القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

حقوق الإنسان

يشير مفهوم ”حقوق الإنسان“ على أي مستوى وطني إلى الحقوق التي يطالب بها الناس ويكتسبونها بمرور الوقت في العلاقة بقادتهم، مثل الميثاق الأعظم أو إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدر في سنة 1789 في أعقاب الثورة الفرنسية.

أما على مستوى دولي، فتغطي عبارة ”حقوق الإنسان“ فرعًا من القانون الدولي بدأ يتطور في سنة 1945 في إطار ميثاق الأمم المتحدة الذي أسفر، ضمن أمور أخرى، عن اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948، وكذلك اعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتضع ديباجة ميثاق الأمم المتحدة رابطًا بين احترام حقوق الإنسان واستتباب السلام حول العالم. ومن بين منطلقاته الأساسية ما يلي: أن الدولة التي تهاجم مواطنيها ستهاجم في نهاية الأمر جيرانها، ومن ثم تعرض للخطر السلم والأمن الدوليين. ولهذا يسعى ميثاق الأمم المتحدة إلى إعادة ترسيخ العقد الاجتماعي المزدوج للأسرة الدولية والوطنية، وذلك بتنظيم العلاقات بين الدول ليس هذا فحسب بل أيضًا العلاقة بين كل دولة وسكانها. فتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا والتشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين، ومن ثم تبدو كغاية في حد ذاتها ووسيلة لحل المشاكل الدولية (المادة 1-3 من ميثاق الأمم المتحدة). واحترام حقوق الإنسان مسؤولية تتحملها الدول ذات السيادة إزاء شعوبها، بل أيضًا قيد أمام السيادة في العلاقات الدولية.

وغالبًا ما تنقسم حقوق الإنسان إلى فئتين مختلفين: اقتصادية واجتماعية وثقافية من ناحية، وحقوق مدنية وسياسية أو حريات عامة من ناحية أخرى. والفئة الأولى تفترض أن تكفل الدولة الخدمات والمنافع والحقوق للمواطنين جميعًا، مثل الحق في الصحة والتعليم والعمل. وتفترض الفئة الأخرى أن الدولة تمتنع عن التدخل في الحقوق والحريات الأساسية أو الحد منها، مثل الحق في الحياة وحظر التعذيب والاحتجاز العشوائي وحرية الضمير والتعبير والاجتماع وما أشبه.

وتكرِّس هذه الحقوق الاعتراف الدولي بكرامة الإنسان والمساواة بين الناس وتحديد الشروط الأساسية لاحترام الأفراد داخل الدول. وتوجد من الناحية النظرية مناصبة فكرية بين هاتين المجموعتين من الحقوق المرتبطة أساسًا بفترة الحرب الباردة عندما كان احترام الحريات العامة يتعارض مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل.

وبغية تلافي أية تراتبية هرمية لهذه الحقوق المستخدمة لتشير إلى أن حقًّا أدنى من غيره أو يُبرر انتهاك هذه الحقوق، يقال إن حقوق الإنسان لا تنقسم وغير قابلة للتصرف وذات طابع شامل.

وترد حقوق الإنسان في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، بل توجد أيضًا في الوثائق الفنية، مثل تلك التي تُحدِّد المعايير أو المقتضيات الدنيا في ما يتعلق بمعاملة الأفراد، والتي اعتمدت بتوافق الآراء في شكل قرارات من هيئات تابعة للأمم المتحدة عُهد إليها بالأمر في هذا الميدان (أولًا - ثانيًا).

وبينما يعترف بحقوق الإنسان على مستوى دولي، لا بد أن يمارسها الأفراد داخل الأراضي الوطنية في سياق العلاقة السياسية والقانونية التي تربط الدول بمواطنيها. ويتعيَّن أولًا وأخيرًا أن يحق للأفراد أن يتقدموا إلى محاكمهم الوطنية بشكاواهم بشأن ما يعانونه من انتهاكات حقوقهم على أيدي مسؤولي الدولة أو حكوماتهم ذاتها. وهذا يخلق عقبات سياسية أكثر من كونها قانونية، مما يصوِّر أوجه ضعف النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان (ثالثًا). ومع ذلك، توجد إمكانيات للجوء إلى المحاكم على المستوى الدولي أو الإقليمي في ما يتعلق بأخطر الانتهاكات (رابعًا).

وطوال سنوات عديدة، كان يُنظر للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان على أنهما فرعان مستقلان من القانون الدولي. وبعبارة بسيطة، كانت حقوق الإنسان تُطبَّق أساسًا وبشكل كامل فحسب في فترات السلم وأوجدت التزامات على الدولة إزاء سكانها وأراضيها. وكان القانون الدولي الإنساني يُطبَّق على حالات النزاع المسلح وأنشأ التزامات لصالح الدولة إزاء سكان وأراضي الطرف الآخر في النزاع (خامسًا). وقد قوبل هذا الانقسام بالاعتراض بتنويع نماذج النزاع المسلح من ناحية وإضفاء الطابع العسكري على إدارة الأمن الداخلي من جانب الدول من الناحية الأخرى. وقد أصبح تعريف النزاع المسلح أكثر تعقيدًا، بتدخل الجماعات المسلحة وغير التابعة للدول العاملة على أراضي دول عديدة أو عبر أراضيها، مع وجود أو عدم وجود سيطرة من الدول المعنية. وأصبح الأمر أكثر صعوبة برفض بعض الدول الاعتراف بوجود نزاع مسلح على أراضيها وتبريرها استخدام القوة المسلحة باسم إعادة إنشاء النظام العام.

وقد أوضحت المناقشات بشأن القانون الواجب التطبيق على محاربة الإرهاب الدولي الحاجة إلى إعادة تحديد التفاعل وتطبيق هذين الفرعين من القانون الدولي. وقد أسفر التطبيق الانتقائي والتفسير الحصري لقواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان عن نشوء ثقوب سوداء قانونية مما يحرم بعض الناس المستضعفين من أية حماية قانونية.

وقد تدخلت المحاكم الجنائية الدولية لتعيد إلى الأذهان التطبيق المشترك والمتكامل لحقوق الإنسان في حالات الاضطراب أو النزاع المسلح، لتوضيح العلاقة بين هذين الفرعين من القانون الدولي، ولتؤكد تطبيق حقوق الإنسان خارج نطاق الحدود الإقليمية في بعض الحالات، مثل حالات الاحتلال والاحتجاز.

ولهذا تلعب حقوق الإنسان دورًا هامًّا في تلك الحالات غير المشمولة (أو غير المشمولة بشكل وافٍ) بالقانون الدولي الإنساني، بقدر ما يسكت عن ذكر هذه المسائل أو يكون غير واضح، بل أيضًا بسبب رفض الدول الاعتراف بتطبيقه.

زيادة على ذلك، تتضمن كل من الاتفاقيات بشأن حقوق الإنسان وتلك بشأن القانون الدولي الإنساني أساسًا أدنى من ضمانات أساسية مماثلة، ويمكن تطبيقها بالحد الأمثل لضمان أن تظل المعايير الدنيا لحماية البشر واجبة التطبيق على الجميع وفي جميع الظروف.

وفي حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية، من المفيد على سبيل المثال إبراز التكاملية القائمة بين هذين الفرعين من القانون الدولي.

← اضطرابات وتوترات داخلية؛ ضمانات أساسية؛ نزاع مسلح دولي؛ القانون الدولي الإنساني؛ نزاع مسلح غير دولي؛ حالات وفئات لم يشملها القانون الإنساني صراحة؛ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أولًا الحقوق والحريات الأساسية

توضح الاتفاقيات الدولية والإقليمية حقوق الإنسان الأساسية الرئيسية المعترف بها من المجتمع الدولي. وتتخذ اتفاقيات أخرى اتجاهًا موضوعيًّا وتنظم الحقوق والضمانات المحددة. ويطرح تطبيق حقوق الإنسان عددًا من المشاكل، خصوصًا في فترات الاضطراب أو النزاع.

1 الاتفاقيات الدولية

حدَّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الصادر عام 1948) الإطار العام لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا.

← الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

وقد استكمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بصدور عهدين: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذين اعتمدتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 أيلول/ سبتمبر 1966، ودخل حيز النفاذ في عام 1976. وتُعرف هذه النصوص الثلاثة باسم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

  • ويبلغ عدد الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حاليًّا 168 دولة طرفًا. وتحمي الحقوق الواردة في هذا العهد الحقوق المدنية والحريات الأساسية للأفراد من أي انتهاك أو تجاوز من جانب السلطات.
  • أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيضم حاليًّا 164 دولة طرفًا. وتقتضي الحقوق الواردة في هذا العهد أن تتخذ الدول تدابير لضمان حسن الحال لكل شخص.

وأحيانًا يوضع تمييز بين ”حقوق إيجابية“ و”حقوق سلبية“. فالحقوق الإيجابية تقتضي أن يكون على الدول التزام بالتصرف لضمان التمتع بهذه الحقوق (وهي الحالة التي تشمل معظم الحقوق الاقتصادية، مثلًا) في حين تتضمن الثانية واجبًا بالامتناع عن التدخل (كما هي الحال في معظم الحريات المدنية).

ويتمثل بعض الحقوق المدنية والسياسية الأساسية في ما يلي:

  • الحق في الرفاه البدني والعقلي؛
  • حرية الحركة والتجمع والانتماء إلى الجمعيات بضمنها تأسيس نقابات العمال؛
  • حرية التفكير، والضمير والتعبير؛
  • الحق في المساواة بصورة عامة وأمام القانون؛
  • الحق في الامتلاك وإنجاز الأهداف التي يتوخاها الإنسان؛
  • الحق في المشاركة في الشؤون السياسية للبلاد.

2 الاتفاقيات الإقليمية

  • الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، اعتمدت في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1950 ودخلت حيز النفاذ في عام 1953. ويبلغ عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية سبعًا وأربعين دولة طرفًا.
  • الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان اعتمدت في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969 ودخلت حيز النفاذ في عام 1978. ويبلغ عدد الأطراف في هذه الاتفاقية في نيسان/ أبريل 2013 أربعًا وعشرين دولة طرفًا.
  • الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب اعتمد في 27 حزيران/ يونية 1981 ودخل حيز النفاذ في عام 1986. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيه في نيسان/ أبريل 2013، 53 دولة طرفًا.
  • الميثاق العربي لحقوق الإنسان، اعتمد في 15 أيلول/ سبتمبر 1994 من جانب مجلس جامعة الدول العربية وعُدل أثناء اجتماع مؤتمر القمة العربي في تونس في عام 2004. ودخل حيز النفاذ في 16 آذار/ مارس 2008، أي بعد شهرين من تصديق الدولة العضو السابعة في جامعة الدول العربية. وأنشأ الميثاق اللجنة العربية لحقوق الإنسان للإشراف على تنفيذه.

← اللجنة الأفريقيّة والمحاكم الأفريقية لحقوق الإنسان؛ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ولجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان.

ثانيًا الاتفاقيات المواضيعية

1 الاتفاقيات العالمية

هذه الاتفاقيات اعتمدت لحماية بعض الحقوق المحدَّدة وحظر بعض الأفعال أو السلوكيات (حالة التصديقات في نيسان/ أبريل 2013):

  • اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (اتفاقية الإبادة الجماعية) اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1948 ودخلت حيز النفاذ في عام 1951. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 146 دولة.
  • اتفاقية إلغاء الرق وتجارة الرقيق والنُظم والعادات الشبيهة بالرق (مكملة لاتفاقية الرقيق لعام 1927)، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أيلول/ سبتمبر 1956 ودخلت حيز النفاذ في عام 1957. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 123 دولة.
  • الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (اتفاقية التمييز)، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 1965 ودخلت حيز النفاذ في عام 1969. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 177 دولة.
  • الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، اعتمدتها في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973 الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز النفاذ في عام 1976. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 109 دول.
  • اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979 ودخلت حيز النفاذ في عام 1981. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 189 دولة.
  • الاتفاقية المتعلقة بمركز اللاجئين، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 تموز/ يولية 1951 ودخلت حيز النفاذ في عام 1954. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 145 دولة.
  • اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب)، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1984 ودخلت حيز النفاذ في عام 1987. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 158 دولة.
  • اتفاقية حقوق الطفل اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 ودخلت حيز النفاذ في عام 1990. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 193 دولة. وأعقب هذه الاتفاقية إلحاق بروتوكولين اختياريين اعتمدا في 25 أيار/ مايو 2000، ودخلا حيز النفاذ في شباط/ فبراير 2002: البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة ويبلغ عدد الدول الأطراف فيه 151 دولة، وبروتوكول بشأن بيع الأطفال والبروتوكول الاختياري بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية ويبلغ عدد الدول الأطراف فيه 169 دولة.
  • اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2006 ودخلت حيز النفاذ في عام 2008. ويبلغ عدد الدول الأطراف بها 154 دولة.
  • الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2006 ودخلت حيز النفاذ في عام 2010. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها 46 دولة.

2 الاتفاقيات الإقليمية

  • الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدها مجلس أوروبا في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987، ودخلت حيز النفاذ في سنة 1989. ويبلغ عدد الدول الأطراف سبعًا وأربعين دولة.
  • اتفاقية البلدان الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه، اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1985، ودخلت حيز النفاذ في 1987. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها ثماني عشرة دولة.
  • اتفاقية البلدان الأمريكية المتعلقة بحالات الاختفاء القسري للأشخاص، اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في 9 حزيران/ يونية 1994، ودخلت حيز النفاذ في سنة 1996. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها أربع عشرة دولة.
  • الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه، اعتمد في سنة 1990 ودخل حيز النفاذ في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيه إحدى وأربعين دولة.
  • بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة اعتمده الاتحاد الأفريقي في سنة 2003، ودخل حيز النفاذ في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005. ويبلغ عدد الدول الأطراف ستًّا وستين دولة.

← فصل عنصريّ ؛ طفل؛ تمييز؛ إبادة جماعية؛ تعذيب؛ نساء.

ثالثًا نقاط ضعف اتفاقيات حقوق الإنسان

قد تنشأ مشاكل مختلفة في تنفيذ أحكام هذه الاتفاقيات.

1 لا تترتب على الدول دائمًا التزامات محددة

من الأهمية التأكيد على أن اتفاقيات حقوق الإنسان لا تنطبق مباشرة في القانون الوطني. ولكي تصبح حقوقًا يمكن للأفراد ممارستها مباشرة، تحتاج هذه القواعد إلى أن تقوم كل دولة بإحلالها في القانون الوطني. وغالبًا ما تُحدِّد الاتفاقيات حقوقًا عامة تشمل مجالات مختلفة جدًّا مثل المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي تمنع الدول من التصرف بطرق معيَّنة، على سبيل المثال، استخدام التعذيب أو الاحتجاز العشوائي أو تنفيذ الإعدام خارج نطاق الإجراءات القضائية. وتعترف هذه الاتفاقيات بمساعي الدول نحو الحق في الصحة وفي الغذاء وفي التعليم وفي الضمان الاجتماعي أو في العمل، ولكن دون أن تنشأ على الدول التزامات يطالب بها الأفراد ضد السلطات الوطنية أمام المحاكم المحلية. ولهذا يخضع تطبيقها وفاعليتها لإحلالها في القانون الوطني من جانب كل دولة، وتوافر الموارد المادية التي تجعل من الممكن تنفيذ السياسات الاجتماعية الوطنية التي تتقيَّد بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وغالبًا ما تكون لهذه الاتفاقيات وظيفة إشهارية للدولة في العلاقة بمواطنيها. ومع ذلك، فهي تسهم إسهامًا أساسيًّا في أن توحِّد على مستوى دولي القواعد التي تعترف بها جميع الدول بشأن معاملة مواطنيها. وهنا في هذا الصدد نشير إلى مفهوم ”معايير معاملة الأفراد“. فالاتفاقيات يكملها الإقدام على مستوى دولي بصياغة واعتماد معايير دنيا لمعاملة الأفراد في مجالات محددة مثل الاحتجاز، أو قضاء الأحداث، أو آداب مهنة الطب بالنسبة للأشخاص المحتجزين. وكون هذه قواعد دنيا لا يترك مجالًا للتفسير في ما يخص اعتبارات وطنية محددة.

2 قد يتم تقييد بعض الحقوق في أوقات التوتر أو النزاع

تتضمن الاتفاقيات الواجبة التطبيق على حقوق الإنسان الالتزامات التي قطعتها الدولة في ما يخص سكانها، والحقوق التي تعترف بها لشعبها، وضمان المعاملة التي تلتزم بها لتنفيذها في إطار سيادة القانون. وبالطبع في فترة السلم، تتوفر للدولة مواردها الكاملة لتحقيق هذه الالتزامات، ولكن في فترات الاضطرابات أو انعدام الأمن أو النزاع المسلح، يصبح من الأمور الأساسية إيجاد التوازن الصحيح بين متطلبات استتباب النظام والاحترام لسيادة القانون، وهذا عندما يكون الأفراد في حاجة لمزيد من الحماية. وتسمح الاتفاقيات الدولية للدول بعدم التقيُّد بشكل كامل بعدد من حقوق الإنسان في حالات معيَّنة، مثل فترة الاضطرابات أو التوترات الداخلية أو النزاع. إضافة إلى ذلك، في هذه الفترات التي يسودها اضطرابات وتوتر داخلي، لا تنطبق الضمانات المنصوص عليها في القانون الإنساني، وقانون النزاع المسلح، لأن أفعال العنف لا تعتبر تبلغ مستوى كافيًا من الشدة (وفي النزاع المسلح غير الدولي، الجهات الفاعلة غير التابعة للدول ليست منظمة بدرجة كافية).

ومع ذلك، تنطوي الاتفاقيات بشأن حقوق الإنسان على آليتين للسلامة في ما يتعلق بهذه الحالات: بإدراج الحقوق التي لا يمكن الاستغناء عنها مهما تكن الظروف، ويُتخذ إجراء دولي لإبلاغ حالات الانتقاص من هذه الحقوق.

وفي الواقع، تُحدِّد الاتفاقيات الدولية حقوق الإنسان التي لا يمكن إغفالها، بغض النظر عن الظروف. وفي هذه الحالة، تستخدم مصطلحات ”ضمانات أساسية، حقوق غير قابلة للانتقاص“، أو ‘’النواة الأساسية” لحقوق الإنسان. ولهذا من الضروري، في نطاق حقوق الإنسان، تحديد ما هي الحقوق المطلقة وتلك التي تعتبر فقط نسبية، ويمكن دائمًا تقييدها. فهذه الضمانات الأساسية توجد أيضًا في القانون الدولي الإنساني بالنسبة للنزاع المسلح. أما الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان وقانون النزاعات المسلحة فيتقاطعان إلى حد ما، لتوفِّر للناس معيارًا أدنى من الحماية في إطار جميع الظروف.

وليس للدول حق مطلق في تقييد تطبيق بعض حقوق الإنسان. ويجب وضع نظام شكلي لإمكانية القيام بذلك بطريقتين: من خلال إجراء وطني لإغفال بعض الحقوق، والإجراء الدولي من أجل إبلاغ الحالات حيث يتم فيها انتقاص الحقوق، وتبريرها بأفعال لحماية الأمن والدفاع عن النظام العام الوطني (الالتزام بالإبلاغ مقتبس من المادة 4-3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 15-3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 27-3 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والمادة 4-3 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان). إضافة إلى ذلك، في الحالات حيث يوجد حق في الاستئناف القضائي الدولي، تقوم بعض المحاكم ببحث وجود خطر عام تتذرع به الدولة والتناسبية بين القيود على حقوق الإنسان وما يتم استبانته من الخطر (انظر السوابق القضائية أدناه).

ومن الأهمية ملاحظة أنه عندما يتجاوز استخدام الدولة القوة المسلحة حدود الاستجابة لأفعال متقطعة ومنعزلة من العنف مثل أعمال الشغب (على سبيل المثال، عندما يستلزم الأمر اللجوء إلى القوات المسلحة النظامية)، فهذا يشكل أول خطوة نحو توصيف النزاع المسلح. وفي مثل هذه الحالات من العنف الشديد الناجم عن جهات فاعلة مسلحة منظمة، يكون من الأهمية بالتالي دراسة ما إذا كانت عتبة العنف تصل إلى مستوى يؤدي إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني بالإضافة إلى حقوق الإنسان. أما ”حالات العنف الأخرى “ بما فيها تلك التي تقل عن عتبة تطبيقات القانون الدولي الإنساني، فينبغي تنظيمها باعتبارها حدًّا أدنى أيضًا بمقتضى المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف بالإضافة إلى حقوق الإنسان.

ضمانات أساسية؛ حقوق غير قابلة للتصرف ؛ عدم المساس بالحقوق ؛ حالات وفئات لم يشملها القانون الإنسانيّ صراحةً

3 نقاط ضعف آليات فرض العقوبات في حالة انتهاكات حقوق الإنسان

بوجه عام يعرض معظم اتفاقيات حقوق الإنسان آليات لمراقبة تطبيقها، لكنها تفتقر إلى أي نظام للعقاب الدولي في حالة انتهاكات الاتفاقيات.

فإذا جرى انتهاك لحقوق الإنسان الواردة بها، يضطر الأفراد إلى التوجه إلى محاكم دولتهم الخاصة. وهذا يفترض سلفًا وجود سيادة قانون راسخ جيدًا ونظام قضائي وظيفي مستقل، نظرًا لأنه سيبت في أفعال الدولة وعملائها.

فارتكاب انتهاكات جسيمة أو ضخمة أو منهجية بإجراءات معيَّنة من الحظر، قد تفتح الطريق في إطار بعض الظروف المحدودة أمام إجراءات قضائية دولية ضد دولة تخفق في التقيُّد بالتزاماتها الدولية (هيئات رقابية أدناه).

واتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن قانون النزاعات المسلحة واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1974 فحسب لديها آلية متكاملة لتحديد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تنص على اتخاذ إجراء قانوني ضد الجناة بمقتضى مبدأ الاختصاص العالمي. وقد استكمل هذا منذ سنة 1998 بعد تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر مسؤولة عن مقاضاة المجرمين الذين ارتكبوا أخطر الجرائم أثناء فترة السلم أو الحرب، أي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وعلى مستوى إقليمي، يوجد عدد من الآليات القضائية يمكن بمقتضاها للأفراد اتخاذ إجراءات قانونية، ويمكن أن تؤدي إلى إثبات أن الدولة تخل بأحكام الاتفاقية المعنية ومضطرة إلى تقديم تعويض عن الأضرار التي يعانيها الضحية.

XXالمحكمة الجنائية الدولية؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ تعذيب.

رابعًا أجهزة المراقبة

لا يوجد نظام عام للعمل لاتخاذ إجراء في حالات انتهاكات حقوق الإنسان. وتقوم بعض الاتفاقيات بإنشاء أجهزة مراقبة، يمكن أن ترجع إليها القضايا المرفوعة من الدول والأفراد والمنظمات (خصوصًا المنظمات غير الحكومية). وعادة ما تكون هذه آليات دبلوماسية (في الغالب هيئات مراقبة المعاهدات) بدلًا من الإجراءات القضائية. وهي مسؤولة عن التحقق من التدابير التي تتخذها الدولة للتقيُّد بالالتزامات الدولية، ويمكن أن تجمع معلومات لهذا الغرض. وتتجه عملية التحقيق نحو فحص موضوع القانون الوطني والتعديلات المدخلة عليه بدلًا من فحص تطبيقه في الحالات الفعلية. توجد إجراءات مراقبة مختلفة في ما يتعلق بشتى الاتفاقيات المتنوعة.

1 إجراءات المراقبة غير القضائية

(أ) التقارير القطرية الدولية

ينص بعض الاتفاقيات على وجود جهاز مراقبة، يُعد مسؤولًا عن فحص التقارير الدورية الصادرة من البلدان الموقِّعة بشأن الوفاء بالتزاماتها العامة أو الالتزامات المحددة في ما يخص حقوق الإنسان. ويعتبر مثل هذا الإجراء إلزاميًّا أمام:

  • لجنة حقوق الإنسان (المادة 40 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)؛
  • لجنة مناهضة التعذيب بصورة دورية وعلى أساس لجنة خاصة (المادتان 19 و20 من اتفاقية مناهضة التعذيب)؛
  • لجنة حقوق الطفل (المادة 44 من اتفاقية حقوق الطفل)؛
  • لجنة القضاء على التمييز ضد النساء (المادة 18 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)؛
  • لجنة القضاء على التمييز العنصري (المادة 9 من اتفاقية القضاء على التمييز)؛
  • اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب (المادة 1 من الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب)؛
  • المجلس الاقتصادي والاجتماعي (المواد 16 - 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)؛
  • اللجنة الفرعية لمنع التعذيب (البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة)؛
  • اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين (المادة 73 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم)؛
  • لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 35 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة)؛
  • اللجنة الأفريقية للخبراء المعنيين بحقوق الطفل ورفاهه (المادة 43 من الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه)؛
  • اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان (المادة 62 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب)؛
  • لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 17 من اتفاقية البلدان الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه: المادتان 43 و44 من اتفاقية البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان)؛
  • اللجنة العربية لحقوق الإنسان (المادتان 45 و46 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر سنة 2004).

(ب) مراسلات الدول

يجوز لدولة طرف في اتفاقية لحقوق الإنسان أن تصدر مراسلة بما يفيد أن دولة طرفًا أخرى تنتهك التزاماتها.

ومثل هذا الإجراء يعتبر إلزاميًّا أمام:

  • اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 47 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان)؛
  • لجنة القضاء على التمييز العنصري (المادة 11 من اتفاقية التمييز)؛

ومثل هذا الإجراء يعتبر اختياريًّا أمام:

  • لجنة حقوق الإنسان (المادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)؛
  • لجنة مناهضة التعذيب (المادة 21 من اتفاقية مناهضة التعذيب)؛
  • لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 45 من اتفاقية البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان).

(ج) الالتماسات الفردية

يحق لشخص ما تقديم التماس أو رسالة في حال وجود انتهاكات لحقوق الإنسان من قِبل دولة طرف في اتفاقية. ويكون هذا الإجراء ملزمًا أمام:

  • اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 55 من الميثاق الأفريقي)؛
  • لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 44 من الاتفاقية الأمريكية)؛
  • لجنة حقوق الإنسان (للدول التي صدقت على البروتوكول الاختياري الأول الخاص بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يهدف إلى قبول هذا التفويض من قِبل طرف لجنة حقوق الإنسان بالتحديد)؛

ويكون مثل هذا الإجراء اختياريًّا أمام:

  • لجنة مناهضة التعذيب (المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب)؛
  • لجنة القضاء على التمييز العنصري (المادة 14 من اتفاقية التمييز).

(د) مراسلات المنظمات غير الحكومية

يحق لمنظمة غير حكومية تقديم التماس أو رسالة في حال قيام دولة عضو في المعاهدة بخرق لحقوق الإنسان. ويكون مثل هذا الإجراء ملزمًا أمام:

  • اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 55 من الميثاق الأفريقي)؛
  • لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 44 من الاتفاقية الأمريكية)؛
  • للجنة الأفريقية للخبراء المعنيين بحقوق الطفل ورفاهه (المادة 44 من الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه).

2 إجراءات المراقبة القضائية

(أ) الشكاوى الفردية

يحق لشخص ما تقديم شكوى أمام أحد الأجهزة الدولية عند قيام دولة طرف بانتهاكات لحقوق الإنسان. ويكون مثل هذا الإجراء ملزمًا أمام:

  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 34 من الاتفاقية الأوروبية، بصفتها المعدَّلة بالبروتوكول الثاني).

ويكون هذا الإجراء اختياريًّا أمام:

  • المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، المنشأة في سنة 1998 عقب اعتماد بروتوكول ملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. ويمكن للمحكمة أن تبت في الشكاوى الفردية (المادة 5-3 من البروتوكول) إذا قبلت هذا الاختيار، على النحو المحدَّد في المادة 34-6 من البروتوكول، وهذا الحكم موضح بنفس العبارة (المادة 8-3) بصفته اختياريًّا (المادة 30-و) في النظام الأساسي للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المعتمدة في سنة 2008، والتي عندما يتم دخولها حيز النفاذ سوف تضم المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأفريقي.
  • محكمة العدل التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وللمحكمة اختصاص للبت في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال إجراء الشكاوى الفردية منذ سنة 2005. وجدير بالذكر بصفة خاصة أن سُبل الانتصاف المحلية لا تحتاج إلى استنفادها قبل مثول الحالات أمام محكمة العدل التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وتظهر المحكمة أحكامها وفقًا لأحكام الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

← لجوء الأفراد إلى المحاكم

(ب) شكاوى المنظمات غير الحكومية

يحق لمنظمة غير حكومية تقديم شكاوى أمام أحد الأجهزة الدولية في حال قيام دولة طرف بانتهاكات لحقوق الإنسان، ويكون مثل هذا الإجراء ملزمًا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 34 من الاتفاقية الأوروبية، بصيغتها المعدلة في البروتوكول الثاني)؛

ويكون مثل هذا الإجراء اختياريًّا أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (المواد 5-3 و34-6 من البروتوكول الإضافي الصادر سنة 1998 الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب) وبالنسبة للمنظمات الحكومية ذات مركز المراقب مع اللجنة الأفريقية للإنسان والشعوب).

(ج) شكاوى الدول

يحق لدولة طرف تقديم شكوى ضد دولة أخرى في حال وجود انتهاكات لحقوق الإنسان. ويكون مثل هذا الإجراء ملزمًا أمام:

  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 33 من الاتفاقية الأوروبية، بصيغتها المعدلة في البروتوكول الثاني) و
  • المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان (المادة 5، الفقرة 1 من البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وبالإضافة إلى الحالات المحالة إليها من محكمة من دولة طرف يمكن للمحكمة الأفريقية أيضًا أن تستمع إلى قضايا محالة إليها من اللجنة الأفريقية ومن المنظمات الحكومية الدولية الأفريقية. وفي الحالات المتصلة بالحرب، يفضل الإشارة إلى انتهاكات القانون الإنساني بدلًا من انتهاكات حقوق الإنسان.

☜ في المواقف ذات العلاقة بالحروب، يفضَّل الإشارة إلى انتهاكات القانون الإنساني بدلًا من الإشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان، ويوفِّر القانون الدولي الإنساني حقوقًا أكثر تحديدًا للأفراد بما في ذلك الحق في المساعدة. ويحدِّد بدقة محتوى الانتهاكات التي تقع ضمن فئات جرائم الحرب المختلفة، والجرائم ضد الإنسانية وما إلى ذلك. كما يوفِّر أنواعًا من حالات الالتماس القضائي وغير القضائي غير الموجودة من خلال آليات حقوق الإنسان. ففي حالة التعذيب مثلًا، تنص اتفاقية مناهضة التعذيب بالتحديد على حق اللجوء إلى القضاء وفق مبدأ الاختصاص العالمي.

وفي المواقف التي لا تكون فيها انتهاكات حقوق الإنسان أفعالًا معزولة بيد أنها ترتكب ضمن سياق سياسة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب، يؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن بإمكان الدول أو مجلس الأمن إحالة القضايا إليها. وقد يأمر المدعي العام بالبدء بالتحقيقات والمقاضاة، وفي ظل ظروف معيَّنة، على أساس المعلومات التي يتلقاها من الضحايا مباشرة، أو المنظمات غير الحكومية أو أي مصدر آخر. ويحق للضحايا التمثيل القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية والحصول على التعويض (المادتان 68 و75 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).

← لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ تعذيب؛ الاختصاص العالمي.

الحق في تعويضات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان

يعتبر حق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تلقي تعويضات موضوعًا حديثًا في القانون الدولي.

ومن المعهود أن هذا مرتبط بالحق الأوسع نطاقًا في سُبل الانتصاف القضائية لضحايا الانتهاك، ويمثل المرحلة الأخيرة في إجراءات الدعوى. ويقع الحق في سُبل الانتصاف القضائية والتعويضات أساسًا على مسؤولية المحاكم الوطنية. وطوال سنوات، كانت الآليات الوحيدة المتاحة لهؤلاء الضحايا وأسرهم هي القرارات القضائية النادرة من المحاكم المحلية أو الإجراءات المخصصة الغرض مثل لجان الحقيقة والمصالحة أو الصناديق المنشأة في إطار الأمم المتحدة. ولم ينص النظامان الأساسيان للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين المخصصتين ليوغسلافيا السابقة ولرواندا على أي نظام للتعويضات للضحايا. واعتمد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 75)، المعتمدة في تموز/ يولية 1998، وينص على إمكانية التعويضات لضحايا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ويرد النص على إنشاء صندوق استئماني للضحايا في المادة 79-1 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وأنشئت في أيلول/ سبتمبر 2002، عقب صدور القرار 6 من الجمعية العامة للدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. ويحدِّد الصندوق الشروط والأحكام المتعلقة بالتعويضات من المجتمع الدولي في التعويض من أجل الضرر الذي يلحق بالضحايا وأسرهم إلى جانب إمكانيات التعويض المباشر من الأفراد المدانين. وبعبارة أدق، هذا ليس صندوقًا يصرف تعويضات قضائية فردية، بل إنه يعمل بدلًا من ذلك بروح الأنشطة الجماعية لإعادة الاعتبار.

وهناك صندوقان خاصان أنشأتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة. الصندوق الأول هو صندوق الأمم المتحدة الطوعي لضحايا التعذيب، الذي أنشئ في سنة 1982؛ والصندوق الثاني هو الصندوق الطوعي لضحايا الأشكال المعاصرة للرق، وأنشئ في سنة 1991. ويدير هذين الصندوقين مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس مديرين مكوَّن من خمسة أشخاص يرشحهم الأمين العام للأمم المتحدة لفترة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. ويسعى المجلس إلى الحصول على الأموال بعد دراسة مختلف المشاريع المقدَّمة من المنظمات غير الحكومية العاملة مع ضحايا التعذيب أو الرق. وتكون المنظمات غير الحكومية هي العامل الفاصل الإلزامي الذي تمر من خلاله جميع المعونات المخصصة من الجهات المانحة، نظرًا لأن الصندوقين لا يقدمان أموالًا بشكل مباشر إلى الضحايا.

وعلى المستوى الإقليمي، تُقر اتفاقيات حقوق الإنسان مبدأ الحق في التعويض واللجوء الفعلي إلى المحاكم، ويمكن لمحكمة البلدان الأمريكية والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان أن تبت في أحكامها لمنح تعويض إلى ضحايا الانتهاكات وذلك بإصدار أمر إلى الجهات المعنية في الدولة لدفع تعويضات للضحايا بالمقدار الذي يقره القاضي الإقليمي (المادة 13 من الاتفاقية الأوروبية؛ والمادتان 25 و63 من اتفاقية البلدان الأمريكية والمادة 7 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب؛ والمادتان 28 و45 من البروتوكول المعني بالنظام الأساسي لمحكمة العدل الأفريقية وحقوق الإنسان لسنة 2008؛ والمادة 3-2 من البروتوكول الإضافي الملحق بالبروتوكول الخاص بمحكمة العدل لجماعة دول غرب أفريقيا المؤسسة سنة 2005).

وفي سنة 2005، اعتمدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ”المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في اللجوء إلى سُبل الانتصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني“ (E/CN.4/RES/2005/35). وفي ما بعد إعادة التأكيد على هذه المبادئ من الجمعية العامة في سنة 2006 في القرار 60/147.

ومثل هذا الإجراء اختياري أمام:

  • محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 62 من الاتفاقية الأمريكية). إضافة إلى القضايا المحالة إليها من دولة طرف، يمكن لمحكمة البلدان الأمريكية أيضًا سماع القضايا المحالة إليها من لجنة البلدان الأمريكية إذا أخفقت دولة في التقيُّد بمقررات اللجنة وتوصياتها.

3 هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة

الهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان لم تنشأ بموجب معاهدة محددة. وهذه هي الحال، على سبيل المثال، مع مختلف الإجراءات القائمة داخل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وخاصة الإجراءات الخاصة التي يتولاها مجلس حقوق الإنسان. وتشمل هذه الإجراءات الخاصة مراسلات فردية سرية. وعلى وجه الخصوص، قامت اللجنة الاستشارية التابعة لمجلس حقوق الإنسان بتعيين فريق عامل معني بالمراسلات لفترة ثلاث سنوات. وعمل الفريق على إحياء إجراء 1503 (المعروف حاليًّا بإجراء 1503 المنقح)، الذي يسمح بفحص المراسلات السرية المقدَّمة من الأفراد أو الجماعات والتي تُندد بانتهاكات حقوق الإنسان. وتشمل هذه الإجراءات الخاصة أيضًا أعمال المقررين الخاصين المعيَّنين للتحقيق في الانتهاكات وتعزيز احترام حقوق الإنسان في بلدان محددة، أو بشأن مواضيع محددة، ومع ذلك، ليس لها أية وظيفة قضائية. وفي حال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تتمتع تلك الإجراءات بصلاحيات التحقيق وإصدار تقارير ونشرها كملاذ أخير. ويمكن أن ترسل مختلف الهيئات التابعة للأمم المتحدة تقارير هذه التحقيقات إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لاستخدامها كأساس للفحص قبل اتخاذ الإجراءات الجنائية.

← مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان؛ مقرّر خاصّ.

خامسًا التكاملية بين القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

منذ سنة 1977 حدَّد البروتوكولان الاختياريان الملحقان باتفاقيات جنيف لسنة 1949 واستكمال المعايير اللازمة لحماية المدنيين في أوقات الحرب على النحو المبيَّن في اتفاقية جنيف الرابعة، ليس هذا فحسب، بل أيضًا في معايير للقانون الدولي التي تنظِّم حماية حقوق الإنسان الأساسية في أوقات النزاع المسلح (البروتوكول 1، المادة 72؛ والبروتوكول ا2، الديباجة). وقد اعترفت محكمة العدل الدولية في كثير من أحكامها بضرورة أن يكون القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان متكاملين وأن يتم تطبيقهما بشكل مشترك. وهذه الأحكام تشكل جزءًا من السياق المتغير بالنسبة لأشكال النزاع. وهذه تحدِّد الأفكار القانونية والواجبة التطبيق على المسائل في الحرب على الإرهاب والأمن الوطني والآراء الخاصة بالأمن الوطني، بل أيضًا على حالات الاحتلال أو الرقابة الفعلية التي تدخل فيها مسؤولية الدولة ودور الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة (انظر الأحكام القضائية أدناه).

وتنشأ ثلاث نقاط أساسية من هذه الأحكام. فلا تزال حقوق الإنسان تنطبق حتى أثناء النزاعات المسلحة (1) فتطبيق حقوق الإنسان أثناء النزاعات يعتبر محدودًا فحسب بإجراءات عدم التقيُّد التي قد تكررها الدول للتنفيذ أثناء حالات استثنائية. وتطبيق حقوق الإنسان قد يمتد في ظل ظروف معيَّنة خارج نطاق الإقليم الوطني أو إلى الأجانب (2) وأخيرًا في حالة التطبيق الفوري لهذه الفروع من القانون، يعتبر القانون الدولي الإنساني قانونًا خاصًّا (القانون الذي يحكم موضوعًا خاصًّاً)، وبالتالي فإنه يسود على القانون العام لحقوق الإنسان. ويحتاج تفوق القانون الدولي الإنساني إلى التعديل وتفسيره لضمان أن يظل متوائمًا مع روح المبدأ المستقر أخيرًا للتطبيق المتزامن (3).

وتعتبر النزاعات المسلحة غير الدولية بل أيضًا حالات الاحتجاز، والاحتلال العسكري والأشكال الجديدة من الجهود عبر الوطنية لمكافحة انعدام الأمن أو الإرهاب هي الحالات الأساسية المحتمل أن تتناولها حقوق الإنسان بالإضافة إلى أو في نفس الوقت مثل القانون الدولي الإنساني، بقدر ما يسكت هذا الأخير أو يكون غامضًا بشأن المسألة المتاحة. وفي السنوات الأخيرة، قدَّمت الأحكام القضائية الدولية أمثلة مفيدة بشأن الأحكام التي يمكن في ظلها تطبيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بطرق متكاملة. وهذه تشمل على وجه الخصوص الأحكام الصادرة من محكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي إما أنها اعتمدت أو خالفت المحكمة العليا في الولايات المتحدة والمحكمة العليا في إسرائيل بشأن عدة نقاط أساسية. ولا يزال من المتصور تطوير المعايير المتعلقة بتطبيق وتفسير الاستخدام المتكامل لهذين الفرعين من القانون في هذا المجال المتشابك، وإقراره (انظر الأحكام القضائية أدناه).

1 التطبيق المتزامن لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني

من المقبول الآن على نطاق واسع أن حقوق الإنسان لا تزال تنطبق في أوقات النزاع المسلح مع استثناء وحيد خاص بإجراءات عدم التقيُّد التي تطبقها الدول المعنية وفقًا لأحكام اتفاقيات حقوق الإنسان. وهذا يعتبر هامًّا على وجه الخصوص في ضوء الأشكال الجديدة لبعض النزاعات المسلحة، وخاصة النزاعات غير الدولية التي حملت بعض الدول على معارضة تطبيق القانون الدولي الإنساني في هذه الحالة لسبب تطبيق حرفي وحصري للمعايير بشأن تعريف النزاع، أو خصائص الجماعات المسلحة غير التابعة للدول والمقاتلين. وقد ورد التطبيق المتزامن في عدة أحكام صادرة من المحاكم، وخصوصًا محكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وهذا تطور أساسي بقدر ما يضع نهاية للاستخدام التعسفي المخل لبعض الحجج القانونية التي حالت دون تطبيق حقوق الإنسان وكذلك حق الإنسان في القانون الدولي الإنساني في سياق الحرب على الإرهاب. على سبيل المثال، حُرم المحتجزون من أي حماية مستمدة من اتفاقيات حقوق الإنسان على أساس أنهم أجانب ومحتجزون خارج النطاق الإقليمي الوطني، كما حُرم هؤلاء من الحماية التي ترد في القانون الدولي الإنساني على أساس التفسيرات الحرفية والمتناقضة لمعايير القانون الدولي الإنساني التي تُعرِّف النزاع الدولي وغير الدولي والمقاتلين. وجرى استبعادها من فائدة لائحة النزاع الدولي نظرًا لأن الأفراد المعنيين ينتمون إلى جماعات مسلحة غير تابعة للدول وتلائم نموذج ومعايير النزاع المشترك بين الدول. وفي الوقت نفسه، حُرم هؤلاء من الضمانات الأساسية المنصوص عليها من أجل النزاع غير الدولي في المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف، على أساس أن الحرب على الإرهاب، من الواضح أن تمس أكثر من بلد - ولا يمكن وصفه بأنه غير دولي. وفي حالات أخرى، أُعلن أن حقوق الإنسان غير منطبقة في حالات النزاع المسلح بسبب صدارة القانون الدولي الإنساني، الذي يعتبر قانونًا خاصًّا في هذه الحالات. ويلزم فهم قرارات القضاة الدوليين وما صدر من تحليل قانوني وافر من الاختصاصيين بشأن جميع الجوانب في هذا السياق الخاص بإثبات بطلان القول، والذي يزيل قدرة على توفير حماية من هذين الفرعين في القانون الدولي (جدال قانوني حول المقاتل غير الشرعي جرى تناوله بشكل منفصل

←مقاتل؛ احتجاز.

2 تطبيق التزامات حقوق الإنسان خارج نطاق الحدود الإقليمية

أشارت القرارات الصادرة من المحاكم أيضًا إلى تطبيق حقوق الإنسان خارج نطاق الحدود الإقليمية في الحالات حيث تمارس الدولة سيطرة فعلية على إقليم أجنبي أو رعايا أجانب. وتعتبر الدول مُلزمة بموجب التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان خارج إقليمها الوطني في حالات الاحتلال العسكري المباشر أو غير المباشر، وكذلك في جميع حالات احتجاز الأفراد الأجانب بغض النظر عن مكان احتجازهم.

3 قواعد التحكيم بين تطبيق حقوق الإنسان (القانون العام) والقانون الدولي الإنساني (قاعدة التخصيص)

يطرح التطبيق المتزامن لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عددًا من المشاكل بشأن التحكيم وتفسير القواعد المختلفة والمتضاربة الواجبة التطبيق على مختلف الحالات والأشخاص المتضررين. ويستلزم الأمر إعادة البحث في النقطة الفنية للمناقشات القانونية واتساعها في إطار أوسع لفهم المسائل التي تنطوي عليها ومن الإنصاف القول أن تطبيق حقوق الإنسان في حالات النزاع يمثل تقدمًا قانونيًّا، نظرًا لأن نظام حقوق الإنسان في عدة مجالات هو أكثر حماية للأفراد. ومع ذلك، تشير حقوق الإنسان إلى أفكار تناقض أحيانًا تلك الأفكار في القانون الدولي الإنساني. وكقاعدة عامة، ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب على الإقليم الوطني ويُلزم فحسب الدولة في ما يخص مواطنيها. وزيادة على ذلك، تستند حقوق الإنسان إلى أفكار مثل الحق في الحياة والحق في الحرية والضمانات القضائية وعدم التمييز وسيادة القانون التي تتعارض أحيانًا مع بعض أحكام القانون الدولي الإنساني. وعلى وجه الخصوص، يعترف القانون الإنساني بمبادئ الضرورة العسكرية والتناسبية، التي تضفي شرعية على استخدام القوة الفتاكة ضد العدو، بينما تعتبر حقوق الإنسان، كمسألة عامة، أن استخدام القوة الفتاكة يمثل بوجه عام انتهاكًا للحق في الحياة، إلا في بعض الظروف الاستثنائية الشديدة. وبالمثل، يأذن القانون الإنساني باحتجاز المحتجزين الأمنيين دون محاكمة، وهو ما يمثل، بموجب قانون حقوق الإنسان، انتهاكًا للحق في الحرية والضمانات القضائية المعيارية.

وهناك صعوبة أخرى بين هذين الفرعين من القانون، ذلك أن حقوق الإنسان توفِّر حماية على قدم المساواة لجميع الأفراد دون تمييز، في حين يميِّز القانون الدولي الإنساني بين الحماية للمدنيين وللمقاتلين. وتتفاقم هذه الصعوبة من خلال حقيقة أن القانون الإنساني الدولي، في حالة وجود نزاع مسلح غير دولي، لا يعتبر تلقائيًّا أعضاء الجماعات المسلحة غير الحكومية كمقاتلين. ويعني الغموض حول وضعهم أنهم ”مدنيون“ يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية. وعلى هذا النحو يمكن أن يكون هؤلاء أهدافًا مشروعة للهجوم أثناء مشاركتهم أو للقتل المستهدف وفقًا للعقيدة التي وضعتها مختلف الدول، بيد أنهم أيضًا محرومون من ضمانات معيَّنة أثناء احتجازهم. وهذه الطبيعة غير المؤكدة لهذه الحالات تُضعف مفاهيم الحق في الحياة الواردة في كل من الاتفاقيات بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني للمدنيين، وتضعف تطبيق الضمانات الأساسية للمحتجزين في كلا الفرعين من فروع القانون الدولي.

ومن أجل تنظيم التطبيق المتزامن للقواعد المختلفة، يستخدم القانون مبدأ تسوية تنازع المعايير الذي يضمن سيادة قاعدة خاصة لمعالجة حالة معيَّنة (قاعدة التخصيص) على القانون العام. وبالتالي فإن القانون الدولي الإنساني يلعب دور القانون الخاص، المصمَّم خصيصًا لحالات النزاع المسلح، وبالتالي يجب أن يسود على حقوق الإنسان في هذه الحالات. ويثير التطبيق العملي لهذا المبدأ، مع ذلك تساؤلات لم تتم تسويتها تمامًا، بالنظر إلى أن التطبيق المتزامن لا يزال ظاهرة حديثة.

ويمكن تلخيص التفسيرات المختلفة لهذه القاعدة على النحو التالي. تصر بعض الدول على ضرورة أن ينطبق القانون الخاص في مكان القانون العام. وهكذا في حالات النزاع المسلح وينبغي أن يحل القانون الدولي الإنساني محل التزامات حقوق الإنسان وإلغائها. وتتناقض هذه الأُطروحة في الأحكام القضائية الدولية التي أشارت إلى أن حقوق الإنسان لا تزال قابلة للتطبيق في جميع الأوقات، مع مراعاة أي انتقاص فحسب نفذته الدولة ردًّا على حالة استثنائية.

ويذهب بعض المحامين، مستلهمين من القرارات الأخيرة الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أبعد من ذلك ويفضلون أن تنطبق تلقائيًّا، في كل حالة حيث يكون القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان قابلة للتطبيق، القاعدة التي توفِّر أكبر قدر من الحماية للأفراد وهي الأكثر تقييدًا بالنسبة للدولة، بغض النظر عن حكم سيادة قاعدة التخصيص. وعلى الرغم من النوايا الحسنة، ستخلق هذه الممارسة حالة عدم يقين بشأن القانون الذي ينطبق على الفور في حالة معيَّنة. وهذا يحمل مخاطر زيادة احتمال حدوث نزاعات ودفع قرار بشأن القانون الواجب التطبيق مرة أخرى للوراء إلى حدوث فحص بأثر رجعي لكل حالة على حدة من قِبل قاضٍ دولي. وهذا غير متوافق مع روح القانون الدولي الإنساني الذي يسعى إلى تجنب حدوث نزاع قانوني في حالتي الأزمة والنزاع ولضمان التطبيق الفوري لقواعد دنيا بسيطة لا خلاف فيها. ومن الضروري تجنب إبداء آراء قانونية ومفاهيم معقدة جدًّا لدرجة أنها تقوِّض وتؤجل تطبيق القواعد التي تعتبر أساسية لبقاء الأفراد وحمايتهم في حالات الأزمة والنزاع.

ومع ذلك، من الممكن التوصل إلى توافق آراء مقبول وعملي إزاء هذه المسألة. فإذا فسرنا هذه القاعدة بحسن نية وبروح المبدأ الذي تقوم عليه، يكون من المنطقي أن نعتبر أن القانون الدولي الإنساني بالإضافة إلى حقوق الإنسان تنطبق في حالات النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي، اعتمادًا على كيفية تصنيف الحالة وفقًا لتعريف هذين النوعين من النزاع، كما تسود قواعده على تلك الخاصة بحقوق الإنسان. ونظرًا لأن مبدأ سيادة القانون الخاص تبرره حقيقة أنه أكثر دقة ومتلائم بشكل أوثق من القانون العام. ومن المنطقي أيضًا اتباع الرأي أنه عندما يضع القانون الدولي الإنساني أحكامًا دقيقة، ينبغي أن تطبق هذه كمسألة ذات أولوية. وعلى العكس في الحالات حيث يتغاضى القانون الدولي الإنساني ويصبح غامضًا أو غير مؤكد، عندئذ يصبح مفهوم القانون الخاص أقل أهمية. وينبغي عندئذ أن تظل حقوق الإنسان هي المعيار الأساسي ذو الأهمية بما في ذلك الحالات التي تتجاوز الحدود الإقليمية استنادًا إلى معيار الرقابة الفعالة. ويتوافق هذا التفسير مع روح هذين الفرعين من القانون الدولي. إضافة إلى ذلك، فإنه يقدِّم وسيلة لتدارك أية ثغرات سوداء قانونية ناشئة من التفسيرات التقييدية أو الحرفية المفرطة لمختلف مفاهيم القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

← المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ محكمة العدل الدولية؛ أراض محتلة؛ تعذيب

السوابق القضائية

قدَّمت الأحكام القضائية الدولية في السنوات الأخيرة أمثلة مفيدة بشأن الشروط التي يمكن بموجبها تطبيق القانون الدولي الإنساني بطرق متكاملة. وهذه تشمل على الأخص الأحكام الصادرة من محكمة العدل الدولية أو من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي إما بنيت على، أو عدلت الأحكام الصادرة من المحكمة العليا في الولايات المتحدة أو في إسرائيل بشأن التطبيق المتزامن لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بشأن تطبيق حقوق الإنسان خارج نطاق الحدود الإقليمية (1) والرقابة القضائية على إجراءات انتقاص حقوق الإنسان استنادًا إلى حجج أمنية قومية (2).

  1. التطبيق المزدوج للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في فترات النزاع المسلح وتطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان خارج نطاق الحدود الإقليمية

التطبيق المتزامن أو التطبيق خارج الحدود الإقليمية تؤكده عدة نصوص من الأحكام القضائية المتوافقة استنادًا إلى فكرة السيطرة الفعالة لدولة ما على أراضيها أو أفرادها بالخارج. وهذا يعتبر بصفة خاصة وثيق الصلة بحالات الاحتلال والاحتجاز.

  • شرعية التهديد واستخدام الأسلحة النووية، فتوى، تقارير محكمة العدل الدولية 1996

أشارت محكمة العدل الدولية في هذا القرار إلى التطبيق المتزامن لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في فترة النزاع المسلح، وطرحت مشاكل مرتبطة بالفرق في المضمون في ما يتعلق بالحياة المنصوص عليها في هذين الفرعين من القانون الدولي. وفي رأي المحكمة يسود القانون الدولي الإنساني في تحديد الحرمان غير المشروع للحق في الحياة في حالة النزاع المسلح:

لا تتوقف الحماية التي يوفرها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في أوقات الحرب، في ما عدا بإعمال المادة 4 من العهد حيث يمكن تقييد بعض الأحكام في وقت الطوارئ على المستوى الوطني. ومع ذلك فإن احترام الحق في الحياة ليس بمثل هذا الحكم. ومن ناحية المبدأ، فإن الحق في أنه لا يمكن بشكل عشوائي حرمان حياة الشخص حيث ينطبق أيضًا في الأعمال العدائية. أما اختبار ما يعتبر حرمانًا عشوائيًّا للحياة فيحدده القانون الخاص الواجب التطبيق، ألا وهو القانون المعمول به في النزاع المسلح والذي وضع لتنظيم سير الأعمال العدائية [بالتالي ما يشكل حرمانًا للحياة]، (الفقرة 25).

  • التبعات القانونية لإنشاء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتوى، تقارير محكمة العدل الدولية 2004.

في هذه الفتوى، عادت محكمة العدل الدولية إلى أحكامها القضائية السابقة بشأن شرعية استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، وتنطبق هذه على احترام العهدين الدوليين بشأن حقوق الإنسان في حالات الاحتلال العسكري الذي يشمله القانون الدولي الإنساني. وهذا يوضح المعايير المتعلقة بالتطبيق المتزامن للفرعين من القانون، وخصوصًا في حالات التطبيق خارج الحدود الإقليمية لحقوق الإنسان على سكان الأراضي التي تحتلها دولة أجنبية.

وفي ما يخص العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، هناك بالتالي ثلاث حالات ممكنة: بعض الحقوق تعتبر بشكل حصري مسائل من القانون الدولي الإنساني؛ وبعضها الآخر يمكن اعتبارها بشكل حصري مسائل من قانون حقوق الإنسان؛ بيد أن بعضها الآخر يمكن أن تكون مسائل من هذين الفرعين من القانون الدولي. وبغية الإجابة على السؤال المطروح، سيتعيَّن على المحكمة أن تنظر في هذين الفرعين من القانون الدولي، ألا وهما قانون حقوق الإنسان والقانون الخاص، والقانون الدولي الإنساني (الفقرة 206).

ولا يزال يتعيَّن ما إذا كان العهدان الدوليان واتفاقية حقوق الطفل واجبة التطبيق فحسب على أقاليم الدول الأطراف فيها أنها قابلة للتطبيق خارج نطاق تلك الأقاليم، وإذا كان الأمر كذلك، ففي أي الظروف (الفقرة 107).

ويمكن تفسير نطاق تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو بأنه يشمل فحسب الأفراد الحاضرين على إقليم دولة ما ويخضعون للاختصاص القضائي بتلك الدولة (الفقرة 108).

ولاحظت المحكمة أنه ”باعتماد الصياغة اللغوية المختارة، لم يقصد الذين صاغوا العهد السماح للدول بالهروب من التزاماتها عندما تمارس اختصاصًا خارج إقليمها الوطني“ (الفقرة 109). وارتأت المحكمة أن ”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واجب التطبيق في ما يخص الأفعال التي تقوم بها دولة في ممارسة اختصاصها خارج نطاق إقليمها“ (الفقرة 111). وأكدت المحكمة ”أن الأراضي التي تحتلها إسرائيل طوال ما يزيد على 37 سنة، تخضع لاختصاصها الإقليمي باعتبارها دولة الاحتلال. ولدى ممارسة إسرائيل الصلاحيات المتاحة لها على هذا الأساس، فإنها تعتبر مُلزمة بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية“ (الفقرة 112).

  • المحكمة العليا بإسرائيل، المحكمة العليا المنعقدة بصفة محكمة العدل العليا، اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، HCJ 759/02، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2005.

وقد أكدت المحكمة العليا بإسرائيل في هذا الحكم أن القانون الدولي الإنساني هو قانون خاص ينطبق في حالات النزاع. وهذا فحسب عندما توجد ثغرة في القانون الدولي الإنساني يمكن الاحتكام إلى حقوق الإنسان بسد تلك الثغرة (الفقرة 18). وواصلت المحكمة العليا نظرها في السوابق القضائية المتماثلة من محكمة العدل الدولية، الذي أُعيد التأكيد عليه في فتواها بشأن إنشاء الجدار من قِبل إسرائيل (التبعات القانونية لإنشاء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الفتوى، تقارير محكمة العدل الدولية، 2004، ص 136، الفقرة 112 أعلاه)، بيد أنها توصلت إلى نتيجة مختلفة، استنادًا إلى تفسير محدود لمفهوم ”الثغرة“. وتبنَّت الرأي القائل أن القانون الدولي الإنساني يضع أحكامًا بشأن الأراضي المحتلة، وبالتالي رفضت التطبيق خارج الحدود الإقليمية لحقوق الإنسان على سكان الأراضي المحتلة، بالسماح بصدارة التزامات أقل تشددًا في القانون الخاص الإنساني.

  • المحكمة العليا بالولايات المتحدة، رسول وآخرون ضد بوش، رئيس الولايات المتحدة وآخرين، أمر تحويل الدعوى للمراجعة إلى محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة، لدائرة مقاطعة كولومبيا، رقم 03-334، الترافع في الدعوى في 20 نيسان/ أبريل 2004، وتم الفصل في الدعوى في 28 حزيران/ يونية 2004.

وفي دعوى رسول ضد بوش، أكدت المحكمة العليا بالولايات المتحدة أن الرعايا الأجانب الذين تحتجزهم سلطات الولايات المتحدة خارج أقاليم الولايات المتحدة في قاعدة غوانتانامو كانوا مشمولين بقانون الولايات المتحدة، وبالتالي يحق لهم معارضة الاحتجاز أمام المحاكم الفيدرالية بالولايات المتحدة، على أساس أن الولايات المتحدة تمارس اختصاصًا حصريًّا وسيطرة حصرية على المكان حيث كان هؤلاء محتجزين.

  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

رغم أن القصد منها هو مراقبة تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أعلنت المحكمة الأوروبية نفسها مختصة لبحث دعاوى تتصل بانتهاكات الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان، المرتكبة في حالات النزاع المسلح والاحتلال العسكري. وتقر الأحكام القضائية للمحكمة الأوروبية بالتطبيق المتزامن للقواعد المتصلة بالقانون الدولي الإنساني وتلك المتصلة بحقوق الإنسان. ولهذا أصدرت حكمها بشأن معايير تتعلق بالتطبيق المتكامل والمتزامن للقانون العام (حقوق الإنسان) والقانون الخاص (القانون الدولي الإنساني).

  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، دعوى السكيني وآخرين ضد المملكة المتحدة، الطلب رقم 55721/07، الحكم (الدائرة الكبرى)، 7 تموز/ يولية 2011.

في قضية السكيني وآخرين ضد المملكة المتحدة، اعتمدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استثناءين لمبدأ الإقليمية لما يخص تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. فبعد سقوط حكم البعث في العراق، رأت المحكمة أن المملكة المتحدة (مع الولايات المتحدة) تولتا ممارسة جميع أو جزء من الصلاحيات العامة التي تمارسها عادة حكومة ذات سيادة في العراق، حتى وقت تعيين حكومة مؤقتة، وعلى هذا الأساس كانت الحكومة البريطانية ملتزمة بالتقيُّد بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في جميع إجراءاتها في الأراضي العراقية وفي ما يخص الأشخاص الخاضعين لسيطرتها. وأكدت المحكمة أن أية دولة صدَّقت على الاتفاقية الأوروبية ملزمة بتطبيق الاتفاقية خارج إقليمها الوطني لما فيه صالح الرعايا الأجانب، حيثما كانت تمارس السيطرة والسلطة على فرد أجنبي من خلال عامليها، وكلما كانت تمارس سيطرة فعلية على إقليم غير إقليمها الوطني نتيجة عمل عسكري، بغض النظر عن مشروعية العمل. وذكرت المحكمة أن الدولة المسيطرة مسؤولة عن ضمان جميع الحقوق الواردة في الاتفاقية الأوروبية والبروتوكولات الإضافية التي صدقت عليها داخل نطاق الإقليم الذي تسيطر عليه، مؤكدة درجة السيطرة الفعالة كمسألة واقعة، وهو ما تحدده المحكمة مع مراعاة سلطة الوجود العسكري للدولة في الإقليم المعني وقدرتها على التأثير أو إخضاع الإدارات أو السلطات القائمة في الإقليم (الفقرات 131-140).

وقد أقرت المحكمة بأن ممارسة الاختصاص خارج النطاق الإقليمي من جانب دولة متعاقدة عن طريق الموافقة أو الدعوى أو القبول الضمني لحكومة ذلك الإقليم، فإنها تمارس جميع أو بعض الصلاحيات العامة التي عادة ما تمارسها تلك الحكومة (الفقرة 135).

وفي ظروف معيَّنة، فإن استخدام القوة من جانب عملاء دولة يعملون خارج إقليمها يدفع الفرد الخاضع لسيطرة سلطات الدولة بأن يخضع للولايات القضائية للدولة بموجب المادة 1. وكلما مارست الدولة من خلال وكلائها السيطرة والسلطة على الفرد، وبالتالي تمارس الولاية القضائية، تكون الدولة ملزمة بأن تؤَّمن لهذا الفرد الحقوق والحريات (الفقرات 136-137).

وثمة استثناء آخر لمبدأ أن الولاية القضائية بموجب المادة 1 تكون مقتصرة على أراضي الدولة ذاتها، يحدث نتيجة لعمل عسكري، مشروع أو غير مشروع، وتمارس الدولة المتعاقدة سيطرة فعالة على منطقة خارج ذلك الإقليم الوطني. ويستمد الالتزام في تلك المنطقة بكفالة الحقوق والحريات المبيَّنة في الاتفاقية، من حقيقة هذه السيطرة، سواء كانت تمارس بشكل مباشر من خلال قواتها المسلحة الخاصة بالدولة المتعاقدة، أو من خلال إدارة محلية تابعة ... وحقيقة أن الإدارة المحلية تظل قائمة نتيجة للدعم العسكري وغيره من الدولة المتعاقدة تستلزم مسؤولية الدولة عن سياساتها وأعمالها. وعلى الدولة المسيطرة المسؤولة بموجب المادة 1 لتكفل، داخل المنطقة الخاضعة لسيطرتها، مجموعة كاملة من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية وتلك البروتوكولات الإضافية التي صدقت عليها (الفقرة 138).

[ووفقًا للمحكمة] تعتبر مسألة أمر واقع إن مارست الدولة المتعاقدة سيطرة فعلية على منطقة خارج إقليمها الخاص. وفي تحديد ما إذا كانت توجد سيطرة فعلية، سوف تعود المحكمة أساسًا إلى مرجع قوة الوجود العسكري للدولة في المنطقة. ... وربما توجد مؤشرات أخرى ذات أهمية، مثل المدى الذي يقدمه الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للإدارة التابعة المحلية مع وجود نفوذ وسيطرة على المنطقة. (الفقرة 139).

  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قضية الجدا ضد المملكة المتحدة، التماس رقم 27021/08، حكم (الدائرة الكبرى)، 7 تموز/ يولية 2011

في سياق التدخل الدولي في العراق، أشارت المحكمة الأوروبية إلى الالتزام بالتطبيق خارج الحدود الإقليمية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من قِبل القوات المسلحة البريطانية نتيجة وضعها باعتبارها قوات احتلال. كما اتخذت وجهة نظر نسبية لمسألة أولوية تطبيق القانون الدولي الإنساني في ما يتعلق بحقوق الإنسان في حالات النزاع. وفي هذه الحالة في ما يتعلق بالظروف التي تم اعتقال الأشخاص الذين قُبض عليهم من قِبل القوات البريطانية في العراق، قررت المحكمة أن التزامات حقوق الإنسان يجب أن تسود على الالتزامات بموجب القانون الدولي الإنساني في الحالات التي تكون فيها حقوق الإنسان كفلت حماية أفضل للأفراد (وكانت أكثر تقييدًا للدول) وبشرط أنها لم تتعارض مباشرة مع الالتزامات الأخرى المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني أو قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ولاية القوات الدولية المنتشرة في البلد المعني (في هذه الحالة، العراق). وهذه الحالة قد تخلق بعض الارتباك بقدر اعتماد مضمون وتفسير قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على المفاهيم التي ليست متكافئة دائمًا. ومع ذلك، هذا يجنِّب التطبيق الانتهازي للقانون الذي يفرض أقل عدد من القيود على الدول في جميع حالات الأزمات والنزاع، التي يعارض فيها التطبيق الكامل للقانون الإنساني (الفقرات 107 إلى 109).

  1. الرقابة القضائية على حالات عدم التقيُّد بحقوق الإنسان والتناسبية في ضوء القضايا الأمنية التي تواجهها الدولة
  • محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، قضية أكسوي ضد تركيا، التماس رقم 21987/93، الحكم (الدائرة)، 18 كانون الأول/ ديسمبر 1996

في هذا الحكم، أشارت المحكمة إلى أنه ”يقع على عاتق كل دولة متعاقدة، مع مسؤوليتها عن ”حياة أمتها“، تحديد ما إذا كانت الحياة تتعرض للتهديد مع وجود ”حالة طوارئ عامة“، وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدى من الضروري أن تذهب في محاولة للتغلب على حالة الطوارئ ... ومع ذلك، لا تتمتع الأطراف المتعاقدة بسلطة تقديرية غير محدودة. والأمر متروك للمحكمة للحكم سواء في جملة أمور، تجاوزت الدول بالقدر اللازم الذي تقتضيه ضرورات الأزمة (الفقرة 68). ولا بد أن تتطلب الحالة والتناسب مع الخطر اتخاذ تدابير التقييم.

  • المحكمة العليا الإسرائيلية، اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ضد حكومة إسرائيل، محكمة العدل العليا 5100/94، 26 أيار/ مايو 1999

في هذا القرار بشأن مشروعية استخدام تدابير التحقيق الاستثنائية لسياق الحرب على الإرهاب، أكدت المحكمة أنه لا القانون الدولي ولا القانون الوطني يعترف بالضرورة الوطنية لاستخدام التعذيب أو الضغط الجسماني المعتدل أثناء التحقيقات في سياق الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب. ووفقًا للقضاة، فإن حجة الضرورة لا تخلق إطارًا قانونيًّا جديدًا يسمح باستخدام الوسائل المحظورة. واستخدام هذا الضغط البدني المعتدل ليس وسيلة قانونية، وحجة الضرورة لا يمكن استخدامها لتبرير هذه الوسائل (الفقرتان 36-37).

  • المحكمة العليا الإسرائيلية، طبيب باطني معني بحقوق الإنسان ضد قائد قوات الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية، محكمة العدل العليا 2117/02، 30 أيار/ مايو 2004

تخص هذه الحالة التحقيق في مشروعية تدخل القوات المسلحة الإسرائيلية في رفح في قطاع غزة في أيار/ مايو 2004. واعترفت المحكمة في قرارها بحجة الضرورة كمبرر لعملية عسكرية، لكنها أشارت إلى أن مجرد وصف العملية العسكرية بأنها شرعية من وجهة نظر عسكرية لا يعني أنها غير شرعية من وجهة نظر غير قانونية.

والمراجعة القضائية لا تفحص حكمة القرار للقيام بعمليات عسكرية. والمسألة التي تناولتها المراجعة القضائية هي مشروعية العمليات العسكرية. وبالتالي فإننا نفترض أن العمليات العسكرية التي حدثت في رفح ضرورية من وجهة نظر عسكرية. والمسألة أمامنا هي ما إذا كانت هذه العمليات العسكرية تفي بالمعايير الوطنية والدولية التي تُحدِّد مشروعية هذه العمليات. وحقيقة أن العمليات ضرورية من وجهة نظر عسكرية لا تعني أنها مشروعة من وجهة نظر قانونية. وفي الواقع، فإننا لا نحل محل القائد العسكري بقدر ما هي اعتبارات عسكرية. وهذه هي خبرته الفنية. ونحن نفحص عواقبها من وجهة نظر القانون الإنساني. وهذه خبرتنا الفنية (الفقرة 9).

  • المحكمة العليا الإسرائيلية، اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ضد القائد الإسرائيلي، محكمة العدل العليا 769/02، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2005.

في هذا القرار بشأن فحص السياسة الإسرائيلية بشأن أعمال القتل المستهدفة في سياق جهود مبذولة لمكافحة الإرهاب عقب الانتفاضة الثانية، أكدت المحكمة العليا الإسرائيلية في قرارها الصادر سنة 1999 بشأن الرقابة القضائية على تناسبية التقييدات، حيث قالت إنه من الضروري إيجاد توازن بين احتياجات الأمن والحقوق الفردية: ”وليس كل وسيلة كافية تعتبر مشروعة. والغايات لا تُبرر الوسائل ... ويفرض التوازن ثمنًا باهظًا على القضاة، الذين يجب عليهم أن يحددوا، وفقًا للقانون القائم، ما هو مسموح وما هو محظور“، (الفقرة 63).

← اللجنة الأفريقية والمحاكم الأفريقية لحقوق الإنسان؛ فصل عنصريّ ؛ طفل؛ لجنة مناهضة التعذيب؛ لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة؛ لجنة حقوق الطفل؛ تمييز؛ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ ضمانات أساسية؛ إبادة جماعية؛ لجنة حقوق الإنسان؛ حقوق غير قابلة للتصرف؛ لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ محكمة البلدان الأمريكية ولجنة حقوق الإنسان؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ عدم المساس بالحقوق ؛ جنسيّة؛ مقرر خاص؛ تعذيب؛ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ؛ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ حرب؛ جرائم حرب/ جرائم ضد الإنسانية؛ نساء.

← قائمة الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات حقوق الإنسان (أرقام 5-16، 22، 25-27)

لمزيد من المعلومات:

Alston, Philip, et al. “The Competence of the UN Human Rights Council and Its Special Procedures in Relation to Armed Conflicts: Extrajudicial Executions in the ‘War on Terror.’” European Journal of International Law 19 (2008): 183–209.

Arnold, Roberta, and Noelle Quenivet, eds. International Humanitarian Law and Human Rights Law: Towards a New Merger in International Law. Leiden: Martinus Nijhoff, 2008.

Clapham, Andrew. Human Rights: A Very Short Introduction. Oxford: Oxford University Press, 2007.

———. “Human Rights Obligations of Non-state Actors in Conflict Situations.” International Review of the Red Cross 863 (September 2006): 491–523.

Diller, Janelle M. Handbook on Human Rights in Situation of Conflict. Minneapolis: Minnesota Advocates for Human Rights, 1997.

Doswald-Beck, Louise. “The Right to Life in Armed Conflict: Does International Humanitarian Law Provide All Answers?” International Review of the Red Cross 864 (December 2006): 881–904.

Droege, Cordula. “Elective Affinities? Human Rights and Humanitarian Law.” International Review of the Red Cross 871 (September 2008): 501–48.

———. “The Interplay between International Humanitarian Law and International Human Rights Law in Situation of Armed Conflict.” Israel Law Review 40 (2007): 310–55.

Dworkin, Anthony. “Military Necessity and Due Process: The Place of Human Rights in the War on Terror.” In New Wars, New Laws?, edited by David Wippman and Matthew Evangelista, 53–73. Ardsley, NY: Transnational, 2004.

Hampson, Françoise. “The Relationship between International Humanitarian Law and Human Rights Law from the Perspective of a Human Rights Treaty Body.” International Review of the Red Cross 871 (September 2008): 549–72.

———. Study on Human Rights Protection During Situations of Armed Conflicts, Internal Disturbances and Tensions. Council of Europe, Steering Committee for Human Rights, October 31, 2001.

Hannum, Hurst. Guide to International Human Rights Practice. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1992.

———. “Implementing Human Rights: An Overview of NGO Strategies and Available Procedures.” In Guide to International Human Rights Practice, edited by Hurst Hannum, 19–39. Ardsley, NY: Transnational, 2004.

Heintze, Hans-Joackim. “On the Relationship between Human Rights Law Protection and International Humanitarian Law.” International Review of the Red Cross 86 (2004): 789–813.

“Human Rights.” International Review of the Red Cross 871 (September 2008): 485–814.

Krieger, Heike. “A Conflict of Norms: The Relationship between Humanitarian Law and Human Rights Law in the ICRC Customary Law Study.” Journal of Conflict and Security Law 11 (2006): 269–71.

Milanovic, Marko. Extraterritorial Application of Human Rights Treaties: Law, Principles and Policy. Oxford: Oxford University Press, 2011.

Oraa, Jaime. Human Rights in States of Emergency in International Law. Oxford: Clarendon Press, 1992.

Orakhelashvili, Alexander. “The Interaction between Human Rights and Humanitarian Law: Fragmentation, Conflict, Parallelism, or Convergence?” European Journal of International Law 19, no. 1 (2008): 161–82.

Prud’homme, Nancie. “Lex specialis: Oversimplifying a More Complex Multifaceted Relationship?” Israel Law Review 40, no. 2 (2007): 355–95.

Pejic, Jelena. “The European Court of Human Rights’ Al-Jedda Judgment: The Oversight of International Humanitarian Law.” International Review of the Red Cross 883 (September 2011): 837–51.

Rodley, Nigel. “United Nations Human Rights Treaty Bodies and Special Procedures for the Commission on Human Rights: Complementarity or Competition?” In Towards Implementing Universal Human Rights, edited by Nisuke Ando, 3–24. Leiden: Martinus Nijhoff, 2004.

Sassòli, M., and L. M. Olson. “The Relationship between International Humanitarian Law and Human Rights Law Where It Matters: Admissible Killing and Internment of Fighters in Non-international Conflicts.” International Review of the Red Cross 871 (September 2008): 599–627.

Tuzmukhamedov, Bakhtiyar. “The Implementation of International Humanitarian Law in the Russian Federation.” International Review of the Red Cross 850 (June 2003): 386–96.

Warner, D., ed. Human Rights and Humanitarian Law: The Quest for Universality. The Hague: Martinus Nijhoff, 1997.

Watkin, Kenneth. “Controlling the Use of Force: A Role for Human Rights Norms in Contemporary Armed Conflict.” American Journal of International Law 98, no. 1 (2004): 1–34.