القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

أخلاقيّات مهنة الطبّ

تهدف مدونات قواعد السلوك إلى حماية سلامة واستقلال مهنة معينة مثل الطب أو الصحافة أو المحاماة. وهي معترف بها ومشمولة بحماية القانون الوطني والقانون الدولي. ونظرًا لما يتمتع به الطبيب من تأثير في حياة أو وفاة المرضى، وكذلك على صحتهم البدنية والعقلية فقد تطورت أخلاقيّات مهنة الطبّ منذ العصور القديمة لا سيما مع قسم أبقراط الشهير.

وجرى تعزيز تلك القواعد بمرور الوقت بهدف الحد من مشاركة الأطباء في الأشكال المتطرفة والاستبدادية من السيطرة الاجتماعية والعنف السياسي. وقد كشفت الحرب العالمية الثانية -على سبيل المثال – عن مشاركة أطباء في سياسات تعذيب وما عرف بتحسين النسل. وأظهرت الدراسات والممارسات أن إساءة استغلال المعرفة الطبية والموظفين الطبيين ليست ظاهرة معزولة يمكن نسبتها إلى البربرية أو الدكتاتورية وأنه يوجد دائمًا ما يُغرِي باللجوء إليها. وتمثل مشاركة الأطباء المدنيين والعسكريين في أعمال تعذيب ومعاملات مهينة بحق المحتجزين في إطار الحرب على الإرهاب خطوة جديدة في إدراك طبيعة ومدى هذه الظاهرة.

أدى هذا إلى تبني قواعد دولية جديدة في مجال الأخلاقيات الطبية. وتسعى تلك القواعد إلى تحقيق هدفين يكملان بعضهما بعضًا: حماية المريض من سوء السلوك من جانب الطبيب وأيضًا حماية الطبيب من الضغوط الاجتماعية والسياسية.

وتوجد قواعد خاصة للمواقف التي يكون فيها المريض أو الطبيب في خطر أو عرضة لمواجهة الخطر. وتنطبق تلك القواعد الخاصة في مواقف النزاعات المسلحة والاحتجاز وكذلك في مجال البحث الطبي وبوجه عام في مواقف يجد فيها الطبيب نفسه تحت ضغط من التزام مزدوج بالدفاع عن المصلحة الفردية للمريض والمصالح الجماعية للمجتمع.

وإذا لم يمتثل الطبيب لمبادئ أخلاقيات المهنة فإنه قد يواجه إجراءات تأديبية من جانب المنظمات المهنية ويؤدي هذا أيضًا إلى مقاضاة الطبيب لطلب التعويض للضحية أمام المحاكم المدنية. وربما يشكل هذا أيضًا جناية تستوجب المقاضاة أمام المحاكم في حالة انتهاك السرية الطبية أو التواطؤ في إساءة معاملة وفي تعذيب.

وفي النزاع المسلح، قد تشكل بعض الانتهاكات لأخلاقيات مهنة الطبّجرائم حرب وتخضع للملاحقة القضائية أمام محاكم وطنية أو دولية.

واجبات طبية؛الاختصاص العالمي؛ تعذيب؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

أولًا قواعد عامة

لا توجد اتفاقية دولية تنظم مضمون أخلاقيّات مهنة الطبّ في أوقات السلم. ويُنظَّم هذا الجانب على المستوى المحلي من خلال مدونات السلوك التي تصوغها الاتحادات المهنية الصحية التي تملك أيضًا السلطة لفرض عقوبات تأديبية. ويمكن المعاقبة على أخطر الانتهاكات بموجب القانون الجنائي الوطني، أمَّا الانتهاكات الأقل خطورة فقد تؤدي إلى دعاوى تعويضات أمام المحاكم المدنية. ويختلف محتوى مدونات السلوك الوطنية باختلاف البلد لكن المبادئ الأساسية معترف بها في كل بلد.

وأعدت الجمعية الطبية العالمية وتبنت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1983 ميثاقًا عالميًّا لأخلاقيات مهنة الطب (عُدِّل في عام 2006) يوضح التوافق على المبادئ الأساسية في أمور أخلاقيات مهنة الطب. وتكمل هذه الوثيقة القواعد الوطنية والقواعد التي تتضمنها نصوص دولية سابقة مثل:

•ميثاق نورمبرغ لعام 1947، والذي يتعلق بأخلاقيات مهنة الطب لا سيما التجارب العلمية على البشر؛

•إعلان جنيف لعام 1948؛

•قواعد دولية خاصة تنظم المهام الطبية في حالات النزاعات المسلحة لا سيما حق الجرحى والمرضى في المعاملة وفقًا للقواعد الطبية المعززة (اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977)؛ و

•قواعد دولية خاصة تنظم المهام الطبية في حالات الاحتجاز.

المدونة الدولية لآداب مهنة الطب التي أعدتها الجمعية الطبية العالمية تؤسس للمبادئ والالتزامات التالية:

•الالتزام بالرعاية: الالتزام بعدم رفض تقديم الرعاية لمن يحتاجون إليها وعدم التمييز على أسس مالية أو أي أسباب أخرى يرتبط بالالتزام باحترام الحياة واعتبار الرعاية في حالات الطوارئ واجبًا إنسانيًّا. هذا الالتزام الأخلاقي ربما يوجد أيضًا في القانون الجنائي ضمن تهمة التقاعس عن مساعدة شخص في خطر. ويجبر الالتزام بتقديم الرعاية الطبية الأطباء على التصرف بما يصب حصريًّا في مصلحة المريض ولا أحد سواه.

•واجب الحصول على موافقة المريض: الالتزام بإبلاغ المريض والحصول على موافقته واحترامها قبل أي عمل من أعمال الرعاية، هو أمر أساسي من أجل حماية التوازن في العلاقة بين الطبيب والمريض وضمان احترام كرامة المريض. هذا الالتزام يضع سلطة الطبيب على المريض في نصابها الصحيح. فحتى لو كان يتعين دومًا على الطبيب التصرف بما يصب في مصلحة المريض فينبغي ألا يضع نفسه مكان المريض ويقرر ما يريده هو. هذا الواجب موضح جيدًا في أغلب القوانين الوطنية ويؤدي إلى دعاوى قضائية لطلب التعويض.

وعندما لا يكون بوسع المريض لأسباب طبية أو قانونية (مريض قاصر أو غائب عن الوعي) أو عندما يتعذَّر أن يكون قرار القبول حرًّا (كما في حالة المحتجزين) يكون الطبيب مسؤولًا عن الطبيعة الأخلاقية للقرار وللعمل الطبي. وقد يتجاوز المعيار الأخلاقي أو يتعارض مع التوجيهات القانونية أو الإدارية. وإدارة هذين الالتزامين المزدوجين تقع على عاتق الطبيب وتنظمها قواعد أخلاقية محددة (انظر أدناه).

•السرية الطبية: الالتزام بالسرية الطبية واجب أخلاقي يربط الطبيب بمريضه بما في ذلك عقب وفاة المريض، وذلك وفقًا لإعلان جنيف لعام 1948. ومع ذلك، فقد هذا الواجب طبيعته المطلقة في الصياغة التي اختارتها المدونة الدولية لآداب مهنة الطب وعُدِّل في عام 2006. وتقول الصيغة المعدلة إنه يتسق مع أخلاقيات مهنة الطب أن يتم الكشف عن معلومات سرية عندما يوافق المريض على ذلك أو عندما يكون هناك خطر بالغ حقيقي ووشيك على المريض. وخففت بعض القوانين الوطنية في بعض الدول الالتزام الخاص بالسرية الطبية من خلال الالتزام بإخطار السلطات بمعلومات تخضع للسرية الطبية وذلك بحجة حماية النظام العام (في حالات ضحايا العنف أو سوء المعاملة) أو حماية الصحة العامة (في حالات المرضى الذين يعانون من أمراض معينة). ولذلك فإن السرية الطبية تقع في قلب التزام مزدوج يجب أن يفصل فيه الطبيب على أساس المعايير القانونية والأخلاقية (انظر أدناه). وفي الحالات التي قد يلحق فيها الإفصاح عن معلومات معينة الضرر بالمريض فإن على الطبيب التزامًا أخلاقيًّا باحترام السرية والتصرف بما يخدم مصلحة المريض. وتتيح بعض القوانين الوطنية مثل هذه المساحة الأخلاقية بخصوص قرار الطبيب. فهي تنص على وجوب إبلاغ السلطات - من أجل تغطية انتهاك السرية المهنية وحماية الطبيب من شكاوى المريض في تلك الحالات- لكنها في الوقت نفسه لا تستلزم أو تفرض عقوبات على الأطباء الذين يتقاعسون عن الإبلاغ عن حالة ما.

  • التصرف بما يخدم مصلحة المريض: الالتزام بالتصرف بما يخدم مصلحة المريض يتضمن التزامًا بإحالة المريض إلى شخص مؤهل عندما تتجاوز الحالة الطبية القدرات المهنية للطبيب. ومن المحظور أيضًا تقديم علاج تتجاوز آثاره السلبية الفوائد العلاجية. وينظم هذا الالتزام أيضًا إمكانية تجاهل الموافقة ويحظر التجارب الطبية إذا لم يكن هذا في مصلحة المريض مع توازن إيجابي بين المخاطر والفوائد المتوقعة وإذا تم الحصول على موافقة المريض بإرادته وعن علم.

تلك المبادئ الأخلاقية مدرجة في مدونات سلوك أخلاقية مهنية بهدف حماية سلامة واستقلال مهمتهم في مواجهة الضغوط الخارجية وهي أيضًا مدرجة في قوانين وطنية وهو ما يجعلها ملزمة قانونًا.

ويسمح للأطباء بممارسة المهنة في البلد الذي يسجلون فيه في كلية الطب. وباستثناء عمليات الإسعافات الأولية فإن ممارسة الطب في بلد أجنبي غير مسموح بها إلا بما يتفق مع قواعد هذا البلد. ويظل الأطباء العاملون “في الميدان” في بلد أجنبي خاضعين لأخلاقيات النظام الطبي الذي ينتمون إليه علاوة على القوانين المطبقة في البلد الذي يعملون فيه.

ويوجد أيضًا العديد من الروابط العالمية والإقليمية التي تمثل المهن الصحية المختلفة: الرابطة العالمية للطب النفسي، والمجلس الدولي للممرضين والممرضات، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية والتي تجري مناقشات بخصوص القواعد الأخلاقية بما يتناسب مع أنشطتها أو ما تتمتع به من تفويض. وأقر المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي في عام 1981 الدستور الإسلامي للمهنة الطبية الذي يعرف أيضًا باسم إعلان الكويت. وجرى تعديله وتوسيعه في العام 2004 على يد المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

وتبنت الجمعية الطبية العالمية أيضًا عدة إعلانات خاصة:

  • إعلان هلسنكي لعام 1964 عٌدِّل في 2008 ويتعلق بقواعد الأخلاقيات الطبية في مجال البحث الطبي (انظر أدناه)؛
  • إعلان طوكيو الذي يعرف أيضًا “بالمبادئ التوجيهية للأطباء بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبةالقاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة بصدد الاحتجاز أو السجن” وأقر في عام 1975. وجرت تكملة هذا الإعلان بإعلان هاواي لعام 1977 على يد الجمعية العالمية للطب النفسي؛ و

•إعلان 1975 للمجلس الدولي للممرضين والممرضات؛ و

•الإعلان الخاص باستقلال الطبيب وحريته المهنية المعتمد في 1986؛ و

•إعلان لشبونة بشأن حقوق المرضى والمعتمد في 1995؛ و

•إعلان هامبورغ الخاص بدعم الأطباء الرافضين للمشاركة في ، أو التغاضي عن ، التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الحاطة من الكرامة والمعتمد في 1997.

قواعد أخلاقية في مجال البحث الطبي

يحدد دستور نورمبرغ لعام 1947 المبادئ الأساسية لأخلاقيات مهنة الطب في أمور البحث الطبي. ويتضمن الدستور عشرة مبادئ من بينها ضرورة طلب الحصول على موافقة المريض الذي يشارك في البحث، وإمكانية أن يترك المريض البحث في أي وقت، والتزام الباحث بتقييم المخاطر المرتبطة بالبحث وضمان ألا يتعرض المريض لأي ضرر بدني.

جرى تعزيز تلك القواعد لتشمل حالات النزاعات المسلحة والاحتجاز. المبدأ 22 من “مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن” التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1988 ينص على أنه “لا يكون أي شخص محتجز أو مسجون، حتى برضاه، عرضة لأن تجرى عليه أية تجارب طبية أو علمية قد تكون ضارة بصحته”.

هذا الشرط ورد أيضًا في سياق النزاعات المسلحة الدولية في البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف والصادر في عام 1977 والذي ينص على أنه يحظر تعريض المحتجزين أو الأشخاص المحرومين من حريتهم لأي تجارب طبية أو علمية أو استئصال الأنسجة أو الأعضاء بغية استزراعها إلا حيثما كان لهذه الأعمال ما يبررها بما تقتضيه الحالة الصحية للشخص المعني وبما يتفق مع المعايير الطبية المرعية التي قد يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه المتمتعين بكامل حريتهم في الظروف الطبية المماثلة (البروتوكول 1 المادة 11).

إعلان هلسنكي، الصادر عن الجمعية الطبية العالمية في 1964 وعُدِّل عدة مرات (آخرها في 2008) ، يكمل قواعد السلوك الأخلاقية التي تطبق في البحث الطبي الذي يشمل البشر. ينص الإعلان على 35 مبدأ من بينها ما يلي: يجب أن تكون لسلامة الخاضعين للبحث الأولوية على أي اعتبارات أخرى (المبدأ 6)؛ ويجب وصف البحث وصفًا وافيًا في بروتوكول البحث (المبدأ 14)؛ ويجب عرض هذا البروتوكول على لجنة أخلاقية محايدة (المبدأ 15)؛ ويجب على الباحث الحصول على موافقة المريض عن علم بالموضوع. ويجب ألا تقلص أي اشتراطات أخلاقية أو قانونية أو تنظيمية - وطنية كانت أو دولية- أو تلغى من أي من سبل الحماية للأشخاص موضوع البحث والذٍي نص عليه الإعلان (المبدأ 10).

القواعد الدولية المطبقة على البحث الطبي أقل صرامة من بعض القواعد الوطنية لا سيما في البلدان الغربية. ويتيح هذا لبعض المنظمات التي تجري بحوثًا طبية في بعض البلدان تطبيق الحد الأدنى من قواعد ومعايير الحماية. وفي مثل هذه الحالة يطبق معياران: يتعلق الأول بالحرية الفعلية للمريض عندما يعطي موافقته ويشمل ذلك عدم الضغط على حقه في الرعاية إذا رفض. والمعيار الثاني معني بالتوازن بين المنافع المباشرة والمخاطر المتوقعة على المريض. ومن أجل ضمان تطبيق قواعد الحماية تلك تشترط التشريعات الدولية والأوروبية التزامًا مزدوجًا باحترام القواعد القانونية والأخلاقية المطبقة في البلد الذي يجرى فيه البحث وفي بلد الأصل للباحثين القائمين على البحث.

تطبق قواعد خاصة من الأخلاقيات في حالات النزاعات المسلحة أو الاحتجاز، والحالات التي ربما يكون فيها استقلال المريض مهددًا. تلك القواعد معنية بوجه خاص بضمان احترام نزاهة الطبيب وضمان الرعاية للمرضى والجرحى والمحرومين من حريتهم في النزاع المسلح.

← احتجاز؛ الأشخاص الجرحى والمرضى

ثانيًا قواعد تطبق في حالات النزاع المسلح

الحماية الشاملة التي يوفرها القانون الإنساني للمهمة الطبية في أوقات النزاع مرتبطة باحترام مبادئ أخلاقيات مهنة الطب. وبفضل اتفاقيات جنيف أصبحت قواعد أخلاقيات مهنة الطب قواعد ملزمة بالقانون الدولي الإنساني. ويعني هذا أن القواعد الوطنية أو الأوامر العسكرية التي تتعارض مع هذه المبادئ لا يجوز تطبيقها على الموظفين الطبيين مهما كانت الظروف. ويحمي الالتزام باحترام أخلاقيات مهنة الطب الأطباء من الضغوط من قوات الأمن أو العسكريين للمشاركة في أعمال تعذيب أو إساءة معاملة للجرحى والمرضى في حالات النزاعات المسلحة أو بحق المحتجزين والمحرومين من حريتهم.

وتنص اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال توقيع العقاب على أي شخص لقيامه بنشاط ذي صفة طبية، يتفق مع شرف المهنة الطبية، بغض النظر عن شخص المستفيد من هذا النشاط (البروتوكول 1 المادة 16-1- والبروتوكول 2 المادة 10-1).

أي عمل لا يتفق مع أخلاقيات مهنة الطب أو يعرض للخطر الصحة البدنية أو العقلية لفرد ما، وكذلك أي رفض متعمد لتقديم الرعاية الضرورية لجريح أو مريض يعد جريمة حرب (اتفاقية جنيف 1 المادة 50، اتفاقية جنيف 2 المادة 51، اتفاقية جنيف 3 المادة 130، اتفاقية جنيف 4 المادة 147 والبروتوكول 1 المادة 11).

في حالات النزاع، تنص اتفاقيات جنيف على وجوب حماية الجرحى والمرضى دون تمييز وبما يتفق مع قواعد أخلاقيات مهنة الطب. وهذا الشرط في صلب القانون الدولي الإنساني منذ اتفاقية جنيف الأولى لعام 1864.

ولا تقدم اتفاقيات جنيف تعريفًا دقيقًا لمحتوى أخلاقيات مهنة الطب؛ إلا أن عدة مواد تشير إلى حماية المهمة الطبية والتي تنظم على اتجاهين اثنين، الأول يقرر الحماية للجرحى والمرضى ويحظر أي عمل لا يتوافق مع أخلاقيات مهنة الطب. أما الثاني فيحمي الاستقلال وذاتية القرار للأطباء الذين يجب عليهم في المقابل الدفاع عن الطبيعة الأخلاقية والحيادية والنزيهة للهياكل والوحدات والأنشطة الطبية.

1 الالتزام بتوفير الرعاية والحماية للجرحى والمرضى

تعد حماية المهمة الطبية في النزاع المسلح إحدى العناصر الأساسية بالقانون الدولي الإنساني العرفي والاتفاقي. وتاريخيًّا، كان تأسيس الصليب الأحمر في البداية على يد هنري دونان في عام 1864 يهدف لتنظيم الرعاية الطبية التي تقدم للجرحى والمرضى في ساحة المعركة. وبموجب القانون الدولي لا يجوز ترك أي شخص عمدًا دون مساعدة طبية أو رعاية طبية.

وحجب المساعدة أو التمييز في تقديم الرعاية محظور بشدة. تنص المادة المشتركة الثالثة في اتفاقيات جنيف الأربع – التي تطبق في كل الظروف والأوقات – على أنه يجب نقل الجرحى والمرضى ورعايتهم ومعاملتهم بطريقة إنسانية وكريمة دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الاعتقاد أو النوع أو الميلاد أو الثروة أو أي معايير أخرى مشابهة. وتم تعزيز هذا الالتزام في عام 1977 عن طريق البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف المعنيين بالنزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول 1) وعلى النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول 2). وينص البروتوكولان على أنه يجب احترام وحماية الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار أيًّا كان الطرف الذي ينتمون إليه. علاوة على ذلك، يجب في جميع الأحوال أن يعامل أي منهم معاملة إنسانية وأن يلقى قدر المستطاع وبالسرعة الممكنة الرعاية الطبية والعناية التي تتطلبها حالته. ويجب عدم التمييز بينهم لأي اعتبار سوى الاعتبارات الطبية (البروتوكول 1 المادة 10، والبروتوكول 2 المادة 7).

القاعدة 110 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 تذكر بأن للجرحى والمرضى الحق في الحصول على الرعاية الطبية دون تمييز على أي أساس سوى الاعتبارات الطبية. وتطبق هذه القاعدة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

وفيما يتعلق بمنع التمييز في تقديم الرعاية الطبية، تنص المدونة الدولية لآداب مهنة الطب على أنه “يجب ألا يسمح الطبيب بأن يتأثر قراره بمنفعة شخصية أو تمييز غير عادل “ويجب عليه “دومًا أن يضع في اعتباره الالتزام باحترام الحياة البشرية” و”يقدم الرعاية الطبية في حالات الطوارئ كواجب إنساني ما لم يكن متأكدًا من أن آخرين مستعدون وقادرون على تقديم هذه الرعاية”. هذه المدونة غير ملزمة في حد ذاتها للدول لكن قيمتها القانونية في حالة النزاع المسلح يدعمها الالتزام باحترام أخلاقيات مهنة الطب وفق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية.

2 انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني

القتل العمد أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك التجارب البيولوجية والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة للبدن أو الصحة والتي ترتكب بحق أشخاص محميين بموجب اتفاقيات جنيف بمن فيهم الجرحى والمرضى هي انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني (اتفاقية جنيف 1 المادة 50) ومن ثم فهي جرائم حرب تخضع للملاحقات الجنائية الدولية.

تحظر المادة المشتركة الثالثة أيضًا العنف الذي يستهدف الحياة والشخص لا سيما القتل بكل أشكاله والبتر والمعاملة القاسية والتعذيب وكذلك الانتهاكات للكرامة الشخصية خاصة بحق الجرحى والمرضى. وأقرت النظم القانونية الدولية بأن انتهاكات المادة الثالثة تعتبر انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. وأضيف الإحجام المتعمد عن تقديم الرعاية إلى الانتهاكات الجسيمة التي أوردتها المادة 11 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المؤرخ في عام 1977. وتنص على ما يلي:

  1. يجب ألا يمس أي عمل أو إحجام لا مبرر لهما بالصحة والسلامة البدنية والعقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم أو يتم احتجازهم أو اعتقالهم أو حرمانهم بأي صورة أخرى من حريتهم (نتيجة لأسباب مرتبطة بالنزاع). ومن ثم يحظر تعريض الأشخاص المشار إليهم في هذه المادة لأي إجراء طبي لا تقتضيه الحالة الصحية للشخص المعني ولا يتفق مع المعايير الطبية المرعية التي يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه المتمتعين بكامل حريتهم في الظروف الطبية المماثلة.
  2. يحظر بصفة خاصة أن يجرى لهؤلاء الأشخاص، ولو بموافقتهم، أي مما يلي:

أ) عمليات البتر

ب) التجارب الطبية أو العلمية

ج) استئصال الأنسجة أو الأعضاء بغية استزراعها، وذلك إلا حيثما يكون لهذه الأعمال ما يبررها وفقًا للشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة.

  1. لا يجوز الاستثناء من الحظر الوارد في الفقرة الثانية (ج) إلا في حالة التبرع بالدم لنقله أو التبرع بالأنسجة الجلدية لاستزراعها شريطة أن يتم ذلك بطريقة طوعية وبدون قهر أو غواية وأن يجرى ذلك لأغراض علاجية فقط وبشروط تتفق مع المعايير والضوابط الطبية المرعية وبالصورة التي تكفل صالح كل من المتبرع والمتبرع له.
  2. يعد انتهاكًا جسيمًا لهذا البروتوكول، كل عمل عمدي أو إحجام مقصود يمس بدرجة بالغة بالصحة أو بالسلامة البدنية أو العقلية لأي من الأشخاص الذين هم في قبضة طرف غير الطرف الذي ينتمون إليه، ويخالف المحظورات المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية أو لا يتفق مع متطلبات الفقرة الثالثة.

تلك المحظورات، ومثلها في ذلك متطلبات حماية الجرحى والمرضى، هي حاليًّا جزء من القانون الدولي الإنساني العرفي.

وتؤكد القاعدة 90 حظر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية وانتهاك الكرامة الشخصية. كما تؤكد القاعدة 92 أن “البتر أو التجارب الطبية أو العلمية أو غير ذلك من الإجراءات الطبية التي لا تقتضيها الحالة الصحية للشخص المعني ولا تتفق مع المعايير الطبية المرعية هي إجراءات محظورة”. وتطبق تلك القواعد في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

←تعذيب؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

3 حماية استقلال الطبيب ومهمته

يرسي القانون الإنساني قواعد واضحة تحمي استقلال أفراد الخدمات الطبية ومن ثم قدرتهم على احترام أخلاقيات مهنة الطب والدفاع عنها في مواجهة الضغوط الخارجية.

•يجب احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية المدنيين والهيئات الدينية. ويجب تقديم كل المساعدة الممكنة لهم لأداء واجباتهم ولا يجوز إرغام هؤلاء الأفراد على أداء مهام لا تتلاءم مع مهمتهم الإنسانية (البروتوكول 1 المادة 15؛ البروتوكول 2 المادة 9-1). القاعدتان 25 و28 من دراسة القانون الإنساني العرفي تنصان على الالتزام باحترام وحماية أفراد الخدمات الطبية في كل الظروف وكذلك الوحدات والخدمات الطبية.

•”لا يجوز مطالبة أفراد الخدمات الطبية بإعطاء أي شخص الأولوية في أدائهم لواجباتهم إلا على أسس طبية” (البروتوكول 2 المادة 9-2).

•”لا يجوز بأي حال من الأحوال توقيع العقاب على أي شخص لقيامه بنشاط ذي صفة طبية يتفق مع شرف المهنة الطبية بغض النظر عن شخص المستفيد من هذا النشاط”. (البروتوكول 1 المادة 16-1، والبروتوكول 2-المادة 10-1).

•”لا يجوز إرغام الأشخاص الذين يمارسون نشاطًا ذا صفة طبية على إتيان تصرفات أو القيام بأعمال تتنافى مع شرف المهنة الطبية أو غير ذلك من القواعد التي تستهدف صالح الجرحى والمرضى أو أحكام القانون الدولي الإنساني ولا يجوز أيضًا إجبارهم على الإحجام عن القيام بالأعمال التي تتطلبها هذه القواعد (البروتوكول 1 المادة 16-2 ؛ البروتوكول 2 المادة 10-2).

•القاعدة 26 من دراسة القانون الدولي الإنساني تؤكد تلك الأحكام: “يحظر إنزال العقاب على شخص لقيامه بواجبات طبية تتفق مع شرف المهنة الطبية أو إرغام شخص يمارس أنشطة طبية على القيام بأعمال تتنافي وشرف المهنة الطبية”.

يوضح القسم التالي القواعد التي تحكم السرية الطبية ومبدأ السرية بين الطبيب والمريض في أوقات النزاعات الدولية والداخلية.

4 تعزيز السرية الطبية

يعد احترام السرية الطبية مسألة أساسية في حماية المرضى في حالات النزاعات المسلحة والاحتجاز. وقد تكون السرية الطبية مقيدة في أوقات السلم بالالتزامات المتعلقة بالطب الجنائي التي يفرضها القانون المحلي. وقد تتطلب تلك الالتزامات من الأطباء إبلاغ السلطات العامة عن أمراض معدية معينة أو حالات عنف؛ والمرضي المصابين بالرصاص، وضحايا العنف الجنسي، وضحايا سوء المعاملة من الأطفال. وتمنح أحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيما القواعد المتعلقة بأخلاقيات مهنة الطب، مبدأ السرية الطبية الأولوية على أي قواعد تنظيمية تتعارض معه.

وتحمي القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية السرية الطبية، حتى في حالة محاكمة أسوأ الجرائم، ولا تقبل أي معلومات يتم الحصول عليها عن طريق انتهاك هذه السرية المهنية ما لم يوافق عليها المريض (القاعدة 73).

☜قسم أبقراط يطالب الأطباء بالسرية بالفعل: “كل ما يأتي إلى علمي أثناء ممارستي لمهنتي أو في مخالطتي اليومية مع الناس، مما يجب ألا ينشر، سأكتمه سرًّا ولن أفشيه أبدًا”.

•يحمي القانون الدولي الإنساني السرية الطبية. وفي حالات الاضطرابات أو النزاعات يجب على أفراد الخدمات الطبية الذين يقومون على رعاية المرضى والجرحى احترام السرية الطبية بشكل صارم. ففي الحقيقة قد تضر المعلومات الطبية التي تنقل إلى السلطات بالمريض وربما تستخدم كوسيلة ضغط.

•في حالات الاضطرابات الداخلية أو النزاعات المسلحة، يكون للقواعد الأخلاقية التي تفرض السرية الطبية الأولوية على ما يعارضها من التزامات يحددها القانون المحلي. ولا يجوز لطبيب نقل معلومات ما لم يكن ذلك في مصلحة المريض المباشرة أو إذا كان هناك احتمال بأن يضر هذا بالمريض. لا يجوز توقيع أي عقوبة على طبيب يرفض انتهاك السرية الطبية في أوقات الاضطرابات الداخلية أو النزاعات المسلحة.

•القانون وحده هو ما ينظم القيود على مبدأ السرية الطبية. مجرد صدور أمر أو لائحة من جانب سلطة عسكرية أو إدارية لا يجيز للطبيب انتهاك التزامه بالسرية الطبية.

•التوجه الحالي يهدف إلى توضيح المعضلة بين أخلاقيات مهنة الطب والقانون وذلك بإقرار حظر أخلاقي مطلق على إفشاء معلومات طبية ما لم يكن ذلك في مصلحة المريض وعن رضا منه.

في حالات النزاعات المسلحة الدولية، يحدد القانون الدولي الإنساني السرية الطبية حيال الخصم في النزاع باعتبارها مبدأ مطلقًا. وينص على أنه لا يجوز إرغام أي شخص يمارس نشاطًا ذا صفة طبية على الإدلاء بمعلومات عن الجرحى والمرضى الذين كانوا أو ما زالوا موضع رعايته لأي شخص سواء أكان تابعًا للخصم أم للطرف الذي ينتمي هو إليه إذا بدا له أن مثل هذه المعلومات قد تلحق ضررًا بهؤلاء الجرحى والمرضى أو بأسرهم وذلك فيما عدا الحالات التي يتطلبها قانون الطرف الذي يتبعه. ويجب، مع ذلك، أن تراعى القواعد التي تفرض الإبلاغ عن الأمراض المعدية (البروتوكول 1 المادة 16-3).

في حالات النزاعات المسلحة الداخلية فإن طرفي النزاع لا يكون لهما الحق في التمتع بنفس الحقوق. ومع ذلك يذكر القانون الدولي الإنساني بأن القانون وحده هو ما يمكن أن يفرض قيودًا على مبدأ السرية الطبية. وينص البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 على أنه “تحترم الالتزامات المهنية للأشخاص الذين يمارسون نشاطًا ذا صفة طبية فيما يتعلق بالمعلومات التي قد يحصلون عليها بشأن الجرحى والمرضى المشمولين برعايتهم، وذلك مع التقيد بأحكام القانون الوطني” (البروتوكول 2 المادة 10-3). ويؤكد أيضًا أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال توقيع العقاب على أي شخص يمارس نشاطًا ذا صفة طبية لرفضه أو تقصيره في إعطاء معلومات تتعلق بالجرحى والمرضى الذين كانوا أو لا يزالون مشمولين برعايته، وذلك مع التقيد بأحكام القانون الوطني” (البروتوكول 2 المادة 10-4).

وفي النزاع المسلح، سواء كان دوليًّا أو غير دولي، يسود وجوب احترام أخلاقيات مهنة الطب على أحكام القانون المحلي. وفي الحقيقة، وجملة القول بشأن هذه القضية، ينص القانون الدولي الإنساني على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال توقيع العقاب على أي شخص لقيامه بنشاط ذي صفة طبية يتفق مع شرف المهنة الطبية بغض النظر عن شخص المستفيد من هذا النشاط (البروتوكول 1 المادة 16-1، والبروتوكول 2 المادة 10-1).

ثالثًا قواعد أخلاقيات مهنة الطب التي تطبق في حالات الاحتجاز

مشاركة أفراد الخدمات الطبية بالفعل أو بالتغاضي عنه في أعمال تعذيب أو معاملة مهينة لأشخاص محتجزين أو محرومين بأي شكل من الأشكال من حريتهم هي ممارسة تكشفت في كثير من الظروف. وتضاعف هذه المشاركة شعور الضحية بالعجز والخوف وتزيد من فعالية التعذيب في هدفه تدمير أي قدرة على المقاومة البدنية أو المعنوية، بالنسبة للفرد أو داخل مجموعة، وإطالة أمد الألم دون التسبب في الوفاة.

جرى تطوير قواعد خاصة للأخلاقيات بهدف الحد من تعرض أفراد الخدمات الطبية لضغوط من قوات الأمن أو الجيش. وأظهرت دراسات عديدة أن أفراد الخدمات الطبية يفتقرون إلى التجهيزات الكافية على المستويين المهني والنفسي لرفض المشاركة في ممارسات ترى السلطات أنها تتجاوز حدود مسؤوليتهم المباشرة. يعتبر بعض الأطباء أنهم لم يعودوا في علاقة علاجية مع المريض وإنما في تفاعل فني مع السلطات وأنه، بناء على ذلك، فإن قواعد أخلاقيات مهنة الطب لا تنطبق على الوضع.

ويمكن أن تتخذ مشاركة الأطباء في عمليات استجواب وسوء معاملة أشكالًا متعددة وتكون في أغلب الأحيان غير مباشرة. وقد تشمل هذه المشاركة الرصد والمراقبة والمساعدة ونقل معلومات طبية وإعطاء دواء لا تقتضيه حالة المريض ودون موافقته وتزوير ملفات طبية أو شهادات وفاة أو تقديم رعاية طبية تسمح بإطالة أمد التعذيب. لذلك كان من الضروري توضيح القواعد المتعلقة بمشاركة أفراد الخدمات الطبية سواء بالفعل أو بالتغاضي عنه في أعمال تعذيب وتنظيم المضمون الأخلاقي لالتزامات الأطباء تجاه المرضى المحتجزين.

في 1982 قننت الأمم المتحدة المبادئ الأساسية لأخلاقيات مهنة الطب التي تطبق في حالات الاحتجاز. تكمل تلك القواعد المبادئ الأخرى التي تشملها اتفاقيات جنيف وتتعلق بممارسات المهمة الطبية تجاه سجناء الحرب وغيرهم من الأشخاص المحرومين من حريتهم في حالات النزاع. وهي أيضًا تكمل القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة في 1977 (القرار (62) 2076 في 13 من مايو 1977) والتي احتوت بالفعل على العديد من القواعد المرتبطة بحقوق المحتجزين وممارسات المهمة الطبية في أماكن الاحتجاز. لكن تلك القواعد كانت موجهة بالأساس إلى الدول ولم توضح حدود أخلاقيات مهنة الطب والمسؤولية الفردية لأفراد الخدمات الطبية في مثل تلك الانتهاكات.

←الاحتجاز

1.مبادئ أخلاقيات مهنة الطب المتعلقة بدور أفراد الخدمات الصحية، لا سيما الأطباء، في حماية السجناء والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة.

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك المبادئ بالإجماع في 18 كانون الأول/ ديسمبر1982 (القرار 37/194). وهي تتجاوز مبادئ أخلاقيات مهنة الطب التي حددها دستور نورمبرغ لعام 1947، والتي كانت مقتصرة على تنظيم عمليات التجارب على المحتجزين. وتُكمِّل القواعد المرتبطة بعمل المهمة الطبية في حالات النزاع، والتي تحظر مشاركة الأطباء سواء بالفعل أو بالتغاضي عنه في أعمال التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة بحق المحتجزين. وفي النهاية فهي تعزز القواعد العامة لأخلاقيات مهنة الطب بمواءمتها مع المخاطر الخاصة المرتبطة بالاحتجاز.

•تحدد ستة مبادئ أساسية لا يجوز تقييد أي منها لأي سبب من الأسباب بما في ذلك حالة الطوارئ العامة (المبدأ 6).

•تجدد التأكيد على قاعدة عدم التمييز والمساواة في المعاملة الطبية بغض النظر عن وضع المريض: “من واجب الموظفين الصحيين، وبخاصة الأطباء، المكلفين بالرعاية الطبية للمسجونين والمحتجزين أن يوفروا لهم حماية صحتهم البدنية والعقلية وأن يعالجوا المرض معالجة من نفس النوعية والمستوى المتاحين لغير المسجونين أو المحتجزين” (المبدأ 1).

•توضح مضمون المسؤولية الفردية لمقدم الرعاية في المشاركة سواء بالفعل أو بالتغاضي عنه في إساءة المعاملة. فهي تؤكد أن تعاون الأطباء سواء بالفعل أو بالتغاضي عنه في التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية يثبت حالما يتأكَّد دور أفراد الخدمات الطبية في السعي وراء هدف آخر غير تقييم وحماية وتحسين الحالة البدنية أو العقلية للأفراد المعنيين.

•”إن مما يشكل انتهاكًا جسيمًا لآداب مهنة الطب، وجريمة بموجب الصكوك الدولية المنطبقة، أن يقوم الموظفون الصحيون، ولا سيما الأطباء، بطريقة إيجابية أو سلبية بأعمال تشكل مشاركة في التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” (المبدأ الثاني).

“إن مما يشكل انتهاكًا لآداب مهنة الطب أن يقيم الموظفون الصحيون، ولا سيما الأطباء، أية علاقة مهنية مع السجناء أو المحتجزين لا يكون القصد الوحيد منها هو تقييم أو حماية أو تحسين الصحة البدنية أو العقلية للسجين أو المحتجز” (المبدأ 3) .

•”إن مما يشكل انتهاكًا لآداب مهنة الطب أن يقوم الموظفون الصحيون ولا سيما الأطباء بما يلي: (أ) استخدام معارفهم ومهاراتهم للمساعدة في أساليب استجواب السجناء والمحتجزين على نحو قد يضر بالصحة أو الحالة البدنية أو العقلية لهؤلاء المسجونين أو المحتجزين أو يتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة؛ (ب) الشهادة أو الاشتراك في الشهادة بأن السجناء أو المحتجزين لائقون لأي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة التي قد تضر بصحتهم البدنية أو العقلية والتي تتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة”(المبدأ 4).

إضافة إلى ذلك “إن مما يشكل انتهاكًا لآداب مهنة الطب أن يشترك الموظفون الصحيون، ولا سيما الأطباء، في أي إجراء لتقييد سجين أو محتجز إلا إذا تقرر بمعايير طبية محضة أن هذا الإجراء ضروري لحماية الصحة البدنية أو العقلية أو السلامة للسجين أو المحتجز ذاته، أو زملائه السجناء أو المحتجزين أو حراسه ولا يشكل خطرًا على صحته البدنية أو العقلية” (المبدأ 5).

2. دليل التقصي والتوثيق الفعَّالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

يقدم هذا الدليل الصادر تحت اسم إعلان اسطنبول الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2004 مبادئ توجيهية لمساعدة العاملين في الرعاية الصحية على إدارة المعضلات الأخلاقية في مواجهة التعذيب وإساءة المعاملة. ويذكر أيضًا بالتزام الأطباء بتوثيق التعذيب وإساءة المعاملة وبحظر المشاركة في تلك المعاملات.

أ) أخلاقيات العلاقة العلاجية

يؤكد الدليل أن العلاقة الأخلاقية الوحيدة بين السجين والموظف الصحي هي علاقة تهدف لتقييم وحماية وتحسين صحة السجناء. ومن الواضح أن تقييم صحة المحتجزين بهدف تسهيل العقوبة أو التعذيب يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب. ولأغراض هذا الدليل فإن “المشاركة في التعذيب” تشمل تقييم قدرة الفرد على تحمل المعاملة السيئة؛ أو الحضور أثناء المعاملة السيئة أو الإشراف عليها أو القيام بها؛ أو إنعاش أفراد بغرض تعريضهم لمزيد من سوء المعاملة أو تقديم العلاج الطبي فورًا قبل أو أثناء أو بعد التعذيب بناء على تعليمات من الأشخاص المحتمل أن يكونوا مسؤولين عنه؛ وتقديم معرفة مهنية أو معلومات صحية شخصية عن الأفراد إلى المعذبين؛ وتجاهل أدلة عمدًا وتزوير تقارير مثل تقارير تشريح الجثث وشهادات الوفاة.

يذكر الدليل بالالتزامات الثلاثة الجوهرية للطبيب: (1) تقديم الرعاية الرؤوف على النحو الذي يحقق مصلحة المريض وحده، (2) واجب الحصول على موافقة المريض الصادرة عن علم؛ و(3) احترام السرية الطبية وعدم إلحاق ضرر بالمريض.

يوضح الدليل المعضلات المرتبطة بالتزامات أفراد الخدمات الطبية تجاه المريض من جهة وتجاه المجتمع من جهة أخرى ويقدم مبادئ توجيهية لإدارة تلك المعضلات الأخلاقية.

ب( إدارة المعضلات الناشئة عن ازدواج الالتزامات

يرصد الدليل أن الأطباء يواجهون بشكل متكرر ازدواجًا في الالتزامات عليهم أن يبتوا فيها بناء على المبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال، ثمة تناقض بين واجب تقديم الرعاية وواجب عدم المشاركة في إساءة المعاملة، أو بين الالتزام بالسرية الطبية تجاه المريض والالتزام بالكشف عن معلومات طبية للسلطات. وتوضح الوثيقة المبادئ التي يمكن أن تساعد أفراد الخدمات الطبية في التعامل مع تلك الالتزامات المزدوجة.

أولًا وقبل كل شيء، فإن الحظر المطلق لإلحاق الضرر بالمريض هو المعيار الأخلاقي الوحيد الذي يفيد في إدارة المعضلات الأخلاقية المتصلة برفع السرية الطبية أو الإبقاء عليها. وعندما تكون المعضلة بين التزام أخلاقي والتزام قانوني، مثل الالتزام بكشف معلومات سرية بخصوص مريض، ينبغي دائمًا أن تكون السيادة للقاعدة الأخلاقية. وعلى العكس من ذلك، عندما تكون المعضلة بين التزامين أخلاقيين مختلفين، فينبغي أن يسود المبدأ الذي يتضمن تجنب أي ضرر للمريض. ويتضح هذا مثلًا في مبدأ التزام الطبيب باحترام السرية الطبية وأيضًا حماية المريض بتحذير السلطات بشأن حالته الصحية والكشف عن معلومات سرية إن كان هذا في مصلحة المريض. يذكر الدليل أيضًا بأنه يجب على الطبيب ألا يستند أبدًا في قراره الأخلاقي على الامتثال فقط لمطلب قانوني. ويجب على الطبيب من أجل اتخاذ قراره أن يقيم المخاطر على المريض من تنبيه السلطات إذا تعرض لمعاملة سيئة في أماكن احتجاز تحت سيطرتهم. يشمل هذا بشكل خاص ضغوط السلطات للحصول على معلومات وملفات طبية شخصية بشأن المرضى المعنيين أو تقييد استقلال الأطباء وحصول المرضى على الرعاية. في نهاية الأمر، فإن مبدأ السرية تجاه المريض يلغي أي التزام قانوني بالكشف عن معلومات عنه.

وفيما يتعلق بالمعضلات المرتبطة بطبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض يشير الدليل إلى أنه عندما لا يتدخل الطبيب بناء على طلب المريض أو في إطار علاقة علاجية هدفها مصلحة المريض، يتعين عليه أن يخطر المريض بطبيعة المهمة والقيود التي يواجهها بخصوص السرية. على الطبيب أن يحدد الدوافع للفحص أو العلاج المقدم. ويجب أن يبقى المريض حرًّا في أن يقبل أو لا.

عندما يتصرف الطبيب بناء على طلب طرف ثالث مثل إدارة مؤسسة إصلاحية أو جيش أو ممثل أمني، يجب عليه أن يرفض أي أمر ربما يضر بالصحة البدنية أو العقلية للمريض ويضمن حصول المريض دائمًا على الرعاية التي يحتاج إليها. وعلى الطبيب أيضًا أن يدافع عن استقلال وعدم تحيز القرارات التشخيصية والطبية. وفي النهاية، عليه أن يضمن ألا ترفع السرية عن المعلومات الطبية التي جمعت خلال أدائه عمله دون موافقة من المريض صادرة عن علم.

رابعًا اللجوء للقضاء والعقوبات بسبب انتهاكات أخلاقيات مهنة الطب

تعترف القوانين الوطنية والدولية حاليًّا ببعض الانتهاكات المحددة لأخلاقيات مهنة الطب كجرائم جنائية يشملها حظر المشاركة في التعذيب أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو المساعدة فيها أو التحريض عليها. ووسعت البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف قائمة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني لتشمل كل عمل عمدي أو إحجام مقصود يؤثر عن قصد على الحالة الصحية للأشخاص المحميين في حالات النزاع (البروتوكول 1 المادة 11-4؛ البروتوكول 2 المادة 5-2 هـ). وقد تؤدي هذه الجرائم إلى مقاضاة أمام محاكم وطنية أو دولية إذا كان المتهم في بلد آخر، وذلك بموجب مبدأ الاختصاص العالمي الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (المادتان 2 و5) واتفاقيات جنيف (اتفاقية جنيف 1-4 ، المواد 49، 50، 129، 146؛ البروتوكول 1 المادة 85-1). ويجوز اللجوء إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تبعًا للحالة.

ويجوز أيضًا محاكمة أفراد الخدمات الطبية الذين يتصرفون بما يخالف أو يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب أمام هيئات تأديبية (كليات الطب). تلك السلطات لا يمكنها إصدار عقوبات جنائية، لكن بوسعها إلغاء حق الأطباء في ممارسة المهنة. وتهدف تلك العقوبات إلى حماية المجتمع من الأفعال التي تنتهك الممارسات المهنية الصالحة. وعلى الرغم من ذلك ففي الحالات التي تشمل مشاركة أفراد الخدمات الطبية في ممارسات مسيئة من قبل الدولة، مثل إساءة معاملة أو تعذيب محتجزين تميل السلطات التأديبية المحلية إلى اعتبار ذلك قضية سياسية وليست أخلاقية، ينبغي التعامل معها أمام المحاكم الوطنية. هذا ما قررته كلية الطب في كاليفورنيا عام 2005 عندما رفضت التحقيق في حالة طبيب مسؤول عن معاملة معتقلين في غوانتانامو. وجرى تناول القضية من قبل بالفعل، فيما يخص الطبيعة الأخلاقية أو اللاأخلاقية لمشاركة أطباء في تطبيق عقوبة الإعدام بالحقنة المميتة. وفيما يتعلق بالحالة الثانية فإن القضية الأخلاقية على الرغم من ذلك منفصلة في وقت السلم عن القضية الجنائية الخاصة بالمشاركة في أعمال تعذيب نظرًا لأن تعريف اتفاقية مناهضة التعذيب يستثني المعاناة الناتجة عن فرض عقوبة جنائية تصدرها محكمة نظامية.

وفي ضوء صعوبة تعامل الاتحادات الطبية الوطنية مع قضية مشاركة الأطباء في تعذيب وإساءة معاملة محتجزين، فقد اقترح تفويض تلك المسألة إلى هيئة دولية مهنية مثل الجمعية الطبية العالمية، أو إنشاء كيان جديد خصيصًا للتعامل مع هذه القضية. ويمكن القول إن مثل هذه الخطوة لن تضعف الاختصاص القضائي الجنائي الوطني أو الدولي والذي لا يزال غير نشط بشكل كبير في تلك الأمور، لكنها على العكس تحفز التفكير وعملية صنع القرار الأخلاقي داخل الحقل الطبي.

← احتجاز؛ سوء المعاملة؛ واجبات طبية؛ أفراد الخدمات الطبية؛ خدمات طبية؛ تعذيب؛ منظمة الصحة العالمية؛ الأشخاص الجرحى والمرضى

@World Medical Association: http://www.wma.net/fr/10home/index.html

World Psychiatric Association: http://www.wpanet.org/

Islamic Organization for Medical Sciences: http://www.islamset.com/ioms/main.html

Federation of Islamic Medical Associations: http://fimaweb.net/cms/

International Council of Nurses: http://www.icn.ch/fr/about-icn/code-deontologique-du-cii/

Commonwealth Medical Association: http://www.sci-tech-soc.org/CMA.html

لمزيد من المعلومات:

Amnesty International. Ethical Codes and Declarations Relevant to the Health Professions: An Amnesty International Compilation of Selected Ethical Texts. London: Amnesty International, 1994. Available at http://web.amnesty.org/pages/health-ethicsindex-eng.

Borchelt, Gretchen. “Break Them Down: Systematic Use of Psychological Torture by US Forces.” Report, Physicians for Human Rights. Cambridge, 2005. Available at http://humanrights.ucdavis.edu/resources/library/documents-and-reports/physicians_for_human_rights.

British Medical Association. The Medical Profession and Human Rights: Handbook for a ChangingAgenda. London: Zed in association with BMA, 2001.

Constitution Project. “The Role of Medical Professionals in Detention and Interrogations Operations.” In The Report of the Constitution Project’s Task Force on Detainee Treatment, 203–42. 2013.

Grodin, Michael, and George Annas. “Physicians and Torture: Lessons Learned from the Nazi Doctors.” International Review of the Red Cross 867 (September 2007): 635–54.

Gunn, M. J. “Medical Ethics and the Laws of Armed Conflict.” Journal of Armed Conflict 3, no. 2 (1998): 133–61.

Islamic Organization for Medical Sciences. “The Islamic Code of Medical Ethics.” Available at http://www.islamset.com/ethics/code/index.html.

Miles, Steven H. “Abu Ghraib: Its Legacy for Military Medicine.” Lancet Medical Journal 364 (August 2004): 725–29.

United Nations. “Istanbul Protocol, Manual on the Effective Investigation and Documentation of Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment.” Geneva, 2004. Available at http://www.ohchr.org/Documents/Publications/training8Rev1en.pdf.

———. “Principles of Medical Ethics Relevant to the Role of Health Personnel, Particularly Physicians, in the Protection of Prisoners and Detainees against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment.” General Assembly Resolution 37/194, 18 December 1982. Available at http://www2.ohchr.org/english/law/medicalethics.htm.

———. “Standard Minimum Rules for the Treatment of Prisoners.” Adopted by the First United Nations Congress on the Prevention of Crime and the Treatment of Offenders, Geneva, 1955. Approved by the Economic and Social Council, Resolutions 663 C (XXIV), 31 July 1957, and 2076 (LXII), 13 May 1977. Available at http://www2.ohchr.org/english/law/treatmentprisoners.htm.

Viñar, Marcelo N., “Civilization and Torture: Beyond the Medical and Psychiatric Approach.” International Review of the Red Cross 867 (September 2007): 619–33.

World Medical Association. “International Code of Medical Ethics.” 2006. Available at http://www.wma .net/en/30publications/10policies/c8/.

———. Medical Ethics Manual. 2nd ed. 2009. Available at http://www.wma.net/en/30publications/30ethicsmanual/pdf/ethics_manual_en.pdf.

Article également référencé dans les 2 catégories suivantes :