القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

حقّ المبادرة الإنسانيّة

يحدّد القانونالدولي الإنسانيبشكل عام واتفاقيات جنيف بشكل خاص التزامات المحاربين وحقوق الأشخاص الذين قد يقعون ضحايا للعنف في أوقات النزاع. أما الالتزامات الأساسية المترتبة على أطراف النزاع فتكمن في الامتناع عن ارتكاب أفعال محظورة والوفاء بالمسؤوليات نحو المدنيين والأشخاص الآخرين المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني.

ولتعزيز حماية هؤلاء الأشخاص أو حمايتهم، يمنح القانون الدولي الإنساني حقّ المبادرة للجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية لتقديم خدماتها والعمل في غياب القانون والحقوق. وتحظر الاتّفاقيات على أطراف النزاع رفض مثل تلك الخدمات، ما لم تثبت الأطراف المعنية أن تلك الخدمات لا حاجة لها، وتحظر أيضًا على أطراف النزاع اعتبار عرض مثل تلك الخدمات تدخلًا في شؤونها الداخلية.

وتحدّد القوانين أيضًا العقوبات التي يمكن فرضها في حالة انتهاك القانون الدولي الإنساني.

ولكن للأسف فهذه الالتزامات والعقوبات لا تكفي لضمان الحماية اليومية وسلامة السكان المعرضين للخطر، والتي تمثل الهدف الأساسي للقانون الدولي الإنساني. وبالتالي فمن الضروري جدًا أن تكون منظمات الإغاثة والمنظمات الإنسانية على علم بحقوقها والتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وأن تتمكن من توفير المساعدة والحماية للسكان المعرضين للخطر إلى جانب هذه الروح الجوهرية: المبادرة الإنسانية والعمل الإنساني يجب أن يسبقا القانون الإنساني. ومن ثم فإن القانون الدولي الإنساني يهيئ توازنًا بين الحماية القضائية والمبادرات الفعلية الفورية لصيانة أرواح ومصالح الأفراد المحميين بالقانون الدولي الإنساني.

أولًا الدول الحامية

أدرك واضعو مسودات اتفاقيات جنيف وأطرافها قيمة وجود وسطاء محايدين (مثل المنظمات الإنسانية) يؤدّون دورًا في حالات النزاع.

☜ لا يعتمد القانون الدولي الإنساني على العدالة والمحاكم فقط لفرض احترام أحكامه وإنزال العقوبات على مخالفيه. وهو قانون يسعى إلى الحفاظ على الحياة في حالات الطوارئ. وبهذا الخصوص، يعهد إلى المنظمات الإنسانية المحايدة بمسؤولية التدخل للمساعدة في حماية الأفراد والسكان المعرضين للخطر.

وبالإضافة إلى الأحكام الخاصة بالدفاع عن أعمال ومهام الإغاثة والحماية، فإن اتفاقيات جنيف تفوض اللجنة الدولة للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية المحايدة الأخرى بحق المبادرة العام (المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع). وبشكل أساسي يمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر وللمنظمات غير الحكومية وضع تصورات والمبادرة في القيام بالأفعال التي تضمن توفير أفضل أشكال الحماية والمساعدة للضحايا. وتنصّ اتفاقيات جنيف على أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال اعتبار مثل تلك النشاطات تدخلًا في الشؤون الداخلية للدولة المعنية. ويجب على أطراف النزاع تسهيل مرور جميع إمدادات الإغاثة والمعدات والأفراد (البروتوكول1 المادة 70، القاعدة 55 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القانون الدولي الإنساني العرفي 2005).

وهكذا يعزّز القانون الدولي الإنساني حقوق المنظمات الإنسانية في أوضاع النزاعات. وإذا لم تكن هذه المنظمات على معرفة جيدة بهذه القوانين فهي لا تخاطر بإضعاف حقوقها فحسب بل أيضًا حقوق الأفراد الذين تسعى لمساعدتهم.

تتمتّع المنظمات الإنسانية المحايدة بمزايا عديدة مقارنة مع الجهات الفاعلة الأخرى: فهي تحظى بثقة المحاربين (التي تفاوضت على وجودها معهم)، تتمثل أهدافها في حماية غير المقاتلين، ولديها الوسائل لتوفير الإغاثة بشكل مباشر وبكفاءة للسكان المُهَددين بخطر المجاعة أو العنف. وهكذا فهي تلعب دورًا رسميًا في نظام الحماية الذي يتصوره قانون النزاع المسلح. وتشير اتفاقيات جنيف بشكل مباشر إلى الدول الحامية أو بدائلها، والوسطاء المحايدين وغير المنحازين، واللجنة الدولية للصليب الأحمر وأي منظمة إنسانية غير منحازة أخرى، وجمعيات الإغاثة وغيرها.

تتمتّع تلك المنظمات بالحقوق الموضحة بالتفصيل في اتّفاقيات جنيف حيث إنّ حقها العام في المبادرة يمتدّ إلى أي نشاط أو قضية إنسانية، وهذا يعني أنه يمكنها أيضًا أن تقدّم خدماتها ونشاطاتها في أوضاع لم تنصّ عليها اتفاقيات جنيف أو بروتوكولاها الإضافيان بشكل صريح.

ثانيًا حقّ المبادرة

لقد تمّ إقرار حقّ المبادرة نفسه بوضوح في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع (المعروفة باسم المادة الثالثة المشتركة) وقد كُررت في موادّ القانون الدولي الإنساني الأخرى (اتفاقيّات جنيف 1 -3 المادة 9، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 10، البروتوكول الإضافي 1 المادة 81، البروتوكول 2 المادة 18).

ويخول حقّ المبادرة أية منظمة إنسانية غير متحيّزة (وقد ذكرت صراحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمنظمة من هذا النوع) أن تقدّم خدماتها في إطار نزاع ما، وتتعهد الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ألا تعتبر تلك الأعمال تدخلًا في شؤونها الداخلية أو أعمالًا غير ودية، وفي الواقع يجب على تلك الدول أن تسهّل المرور السريع وبدون عراقيل لجميع إرساليات وإمدادات الإغاثة والعاملين عليها (البروتوكول 1 المادة 70) ولا يجوز لتلك الدول أن ترفض عروض الإغاثة لدوافع أو أسباب سياسية تتعلّق بالنزاع.

إن الهدف من وراء تلك الأحكام التي أقرّت حقّ المبادرة هو التأكد من ألا تفسر الدول أو تطبق القواعد التي بيّنتها الاتّفاقيات بطرق تنتقص أو تتعدى على الحماية الممنوحة لضحايا النزاعات وهكذا يتمثل أحد أهداف اتفاقيات جنيف في تنزيه المنظمات الإنسانية عن التفسيرات المقيدة وغير الضرورية لأحكام القانون الإنساني ولهذا السبب فإن الاتّفاقيات تهيب بالدول ألا تستخدم أو تفسر أحكام تلك المعاهدات بما يشكل عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية منظمة إنسانية أخرى غير متحيّزة بقصد حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية (اتفاقيّات جنيف 1-3 المادة 9، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 10).

ومن ثم فإن القانون الإنساني وبخاصة اتفاقيات جنيف تمنح حقّ المبادرة المعروف “بحق المبادرة الإنسانية” إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأية منظمة إنسانية أخرى غير متحيّزة وبالتالي يتمّ استبعاد الفاعلين الآخرين الذين يتطلعون إلى القيام بأعمال إنسانية كالدول مثلًا.

إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعزّز حقّها للمبادرة المنصوص عليه في نظامها الأساسي والذي يخول لها أن “تتخذ أية مبادرة إنسانية تدخل في نطاق دورها كمؤسسة ووسيط محايدين ومستقلين على وجه التحديد، وأن تنظر في أية مسألة يلزم أن تبحثها مؤسسة من هذا القبيل” (المادة 3-5 من النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر).

← القانون الدولي الإنساني؛ منظمات غير حكومية؛ الدول الحامية؛ الصليب الأحمر، الهلال الأحمر؛ إغاثة.

لمزيد من المعلومات:

ICRC. Human Rights and the ICRC: International Humanitarian Law.Geneva: ICRC, 1993.

Mackintosh, Kate. “Beyond the Red Cross: The Protection of Independent Humanitarian Organizations and Their Staff in International Humanitarian Law.” International Review of the Red Cross 865 (March 2007): 113–30.