هرميّة القواعد
يتكوّن ”القانون“ من مجموعة قواعد مختلفة في أثرها. وتتبع قوة قانون هذه القواعد مبدأ مفاده وجود هرمية معايير. ولذلك، يجب أن نتأكد، عند تطبيق قانون ما، من عدم تناقض قاعدة معينة مع مبدأ القانون الذي يعتبر أعلى منها قوة.
أولًا القانون المحلي
تعتمد هرمية القواعد في كل بلد على السلطة القانونية للهيئة التي اعتمدت القواعد. وتتباين أنواع القوانين وهرميتها استنادًا إلى النظام القانوني. وثمة أسرتان من القانون على أقل تقدير: القانون المدني (وتأثيره مترامي الأركان) والقانون العام. أما تلك الأنظمة المستوحاة من القانون الإسلامي، فعادة ما يجيء ذكر القرآن في دساتيرها. وهذه المرجعية إلى الشريعة الإسلامية يظهر تأثيرها بالأفعال والنصوص التي تحدِّد مضمون وتحليل مختلف القواعد التي تُطبَّق على الأفراد. وهكذا، من الصعب محاولة تثبيت هرمية عامة. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، تكون التشريعات البرلمانية في القانون المكتوب فوق اللوائح أو الأنظمة، وتكون القوانين الفيدرالية فوق قوانين الولايات. وفي فرنسا، تعتبر القوانين الوضعية الصادرة من هيئة تشريعية أعلى من القوانين والمراسيم. بيد أن هناك أنواعًا أخرى من القواعد، مما يزيد من تعقيد المقارنة. وبالإضافة إلى ذلك، في البلدان التي يقوم نظامها القضائي على القانون العام، كما هي الحال في الولايات المتحدة، تحمل السوابق القضائية كذلك أهمية ذات مغزى. وفي المملكة المتحدة، يقوم كثير من النظام القانوني في فقه القانون العام على أحكام المحاكم والسوابق القضائية.
ومن أحد التعميمات الممكنة، وعلى الأقل في التشريع المحلي في الدول ذات القوانين المدنية والعامة، هو أن لدستور بلد ما سلطة أعلى من أي قانون آخر. إلَّا أن ذلك لا ينطبق على كل الأنظمة القضائية. فعلى سبيل المثال، لا تفصل بعض الأنظمة الدين عن الدولة، وللقانون الديني موقع متميّز في هرم القوانين. وفي الشريعة الإسلامية، يعتبر القرآن هو السلطة الأعلى.
وتعترف معظم الأنظمة القانونية بسيادة القانون الدولي على القانون المحلي لأن الحكومات تلتزم بضمان توافق قوانينها المحلية مع الاتّفاقيات التي تصدِّق عليها (والتي غالبًا ما تعني أن عليها تعديل تشريعاتها الوطنية). والأساس في الموضوع عند مواجهة تنفيذ أو الالتزام بتشريع معين، هو التأكد من أن القانون المعني لا يتناقض مع القانون الذي لديه سلطة أعلى - وأنه لا يمس حقًّا أو حرية يحميها مبدأ له أهمية أكبر في هرمية القوانين.
وكمثال، تعتبر المصادر القانونية في تنازل النظام الهرمي كما يلي:
- المعاهدات والاتفاقيات الدولية
- الدستور
- القانون الفيدرالي
- الأنظمة الأساسية
- المراسيم
- اللوائح
ثانيًا القانون الدولي
من الممكن وجود تفسيرات متعددة لمبدأ القانون الدولي. ومن أحد هذه الافتراضات عدم وجود هرمية قواعد على المستوى الدولي لأن الدول هي المصدر الوحيد للقانون الدولي. وبعبارة أخرى، بما أن جميع معايير القانون الدولي يفترض بها أن تمثل ”الإرادة العامة“ للدول، فإنها تتساوى في قيمتها. وتفشل هذه المحاججة في إقرار عدة تناقضات:
- يضمّ المجتمع الدولي شريحة متنوعة من الجهات الفاعلة من غير الدول التي تسهم وتشارك في تطوير الحقوق والالتزامات الدولية. وغالبًا ما يستخدم مصطلح القانون غير الملزم أو القانون المرن للإشارة إلى القواعد المستوحاة من الأحكام والقرارات والمقررات وما إلى ذلك التي تعتمدها المنظمات الحكومية الدولية (بالنيابة عن الدول الأعضاء، ولكن دون إسهام مباشر من العديد من دول العالم أو على الأقل بدون التزامها الرسمي على شكل توقيع أو التزامات ملزمة من الناحية القانونية). والقواعد العرفية هي أيضًا نتاج ممارسات الدول.
- يقرّ القانون الدولي مجموعة أحكام قانونية تتميّز بقوة سلطتها بحيث يمكن فرضها على الدول كافة. وغالبًا ما تعرف هذه بالأحكام الآمرة. وتلتزم جميع الدول باحترام هذه الأحكام، مهما كانت الظروف في بلد ما، سواء وقَّعت هذه الدول أيًّا من الاتّفاقيات الدولية أم لا.
- وبالإضافة إلى ذلك، بعد أن التزمت بميثاق الأمم المتحدة، تقبل هذه الدول أن التزامها بموجب ميثاق الأمم المتحدة يسود على تلك التي يلتزمون بها وفق أية اتفاقيّة دولية أخرى (المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة). فلا يمكن لأي اتفاق لاحق بين الدول أو بين الدولة والجهات الفاعلة من غير الدول والوحدات غير الحكومية أن يتناقض مع روح أو أحكام ميثاق الأمم المتحدة.
← ضمانات أساسية؛ القانون الدولي.
1 القواعد المختلفة وهرميتها
تتخذ القواعد القانونية الدولية أشكالًا مختلفة، وقد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة. وتشمل ما يلي حسب الترتيب التنازلي للقوة القانونية:
الأحكام الآمرة أو القواعد القطعية للقانون الدولي العام؛
ميثاق الأمم المتحدة؛
المعاهدات الدولية والقانون الدولي العرفي؛
قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛
العقود الدولية أو التفويضات العملية للقوى أو المؤسسات الدولية؛
القانون غير الملزم والقرارات الأخرى، والإعلانات، وقرارات المنظمات الدولية.
وعلى المستوى العملي، فإن القانون الدولي هو عبارة عن مجموعة أحكام تربط دولًا معينة وليس أخرى، وأنها تطبق بطريقة غير منتظمة، ويجبر نموّ وتنوّع النصوص الدولية صانعي القوانين على البحث عن طرق للتوفيق بين المعايير التي قد تكون متناقضة.
2 الهرمية
حدّدت محكمة العدل الدولية هرم قواعدها الذي يراد تطبيقه عند إصدار حكم في نزاع ما. وهذا الهرم يتكوّن مما يلي:
- المعاهدات الدولية؛
- العرف الدولي، كدليل على ممارسة عامة مقبولة باعتبارها قانونًا؛
- مبادئ قانونية عامة مستوحاة من الأنظمة القانونية في العالم؛
- القرارات والتعليمات القضائية باعتبارها وسيلة مساعدة لتحديد أحكام القانون (المادة 38-1 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية).
وتقوم المحكمة الجنائية الدولية بتطبيق لوائحها أولًا ثم ”المبادئ الراسخة للقانون الدولي الخاص بالنزاع المسلح.... ومبادئ وأحكام القانون كما فسرت في قراراتها السابقة (المادة 21 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
وكقاعدة عامة، من الضروري معرفة طريقة تفسير قيمة ومعنى أحكام القانون. وتغلب أحكام بالمعاهدات الصادرة فيما بعد على ما سبقها من معاهدات تتناول ذات الموضوع (ما لم يحدّد خلاف ذلك)، وتغلب الأحكام الأكثر تحديدًا على الأحكام الغامضة أو الأكثر تعميمًا (المادة 30 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات). للاطلاع على قواعد التفسير، انظر القانون الدولي؛ اتفاقيّات دوليّة ؛ محكمة العدل الدولية.
ثالثًا رصد تنفيذ هرمية القواعد
من الناحية العملية، تُعد الآليات القائمة لتيسير مواءمة القواعد المتناقضة أو مراقبة احترام هرميتها، أو ضمان امتثالها للمعايير العليا، آليات غير كافية.
1 الآليات المحلية
تمتلك بعض الدول مؤسسة تتولى دراسة دستورية قوانينها وأي معاهدات دولية تنوي التصديق عليها. وهذا من الناحية المبدئية، يضمن عدم اعتماد أي قانون يتناقض مع دستور البلاد. وكذلك، فإن الجهاز التشريعي لدولة ما غالبًا هو الذي يصادق على المعاهدات الدولية التي توقعها السلطة التنفيذية، وهذا يهدف إلى ضمان عدم دخول الحكومة في التزامات دولية لا تتفق مع قوانينها المحلية.
والطريقة الوحيدة الأخرى التي يمكن بها مراقبة تنفيذ هرمية القواعد هي من خلال أحكام المحاكم. لكن في بعض الأنظمة القانونية، يحدث تطبيق والتحكم بالقواعد في سياق محور بحث معيَّن فقط، وفي العديد من الاختصاصات القضائية تنطبق مثل هذه الأحكام على القضية المعنية فقط.
2 المستوى الدولي
يحدّد غياب نظام قضائي عالمي كامل الفاعلية من إمكانات تنظيم الالتزام بهرمية القواعد.
وإذا كانت لدى الدول أو المنظمات الحكومية الدولية شكوك بخصوص انسجام قانون ما مع المقاييس الدولية أو الهرمية المناسبة التي يتوجب اتباعها، فبإمكان هذه الدول والمنظمات إحالة مسائل التفسير القانوني إلى محكمة العدل الدولية، والتي يحقّ لها وحدها إصدار فتاوى استشارية حول هذه الأسئلة (كما هي الحال مع معظم الأجهزة القضائية للأمم المتحدة)، وعلى الدول أن ترفع لها طواعية مثل هذه القضايا.
وضمن إطار عمل الأمم المتحدة، تمّ تشكيل عدد مختلف من اللجان لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وهي تقوم بمراجعات دورية للقوانين الوطنية والتأكد بأن التشريع الوطني قد أدخل أحكام المعاهدة الدولية ذات الصلة إلى أحكامه. وللأفراد حقّ اللجوء إلى مثل هذه الأجهزة غير القضائية.
ومن ناحية أخرى، تتمتع أجهزة قضائية إقليمية معنية بالسلطة في إصدار الأحكام سواء كان القانون المحلي يتوافق مع القانون الدولي أم لا. وعلى سبيل المثال، بإمكان محاكم حقوق الإنسان الأوروبية والمشتركة بين البلدان الأمريكية أن تصدر قرارات ملزمة في مثل هذه القضايا. إلَّا أن اللجوء إلى مثل هذه الهيئات غالبًا ما يكون مقتصرًا على الأطراف المعنية مباشرة بالقضية المحدّدة، وهناك الكثير من القيود في تقديم قضية أمام مثل هذه الهيئة.
← لجوء الأفراد إلى المحاكم.
☜ يجب على الأطراف العاملة في المجال الإنساني التأكد من أن القرارات التي تتخذها الدول والمنظمات الدولية لا تتناقض ومبادئ والتزامات القانون الإنساني.
ويجب على المنظمات غير الحكومية أن تتحمّل مسؤولياتها لضمان ذكر واحترام هذه القوانين والمبادئ الإنسانية ضمن سياق كل عملية إغاثة أو اتفاق عملياتي ويجب أن تسود على التشريع الوطني الذي له سلطة قانونية أقلّ.
← القانون الدولي العرفي؛ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان/لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان؛ اتفاقيات دولية؛ محكمة العدل الدولية؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ القانون الدولي؛ قانون طبيعي؛ القانون المرن.
لمزيد من المعلومات
Hannikainen, L. Peremptory Norms (Jus Cogens) in International Law. Jyväskylä: Finnish Lawyers’ Publishing Company, 1988.
Shelton, Dinah. “International Law and ‘Relative Normativity.’” In International Law, edited by Malcolm D. Evans, 145–72. Oxford: Oxford University Press, 2003.