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها الإضافيان أو معاهدات دولية أخرى على بقاء المدنيين والمقاتلين تحت حماية وسلطة مبادئ القانون الدولي المنبثقة من الأعراف السائدة ومن القوانين الإنسانية وما يمليه الضمير العام (البروتوكول 1 المادة 1-2، اتفاقيّة جنيف 1 المادة 63، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 62، اتفاقيّة جنيف 3 المادة 142، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 158).
وتتطابق تلك الصيغة مع شرط “مارتنز” الوارد ضمن اتفاقيّة لاهاي الثانية لسنة 1899 في ما يتعلّق بقوانين وأعراف الحرب البرية، وسمي ذلك الشرط على اسم فريدريك مارتنز المندوب الروسي في مؤتمرات السلام المنعقدة في لاهاي سنة 1899 الذي أدخل تلك الصيغة إلى الاتّفاقيّة، وقد حافظ القانون الإنساني المعاصر على ذلك الشرط حيث يعيد التأكيد على الواجبات والالتزامات تجاه الإنسانية التي يجب أن تؤديها الدول في كل الأوقات في ما يتعلّق بالأحوال والأشخاص التي لم يشملها القانون الإنساني صراحةً.
وأخيرًا فبالنسبة للحالات التي لا يكون فيها القتال شديدًا بما يكفي لبدء تطبيق القانون الإنساني أو بالنسبة للأفراد الذين قد لا يندرجون تحت فئات الأشخاص المحميين بموجب الاتّفاقيات، فإنه من الممكن دائمًا التماس الضمانات الأساسية التي عددتها معاهدات حقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك، يستمر تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان في أوضاع النزاع (باستثناء حالات الانتقاص المخول بها) بأسلوب تكميلي مع القانون الإنساني. لكن للدول سلطة تقييد عدد كبير من حقوق الإنسان والحريات في زمن النزاع والاضطرابات أو التوترات الداخلية. ولا يوجد سوى عدد ضئيل من الحقوق والحريات التي تبقى قابلة للإنفاذ في كل الأوقات، وهي الحقوق التي لا يجوز إطلاقًا انتهاكها أو تعطيلها، ومعروفة باسم الحقوق غير القابلة للتصرف، ويستمر ذلك في حماية الضمانات الأساسية التي تستحق للأفراد، حتى إذا تم الطعن في تطبيق القانون الإنساني. فالدول مقيدة بالتزاماتها بشأن حقوق الإنسان، التي لها طبيعة عابرة للحدود وعابرة للأوطان. وفي الواقع، أقر الفقه الدولي بوجوب احترام الدول حقوق الإنسان، بما في ذلك مواجهة الأفراد الأجانب أو الأقاليم الأجنبية الذين يخضعون لسيطرتها وخاصة بسبب الاحتجاز أو الاحتلال العسكري.
← القانون الدولي العرفي؛ ضمانات أساسية؛ حقوق الإنسان؛ اضطرابات وتوترات داخلية؛ نزاع مسلح دولي؛ القانون الدولي الإنساني؛ نزاع مسلح غير دولي؛ أشخاص محميون؛ اتفاق خاص، حصار، اتفاق خاص.
لمزيد من المعلومات:
ICRC. “Protection and Assistance Activities in Situation Not Covered by International Humanitarian Law.”International Review of the Red Cross 262 (January–February 1988): 9–37.
Miyazaki, S. “The Martens Clause and International Humanitarian Law.” In Etudes et Essais sur le Droit International Humanitaire et les Principes de la Croix-Rouge, edited by C. Swinaski, 433–44. Geneva: ICRC / MartinusNijhoff, 1984.