القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا

أولًا – لمحة عامة

بعد النزاعات التي دارت في رواندا ويوغسلافيا السابقة، وفي غياب محكمة جنائية دولية دائمة، اختار المجتمع الدولي تأسيس محكمتين جنائيتين دوليتين خاصتين لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية في هاتين الحالتين. وقد تأسّست المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في 1993، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في 1994 بهدف التحقق من هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبي الجرائم الفظيعة التي ارتكبت أثناء تلك النزاعات.

وقد أنشأ مجلس الأمن هاتين المحكمتين من خلال قرارات اعتمدها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتكون مثل هذه القرارات ملزمة لجميع الدول، وقد تمّ تأسيس هاتين المحكمتين بهذه الطريقة بغرض فرض سلطتهما القضائية بصورة مباشرة على الدول كافة. وربّما كانت الطريقة الأخرى هي اعتماد معاهدة لتأسيس جهاز كهذا، والذي كان سيتطلب موافقة الدول ثم التصديق عليها. اتفاقيات دولية؛

مجلس الأمن

ومنذ ذلك الحين، وفي 17 تموز/ يولية 1998، اعتمدت الدول قانون محكمة جنائية دولية دائمة، نظام روما الأساسي الذي دخل حيز النفاذ في 1 تموز/ يولية 2002، تتحمل مسؤولية تقديم الأشخاص المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية إلى العدالة. ويكون اختصاص المحكمة الجنائية الدولية خاضعًا لشروط مسبقة معينة، وتعمل فقط عندما تعجز الدول أو تكون غير مستعدة لتنفيذ التحقيقات والمحاكمات الفردية. ولكن بإمكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على دولة معينة وذلك باعتماد قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

← المحكمة الجنائية الدولية

1. الأساس القانوني للمحكمتين: القانون الدولي، القانون المدني، والقانون العام

تأسّست المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بموجب قراري مجلس الأمن رقم 808 في 22 شباط/ فبراير 1993، و827 في 25 أيار/ مايو 1993. وتتخذ من لاهاي، في هولندا، مقرًّا لها، في ما تأسست المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1994، وتتخذ من أروشا، في تنزانيا، مقرًّا لها. ويرد النظامان الأساسيان لهاتين المحكمتين مرفقين بهذين القرارين.

ونتيجة لعدم وجود تشريع دولي للإجراءات الجنائية، حددت المحاكم قواعدها: القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، التي تمّ اعتمادها في 11 شباط/ فبراير 1994، الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وفي 29 حزيران/ يونية 1995، بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وقد اعتمدت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا قواعد مماثلة تمامًا لتلك التي اعتمدتها المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وقد استمدّت القواعد إلى حدّ كبير من نظام القانون العام الذي يحكم معظم الدول الأنجلو - سكسونية، في مقابل القانون المدني. وغالبًا ما يوصف نظام القانون العام على أنه ينحو منحى اتهاميًّا (أو مناوئًا) بينما يتخذ نظام القانون المدني منهجًا تحقيقيًّا.

وفي هذا المجال، لاحظ أنصار القانون المدني وجود فروقات هامة معينة ناجمة عن هذا المنحى، وترد تفاصيلها في الأقسام التالية:

أ. دور الضحية

من أحد المتناقضات المهمة هو دور الضحية. ففي القانون العام، يعامل الضحية في قضية جنائية معاملة شاهد، وهذا يعني أمرين رئيسيين:

  • لا يحقّ للضحية المطالبة بتعويضات في قضية جنائية (إذ تدفع التعويضات عادة في القضايا المدنية، التي يجري النظر فيها أمام محاكم مدنية أو محكمة صلح أو محكمة جزئية مدنية) وفي القانون المدني، يحق للمدعي المطالبة بالتعويضات في القضايا الجنائية.

وفي المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والمحكمة الجنائية لرواندا، ينعكس هذا في أنه ما إن يحيل المسجل الحكم بالجرم إلى السلطات المختصة، حتى يجب على الضحايا أو الأشخاص الذين يقدمون مطالب، اتّخاذ إجراء أمام محكمة وطنية أو هيئة أخرى مختصة من أجل الحصول على تعويض (القاعدة 16 من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات في المحاكم).

  • قد يعرض النظام القائم على الاتهام الضحايا والشهود إلى استجواب قاسٍ يجريه الدفاع.

وتشمل أحكام الإجراءات والأدلة في المحاكم بنودًا لتنفيذ إجراءات خاصة لحماية والحفاظ على سرية الضحايا والشهود. بيد أن هذه البنود تكون مضمونة فقط أثناء تقديم شهاداتهم، إلَّا أن مصيرهم عند عودتهم إلى مواطنهم الأصلية ومصير عائلاتهم لا يؤخذ في نظر الاعتبار.

وفي ظروف معينة، يكون من الممكن تقديم معلومات إلى المدعي العام بشرط ألا يفشي المعلومات ومصدرها إلى محامي دفاع المتهم دون موافقة الهيئة أو الشخص الذي قدمها (القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، القاعدة 70 ب).

ب. المحاكمات غيابيًّا

هناك فرق آخر بين نظامي القانون العام والقانون المدني ينعكس في إجراء المحكمتين وهو أنهما لا تسمحان بإجراء المحاكمات غيابيًّا (أي في غياب المتهم). وتعد مثل هذه المحاكمات انتهاكًا لحقوق المتهم القانونية بموجب الإجراءات القانونية الواجبة (رغم أن أحكام جرائم معينة ثانوية قد يتمّ الإعلان عنها بغياب المتهم إذا ما تعمد الغياب عن المحاكمة أو في حال هروبه). وتُعتبر أنظمة القانون المدني أكثر انفتاحًا من الناحية الفنية في تنفيذ ”إجراءات عدم المثول أو محاكمة المتهم غيابيًّا“ رغم أن هذه يراد بها في واقع الحال تشجيع المتهم على الحضور ما دامت هناك ضرورة لعقد محاكمة جديدة تمامًا إذا ما رفض المتهم حكم المحكمة الأولى.

ج. دور المدعي العام

في نظام القانون العام، يتحمل رئيس الادعاء العام أو النائب العام المسؤولية عن كل من عملية التحقيق والمحاكمة، في حين أن التحقيق في نظام القانون المدني، يجري تنفيذه من قبل قضاة تحقيق في ما يقوم القضاة بإجراء معظم التحقيقات أثناء المحاكمات. وهذا يؤدي إلى تخفيف ضغط التحقيق مع الضحايا والشهود أثناء المحاكمة. وفي هذا السياق، يظهر هيكل المحكمتين، الذي سيوضح في ما بعد، تأثير النظام القائم على المنهج الاتهامي، الذي ينعكس بصورة رئيسية في السلطة المهيمنة الممنوحة للمدعي العام.

ويقترب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي اعتُمد في تموز/ يولية 1998، من الجمع بين النظامين القانونيين: إذ ينصّ على وجود دائرة تمهيدية تمنح السمة المفوضة لأي تحقيقات يجريها المدعي العام، ويتيح للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أمر بدفع تعويضات إلى الضحايا (أو في ما يتعلّق بهم). ويمكن للتعويضات أن تشمل إعادة الملكية، والتعويض أو إعادة التأهيل ويمكن أن يدفع التعويض بصورة مباشرة من قبل الشخص المدان أو من خلال صندوق استئماني منشأ بموجب النظام الأساسي للمحكمة (المادتان 75 و79 من نظام روما الأساسي).

← هرمية القواعد؛ المحكمة الجنائية الدولية

ثانيًا الهيكل والتنظيم

ترتبط المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، رغم استقلاليتهما، بعلاقات تنظيمية تضمن وحدة وتماسك عملياتهما القضائية وزيادة فاعلية الموارد المخصصة لهما، وتتكوَّن المحكمتان من جهاز قضائي، ومكتب المدعي العام، والجهاز الإداري. وقبل سنة 2007، كانت المحكمتان تشتركان بنفس المدعي العام وقضاة الاستئناف، ولكن منذ تلك السنة صار لديهما مدعيان عامان وقضاة محاكم مستقلون، بالإضافة إلى أجهزة إدارية وميزانية منفصلة.

1. الجهاز القضائي

يتكون الجهاز القضائي من أربعة عشر قاضيًا يجب أن يكونوا من جنسيات مختلفة. وقد تأسّس أصلًا مؤلفًا من دائرة ابتدائية لكلّ محكمة (بثلاثة قضاة لكلّ منها) - دائرة استئناف مشتركة (خمسة قضاة). إلَّا أن مجلس الأمن اعتمد قرارين جديدين يهدفان إلى تسريع تحقيق العدالة (القرارات 1165 في 30 نيسان/ أبريل 1998، و1166 في 13 أيار/ مايو 1998)، وذلك بإضافة دائرة ابتدائية لكلّ محكمة.

  • يُنتخب القضاة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يتعيّن عليها، كما هي حال محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، الأخذ بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي العادل وتمثيل الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم. وينتخب القضاة لتولي مناصبهم لفترة أربع سنوات، ويجري انتخابهم من قائمة مرشحين تتضمّن 22 قاضيًا يختارهم مجلس الأمن ويجوز إعادة انتخابهم.
  • يقوم الأربعة عشر قاضيًا بانتخاب رئيس المحكمة الذي يرأس أيضًا دائرة الاستئناف ويقوم بتعيينهم في الدوائر المختلفة. وتنتخب الدوائر الابتدائية رئيسها بعد تشكيلها. وفي شباط/ فبراير 2012، انتُخب القاضي فاغن جونسن، من الدانمرك، الرئيس الجديد للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا وأعيد انتخابه في أيار/ مايو 2015. والرئيس الحالي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا هو القاضي تيودور ميرون من الولايات المتحدة الأمريكية، وجرى تعيينه في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وأعيد انتخابه في تشرين الأول/ أكتوبر 2013.

2. مكتب المدعي العام

هناك مكتب مشترك للمدعي العام في المحكمتين. ويقوم مجلس الأمن بتعيين المدعي العام، بترشيح من الأمين العام للأمم المتحدة، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ويتمتع بمنزلة الأمين العام المساعد. وفي أيلول/ سبتمبر 2003، حلّ حسن بوبكر جالو من غامبيا محل كرلا ديل بونت من سويسرا في منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية لرواندا. وفي 2007، قرر مجلس الأمن تجديد ولايته لمدة أربع سنوات، لحين اكتمال أعمال المحكمة الجنائية. وفي كانون الثاني/ يناير 2008، حلّ سرجي برامرتز (من بلجيكا) محل كرلا ديل بونت بصفة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وأعيد تعيينه في 1 أيلول/ سبتمبر 2011. ويقوم الأمين العام بترشيح موظفي هذا المكتب بناءً على توصية من المدعي العام الذي يساعده نائبان للمدعي العام (واحد لكلّ محكمة).

3. الجهاز الإداري

الجهاز الإداري هو قلم المحكمة ويتولى المسجل إدارته، ولكلّ محكمة قلمها الخاص بها والذي يتحمَّل مسؤولية إدارة وخدمة المحكمة، ويقوم الأمين العام للأمم المتحدة بترشيح المسجلين لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بعد التشاور مع رئيس المحكمة. ولدى المسجل موظفون يرشحهم الأمين العام بعد التشاور مع المسجل.

وقد بلغت الميزانيتان العاديتان للمحكمتين في الفترة 2010/ 2011 واللتان أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة، 227 مليون دولار للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا و302 مليون دولار للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، على أن تسحب المبالغ من الميزانية العادية للأمم المتحدة. وتعمل المحكمتان جزئيًّا بفضل التبرعات التي تقدمها الدول. وهذا يعني أن المحكمتين تعانيان في كثير من الأحيان من مشاكل تمويل خطيرة تعيق أنشطتهما. وهذه مشكلة تعاني منها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا على وجه الخصوص.

واعتبارًا من شباط/ فبراير 2011، عيَّنت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا 628 موظفًا من بين سبع وسبعين جنسية، ولدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا 988 موظفًا ينتمون إلى اثنتين وثمانين دولة.

ثالثًا الاختصاص القضائي وإصدار الأحكام

1. الاختصاص الموضوعي (نتيجة لموضوع البحث)

تمتلك المحكمتان سلطة ”محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي“ (المادة 1 من النظامين الأساسيين للمحكمتين). وتحدّد بالتفصيل الجرائم المعينة التي تمتلك المحكمتان سلطة قضائية عليها في كل لائحة من اللائحتين (الموادّ 2-5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، والموادّ 2-4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وتقع هذه الجرائم ضمن فئات جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، لكلتا المحكمتين، وضمن هذا الإطار، أضافت كل محكمة نوعًا محدّدًا من الجريمة لسلطتها القضائية مقارنة بتفسيرات أضيق للقانون الدولي في الماضي.

  • رفعت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة حالة جريمة الاغتصاب إلى مستوى جريمة ضدّ الإنسانية. وهذا تخصص قضائي جديد. وبهذا المضمون، توفر أحكام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الخاصة بالقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات إجراءات تتطلب عبء إثبات مخفف في حالات الاعتداء الجنسي (البند 96).
  • وسَّعت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا مفهوم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني لتشمل حالات النزاع المسلح الداخلي، وأقامت الاتهام على أساس انتهاكات المادة 3 من البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977 (المادة 4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة).

وقد حدّدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة سابقتين قانونيتين غاية في الأهمية، عن الاغتصاب والإبادة الجماعية، في حكم صدر ضدّ جان بول أكاياسو (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، 96-4-ت، الصادر في 2 أيلول/ سبتمبر 1998). وهو أول حكم تصدره محكمة دولية تجد شخصًا مذنبًا بجريمة الإبادة الجماعية والاغتصاب باللجوء إلى التعاريف القانونية لجريمة الاغتصاب والإبادة الجماعية، من ناحية، والانتهاكات الخطيرة للبروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، من ناحية أخرى.

وبالإضافة إلى الحكم بالتجريم، حددت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، سابقة قانونية مهمة بتعريف الاغتصاب على أنه جريمة إبادة جماعية. ويرد مزيد من التفاصيل عن الحكم في المدخل. ← اغتصاب

2. الاختصاص الشخصي (الاختصاص بسبب الشخص المعني)

يقوم النظامان الأساسيان للمحكمتين على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية (المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وفي ظلّ القانون الدولي الحالي، يطبق هذا المبدأ على ”الأشخاص الطبيعيين“ فقط (الأشخاص الأفراد)، ويؤكد النظامان الأساسيان على حقيقة أن سلطتهما القضائية تنطبق على الأشخاص فقط (المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وبالتالي لا يمكن محاكمة الدول.

وللمحكمتين صلاحية محاكمة أي شخص متهم بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني (المادة 1 من النظامين الأساسيين) بغض النظر عن مستوى مسؤوليته. ويستمد النظامان الأساسيان موادّهما من نصوص أحكام محكمة نورمبيرغ.

  • يتحمّل أي شخص خطط، أو حرض أو أمر أو ارتكب أو ساعد أو شارك بطريقة أخرى في التخطيط أو الإعداد لجريمة ما أو تنفيذها، بموجب الاختصاص القضائي للمحكمتين، سواء كان ذلك الشخص موظفًا حكوميًّا أو قائدًا عسكريًّا أو تابعًا لها، المسؤولية الفردية عن الجرائم وتجوز محاكمته (المادة 7-1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 6-1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).
  • لا يشكل المنصب الرسمي لشخص متهم ولا حقيقة أنه يمكن أن يكون قد تصرّف بموجب أوامر صدرت له من رؤسائه، سببًا للاستثناء من المسؤولية الجنائية.
  • في حالة الأشخاص ذوي المناصب العليا، سواء كان رئيس دولة أو حكومة أو موظفًا مدنيًّا مهمًّا، فإن منصبهم الرسمي لن يعفيهم من تحمُّل مسؤوليتهم الجنائية ولا يخفف من عقوبتهم (المادة 7-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 6-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).
  • في حالة المرؤوسين، لن يعفيهم القول بأنهم كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم من المسؤولية الجنائية الفردية. لكن يمكن اعتبار الأوامر الصادرة من جهات عليا سببًا في تخفيف العقوبة عليهم، ولكن فحسب في الحالات التي لم تتح لهم تلك الأوامر حرية العمل أو الحكم (المادة 7-4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والمادة 6-4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).
  • بالإضافة إلى ذلك، يتحمّل من هو في منصب أعلى المسؤولية عن جريمة ارتكبها أحد مرؤوسيه، إذا كان من هو في منصب أعلى على علم أو كانت لديه الأسباب ليعرف أن المرؤوس كان على وشك ارتكاب مثل هذه الأعمال، أو ارتكبها، وفشل رئيسه في اتّخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع وقوع مثل هذه الأعمال أو معاقبة مرتكبيها (المادة 7-3 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، والمادة 6-3 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وفي هذا السياق، يعكس النظامان الأساسيان الأحكام التي تتعلّق بواجب القادة المنصوص عليها في البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 الملحق باتفاقيات جنيف (البروتوكول1، المادة 87).

السوابق القضائية

في قضية بوشكوسكي ضد تاركيولوفسكي (19 أيار/ مايو 2010، الفقرة 52)، أشارت دائرة الاستئناف التابعة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة إلى أن المحكمة، عملًا بالمادة 1 من النظام الأساسي، تقتصر في أحكامها القضائية على محاكمة أشخاص على مستوى محدَّد من السلطة، وهو ما يعني أن دور المرؤوس كمتهم غير مقبول من الناحية القانونية في تحديد مسؤوليته الجنائية الفردية.

3. الولاية الإقليمية والاختصاص الزمني

  • يغطي الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أراضي جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية السابقة، في ما يغطي اختصاصها الزمني جميع الجرائم المرتكبة منذ 1 كانون الثاني/ يناير 1991، وهو التاريخ الذي شهد بداية الأعمال العدائية حسب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وينتهي اختصاص المحكمة عندما تعتبر المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أن الأعمال العدائية قد انتهت.
  • يغطي الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا أراضي رواندا والدول المجاورة لها، في ما يغطي اختصاصها الزمني مدة سنة واحدة فقط، اعتبارًا من 1 كانون الثاني/ يناير إلى 13 كانون الأول/ ديسمبر، 1994.

السوابق القضائية

في قضية بيزيمونغو (22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، الفقرتان 20 و26) أصدرت الدائرة الابتدائية الثانية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا تفسيرًا موسعًا لاختصاصها الزمني، قائلة إنه حتى لو كان اختصاص المحكمة مقتصرًا على الجرائم المرتكبة سنة 1994 (المادة 1من نظامها الأساسي)، كان التآمر لارتكاب إبادة جماعية هو جريمة ذات طبيعة مستمرة، كما هو مذكور في قضية ناهيمانا (3 كانون الأول/ ديسمبر 2003، الفقرات 100-104 و144). ولهذا ارتأت المحكمة أن إثبات الأفعال الواقعة قبل سنة 1994 يمكن استغلالها كأدلة إثبات جرائم مرتكبة أثناء الفترة ما بين 1 كانون الثاني/ يناير و31 كانون الأول/ 1994.

وفي قضية ناهيمان وآخرين (28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، الفقرتان 313 و314)، ترى دائرة الاستئناف التابعة للمحكمة الجنائية لرواندا أنه ”كان قصد من صاغوا النظام الأساسي أن يكون للمحكمة اختصاص بإدانة متهم فحسب حيثما يُطلب إظهار أن جميع الأركان من أجل إثبات جريمته كانت متوافرة في سنة 1994“. ووفقًا لذلك، وجدت دائرة الاستئناف أنه بغية إدانة فرد، لا بد من إثبات أن الأفعال أو التقصير من جانب المتهم والتي تثبت مسؤوليته حدثت في سنة 1994، وأن المتهم في وقت هذه الأفعال أو التقصير كانت النية المعقودة متوافرة لديه.

4. العقوبات

يحكم على الأشخاص الذين تثبت إدانتهم بانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني بعقوبات بالسجن. ولا تصدر المحكمتان أحكامًا بالإعدام. ونظرًا لعدم وجود قانون جنائي دولي، فليس لدى القانون الدولي حكم موحَّد معتاد يحدّد لجريمة معينة. ولذلك تخضع المحكمتان لمقاييس أحكام السجن العامة الموجودة في يوغسلافيا السابقة ورواندا (المادة 24 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 23 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).

وبعد النطق بحكم ما، تُقضى فترة السجن في بلد تحدّده المحكمة من مجموعة من الدول التي أبدت لمجلس الأمن استعدادها لقبول الأشخاص المحكومين (المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة). وتضيف المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إمكانية قضاء فترة الحكم في رواندا (المادة 26 من النظام الأساسي للمحكمة في رواندا).

واعتبارًا من نيسان/ أبريل 2013، استكملت المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة أعمالها تقريبًا، بإلقاء القبض على آخر شخصين مشتبه بهما ومتهمين من جانب المحكمة، وهما راتكو ملادتش، الذي ألقي القبض عليه في 26 أيار/ مايو 2011، وغوران هادزيتش الذي ألقي القبض عليه في 20 تموز/ يولية 2011. ومجمل القول، أصدرت محكمة يوغسلافيا إدانات ضد 161 شخصًا. ومن بين 161 إجراءً قضائيًّا، توجد خمس وعشرون قضية ما زالت جارية و136 قضية جرى الفصل فيها. ومن بين القضايا الجارية الخمس والعشرين، ما زالت ثلاث عشرة قضية أمام الاستئناف واثنتا عشرة قضية رهن المحاكمة. ومن بين 136 شخصًا متهمًا، جرت تبرئة ثمانية عشر شخصًا، وصدرت أحكام ضد تسعة وستين شخصًا. وأحيلت ثلاث عشرة قضية إلى الاختصاص الوطني (عشر قضايا إلى البوسنة والهرسك وقضية إلى صربيا، وقضيتان إلى كرواتيا)، وسحبت بحق 36 شخصًا إدانات أو حالات وفاة. وهذا ما حدث في قضية سلوبودان ميلوسيفتش الذي توفي بعد نقله إلى المحكمة الجنائية.

ومن جانبها، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لائحة اتهام ضد 99 فردًا، ومن بين هؤلاء شخص متهم ينتظر المحاكمة، وعشر قضايا قيد النظر، وتم الفصل في خمس وستين قضية (صدرت أحكام بشأن ثمانٍ وثلاثين قضية، وتسع عشرة قضية رهن الاستئناف، وثماني قضايا نال أصحابها التبرئة)، وتوفي شخصان قبل المثول للمحاكمة، وأحيلت ثلاث قضايا إلى اختصاص قضائي وطني (قضية إلى رواندا وقضيتان إلى فرنسا)، وأُفرج عن تسعة أشخاص مدانين (اثنان قبل المحاكمة وسبعة بعد استكمال فترة الحكم) وما زال هناك تسعة أشخاص فارون من العدالة.

وللمحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا ولرواندا اختصاص قضائي يعتبر محدودًا من حيث الزمان والمكان. ذلك أن الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا يغطي أراضي جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية السابقة عن جرائم ارتكبت منذ الأول من كانون الثاني/ يناير 1991، وأن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا تخصّ أراضي رواندا والدول المجاورة لها وتشمل الفترة الزمنية الممتدة من 1 كانون الثاني/ يناير إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 1994.

  • للمحكمتين سلطة مقاضاة الأفراد المتهمين بأعمال جنائية وليس الدول؛
  • تعمل المحكمتان بالتوازي مع المحاكم الوطنية ولكنها قد تطلب من الأخيرة إحالة حالات معينة قيد التحقيق أو المقاضاة إليهما لإصدار الحكم بشأنها. ويعني هذا أن الدول تبقى ملزمة بالبحث عن مرتكبي هذه الجرائم ومحاكمتهم؛
  • لا يحقّ للضحايا والدول تقديم شكاوى بصورة مباشرة أمام هاتين المحكمتين؛
  • يستطيع المدعي العام وحده فتح تحقيق إما بمبادرة شخصية منه أو على أساس المعلومات التي يتلقاها. ويحق للمنظمات غير الحكومية، والضحايا، والشهود، والمنظمات الحكومية الدولية تقديم المعلومات إلى المدعي العام؛
  • واعتمدت المحاكم تعاريفها الخاصة لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، التي تدمج التعاريف من النظام الأساسي لمحكمة نورمبيرغ العسكرية لعام 1945، وتلك التعاريف الواردة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977؛
  • لا يجوز لعذر من المنصب الرسمي لشخص متهم ولا لعذر من منصب ذلك الشخص الذي يتبع أوامر جهات عليا، أن يكون مبرّرًا للإعفاء من المسؤولية الجنائية الفردية؛
  • تقتصر العقوبات على الأحكام بالسجن، ولا يفرض الحكم بالإعدام؛
  • تعتمد المحكمتان على التعاون القضائي بين الدول لضمان فاعليتها، والذي يتطلب بدوره قيام كل دولة بتعديل قوانينها من أجل هذا التعاون.

رابعًا تعاون الدول

لا يعفي وجود محاكم جنائية دولية الدول من التزامها بالبحث عن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني، ومحاكمتهم، كما أكدت ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949. ويمكن للمحاكم أن تعمل بصورة صحيحة إذا كانت أنظمة العدل الوطنية فاعلة ويتعاون أحدها مع الآخر في الشؤون الجنائية.

ورغم اعتماد النظامين الأساسيين للمحكمتين من خلال قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي قرارات ملزمة لجميع الدول، إلَّا أن التعاون القضائي الضروري بين المحكمتين الجنائيتين والسلطات الوطنية يكون ممكنًا فقط إذا ما قامت كل دولة بتعديل قوانينها لإضفاء صفة شرعية على هذا التعاون.

1. العلاقة بين المحكمتين الجنائيتين والسلطات القضائية الوطنية

تقوم هذه العلاقة على ثلاثة مبادئ:

أ. الاختصاص القضائي المشترك

تمتلك المحكمتان والمحاكم الوطنية اختصاصًا قضائيًّا مشتركًا لمحاكمة الأشخاص الذين تشتبه في ارتكابهم جريمة انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي (المادة 9-1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمادة 8-1 من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للضحايا. وكما أوضحنا، لا يمكن إلَّا للمدعي العام البدء بإجراء تحقيق أو محاكمة، ولا يحق للضحايا المطالبة بتعويضات أمام المحكمتين. وعليه، بإمكان الأفراد والمنظمات غير الحكومية تقديم شكاوى أو المطالبة بتعويض، وبإمكان الضحايا الحصول على تعويضات فقط عن الإصابات التي عانوا منها أمام المحاكم المحلية. وفي هذا السياق، يلعب القضاة الوطنيون دورًا مكملًا في ممارسة الاختصاص القضائي الدولي.

ب. أولوية سلطة المحاكم الدولية

رغم الاختصاص القضائي المشترك، يؤكد النظامان الأساسيان بوضوح أن للمحكمتين أولوية في سلطتها على المحاكم الوطنية (المادة 9-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، والمادة 8-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وهذا يعني، أنه يحق للمحكمتين في أي مرحلة من مراحل المداولات القضائية، أن تطلب رسميًّا من المحاكم الوطنية أن تذعن لاختصاص المحكمتين الجنائيتين الدوليتين. وتحدّد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات تفاصيل عمليات الإذعان.

ويعتبر مبدأ الأولوية هذا استثناء في القانون الدولي ولم يتمّ إدخاله إلى النظام الأساسي الجديد للمحكمة الجنائية الدولية.

جـ. عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين

هذا مبدأ قانوني راسخ في القانون الجنائي العام وفي القانون الدولي، لا يجوز بموجبه محاكمة شخص ما مرتين في ذات الوقت عن نفس الجرم (يعرف أيضًا بالحماية من الخطر المزدوج). وهو واحد من الضمانات الرئيسية للإجراءات القانونية الواجبة كما نصّ على ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14-7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية). وينعكس هذا الحق الأساسي في النظام الأساسي للمحكمة (المادة 10 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، المادة 9 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).

وبذلك لا يجوز محاكمة شخص جرت محاكمته أمام إحدى المحاكم الجنائية الدولية مرة أخرى أمام محكمة وطنية عن الجريمة نفسها. وبنفس المبدأ، لا يجوز للمحكمتين إصدار حكم على فعل حوكم عليه شخص ما أمام محكمة وطنية. ولكن هناك استثناءات: يجوز للمحاكم في ما بعد أن تحاكم الشخص إذا كان الفعل يوصف بأنه جريمة اعتيادية [في محكمة محلية، أو إذا كانت مداولات المحاكم الوطنية لا تتسم بالاستقلال أو النزاهة أو وضعت لحماية متهم من المسؤولية الجنائية الدولية، أو إذا لم تتمّ مقاضاة الدعوى بشكل متقن]. (المادة 10-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، المادة 9-2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).

2. الالتزامات الخاصة بالتعاون بين الدول وتقديم المساعدة القضائية المشتركة

تلتزم جميع الدول بالتعاون مع المحكمتين، في جميع مراحل عملية التحقيق مع شخص ومحاكمته (المادة 29 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، المادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا). وتشمل هذه المسؤوليات الالتزام ”دون تأخير لا مبرّر له“ بطلبات تقديم المساعدة في جمع الأدلة، أخذ شهادات الشهود، المشتبه بهم، والخبراء، تحديد هويات ومواقع الأشخاص، وتقديم الوثائق. كما يجب على الدول تنفيذ طلبات الدوائر الابتدائية، مثل أوامر المثول أمام القضاء، ومذكرات الإحضار، وأوامر إلقاء القبض، وأوامر النقل.

وبهدف تسهيل نقل متّهم ما من قبل دولة ما، أنشأت المحكمتان ترتيبًا بين المحكمة الجنائية والدولة المعنية يتجاوز المعوقات القانونية التي تنتج في الغالب من إجراءات تسليم المطلوبين.

وتشمل هذه الالتزامات ضرورة المساهمة في الميزانية، وتوفير الموظفين، وخاصة لاتخاذ الإجراءات القضائية والتشريعية وضمّها إلى القوانين المحلية، كي تتمكن من تنفيذ الأحكام الواردة في النظامين الأساسيين للمحكمتين والقرارات التي تأسّستا بموجبها. ولذلك تعتبر النوايا الحسنة للدول عنصرًا هامًّا في ضمان سلامة عمل المحكمتين. وهذا أمر في غاية الأهمية ما دامت المحكمتان، وعلى العكس من المحاكم المحلية، لا تمتلكان آلية تطبيق تسندهما ولا أحكامًا ملموسة لمعاقبة دولة تفشل في التعاون مع المحكمتين أو لا تجري تعديلًا على تشريعاتها الوطنية لدمج الالتزامات المستمدة من النظامين الأساسيين.

فعلى سبيل المثال، ليس لدى قوة تحقيق الاستقرار التي نشرها حلف الناتو في يوغسلافيا السابقة تفويض قوة شرطة تتحمَّل مسؤولية البحث عن مجرمي الحرب. وبدلًا من ذلك، ينصّ تفويضها على قيام القوات بإلقاء القبض على الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب، إذا ما واجهوهم في سياق أنشطاتهم. ورغم ذلك، يبدو أن عددًا من عمليات القوات الخاصة العسكرية التي شُنت لغرض إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين تشير إلى أن تفسير هذا التفويض يبقى غير واضح.

إبادة جماعية؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ ضمانات قضائية؛ تعاون قضائيّ في المادة الجنائيّة؛ حفظ السلام؛ اغتصاب؛ مسؤولية؛ مجلس الأمن؛ الاختصاص العالمي؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.

خامسًا استراتيجية الإنجاز للمحكمتين الجنائيتين والآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية بعدهما

1. استراتيجية الإنجاز للمحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا السابقة ولرواندا

لا تتمتع المحاكم الجنائية الدولية باختصاص عالمي، وتعتبر ولايتها محدودة زمنيًّا، وطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المحاكم الجنائية باتخاذ جميع التدابير الممكنة لاستكمال تحقيقاتها بحلول نهاية سنة 2004، ولإتمام جميع أنشطة المحاكمات في المحاكم الابتدائية (من الدرجة الأولى) بحلول نهاية سنة 2008، ولإتمام جميع الأعمال في سنة 2010، وفقًا لاستراتيجيتها الخاصة بالإنجاز. ونظرًا لعدم الوفاء بذلكما الموعدين المحددين، قرر مجلس الأمن للأمم المتحدة، بموجب قراره 1966 المؤرخ 22 كانون الأول/ ديسمبر 2010، إنشاء الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين للسماح لهما باستكمال أعمالهما دون أن يتسنى لهما فتح قضايا جديدة.

2. الآليات الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين

تأسست الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين بموجب القرار 1966 (2010) الصادر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنهاء الأعمال التي بدأتها المحكمتان الجنائيتان الدوليتان. وتنقسم الآلية إلى فرعين: آلية المحكمة الجنائية الدولية لرواندا وتشرع في ممارسة أعمالها في 1 تموز/ يولية 2012، وآلية المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة وتبدأ العمل في 1 تموز/ يولية 2013. ويطالب القرار الذي أنشأ الآلية المحكمتين الجنائيتين بإنهاء أعمالهما قبل حلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 2014 وبإغلاق المحكمتين وانتقال القضايا إلى الآليتين. وفي آذار/ مارس 2012، عيَّن مجلس الأمن القاضي حسن بوبكر جالو، المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، مدعيًا عامًّا للآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين وفي هذا القرار (1966)، قرر مجلس الأمن:

  • تواصل الآلية اختصاص كل من محكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا ووظائفهما الأساسية وحقوقهما والتزاماتهما (المادة 4)؛
  • يبدأ سريان القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالآلية وأي تعديلات تُدخل عليها عند اعتمادها من قِبل قضاة الآلية (المادة 6)؛
  • تتعاون جميع الدول تعاونًا كاملًا مع الآلية وأن تتخذ جميع الدول بالتالي ما يلزم من تدابير بموجب قوانينها المحلية لتنفيذ أحكام هذا القرار والنظام الأساسي للآلية (المادة 9)؛
  • تعمل الآلية لفترة مبدئية مدتها أربع سنوات اعتبارًا من تاريخ البدء الأول وأن يستعرض التقدم الذي أحرزته الآلية في أداء عملها، بما في ذلك التقدم الذي تحرزه في إنجاز وظائفها قبل نهاية هذه الفترة الأوَّلية وكل سنتين بعد ذلك، ويقرر كذلك أن تواصل الآلية عملها لفترات لاحقة مدة كل منها سنتان بعد كل استعراض، ما لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك (المادة 17).
  • وقد وُضع النظام الأساسي للآلية بتنظيم وترتيب على أساس النظامين الأساسيين وقواعد الإجراءات وقواعد الإثبات للمحكمتين الجنائيتين.
  • اختصاص الآلية (المادة 1):
  • تواصل الآلية الاختصاص المادي والإقليمي والزمني والشخصي لمحكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا كما هو مبيَّن في المواد من 1 إلى 8 من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا وفي المواد من 1 إلى 7 من النظام الأساسي لمحكمة رواندا وكذلك حقوقهما والتزاماتهما؛
  • للآلية سلطة مقاضاة، وفقًا لأحكام هذا النظام الأساسي، الأشخاص الذين أصدرت محكمة يوغسلافيا أو محكمة رواندا قرار اتهام بشأنهم، بيد أنها ليست لها سلطة إصدار أية لائحة اتهام جديدة ضد أشخاص غير أولئك المشمولين فعلًا بهذه المادة (المادة 1، الفقرات 2-4)؛
  • هيكل الآلية ومقرَّاها (المادة 3): سيكون للآلية دائرة ابتدائية لكل فرع ودائرة استئناف مشتركة. وسيكون المدعي العام مسؤولًا عن الفرعين؛
  • تنظيم الآلية (المادة 4): تتألف الآلية من الأجهزة التالية: (أ) الدوائر التي تضم دائرة ابتدائية لكل فرع من فرعي الآلية، ودائرة استئناف مشتركة لفرعي الآلية كليهما؛ (ب) مدعٍ عام مشترك لفرعي الآلية كليهما؛ (ج) قلم محكمة مشترك لفرعي الآلية كليهما، لتقديم الخدمات الإدارية للآلية، بما في ذلك الدوائر والمدعي العام؛
  • الاختصاص المتزامن (المادة 5): للآلية أسبقية على المحاكم الوطنية استنادًا إلى هذا النظام الأساسي؛
  • إحالة القضايا إلى الاختصاصات القضائية الوطنية (المادة 6): للآلية سلطة إحالة القضايا التي تنطوي على أشخاص ليسوا من بين القيادات العليا المشتبه بكونها مسؤولة جدًّا عن الجرائم المشمولة في النظامين الأساسيين لمحكمتي يوغسلافا ورواندا إلى السلطات الوطنية المختصة، أي سلطات البلد الذي ارتكبت الجريمة في أراضيه أو الذي اعتقل المتهم فيه؛
  •  قائمة القضاة (المادة 8): تكون للآلية قائمة من 25 قاضيًا مستقلًّا، لا يكون أكثر من اثنين منهم من مواطني الدولة نفسها؛
  • انتخاب القضاة (المادة 10): تنتخب الجمعية العامة قضاة الآلية من قائمة يقدمها إليها مجلس الأمن؛
  • الرئيس (المادة 11): يقوم الأمين العام، بعد التشاور مع رئيس مجلس الأمن وقضاة الآلية، بتعيين رئيس متفرغ من بين قضاة الآلية

المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة

✎ International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia

Churchillplein 1

2517JW The Hague, Netherlands

Tel.: (31) 70 416 53 43

Fax: (31) 70 416 53 55

المحكمة الجنائية الدولية لرواندا

✎ International Criminal Tribunal for Rwanda

PO Box 6016

Arusha, Tanzania

Tel. (in New York): (1) 212 963-2850

Fax (in New York): (1) 212 963-2848

@International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia: www.un.org/icty

International Criminal Tribunal for Rwanda: www.un.org/ictr

ولمزيد من المعلومات:

Acquaviva, Guido. “Was a Residual Mechanism for International Criminal Tribunals Really Necessary?” Journal of International Criminal Justice 9, no. 4 (2011): 789–96.

Ashby Wilson, Richard. Writing History in International Criminal Trials. New York: Cambridge University Press, 2011.

Bassiouni, M. Cherif, and Peter Manikas. The Law of the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia. Irvington-on-Hudson, NY: Transnational, 1996.

Beidbeder, Yves. Judging War Criminals: The Politics of International Justice. London: Macmillan, 1999, esp. 146–85.

Boed, Roman. “The International Criminal Tribunal for Rwanda.” In Post Conflict Justice, edited by Cherif Bassiouni, 487–98. Ardsley, NY: Transnational, 2002.

Human Rights Watch. “Genocide, War Crimes and Crimes against Humanity; A Digest of the Case Law of the International Criminal Tribunal for Rwanda.” 2010.

———. “Genocide, War Crimes and Crimes against Humanity; A Topical Digest of the Case Law of the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia.” 2006.

———. “Genocide, War Crimes, and Crimes against Humanity: Topical Digests of the Case Law of the International Criminal Tribunal for Rwanda and the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia.” 2004.

“International Criminal Tribunals.” International Review of the Red Cross 861 (March 2006): 5–215.

Jones, John R. W. D., and Steven Powles. International Criminal Practice. 3rd ed. Ardsley, NY: Transnational, 2003.

Kerr, Rachel. The International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia: An Exercise in Law, Politics, and Diplomacy. Oxford: Oxford University Press, 2004.

Morris, Virginia, and Michael P. Scharf. Insider’s Guide to the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia: A Documentary History and Analysis. Irvington-on-Hudson, NY: Transnational, 1995.

———. The International Criminal Tribunal for Rwanda. Irvington-on-Hudson, NY: Transnational, 1998.

Quéguiner, Jean-François. “Ten Years after the Creation of the International Criminal Tribunal for Former Yugoslavia: Evaluation of the Impact of Its Jurisprudence on International Humanitarian Law.” International Review of the Red Cross 850 (June 2003): 271–311.

Wagner, Natalie. “The Development of the Grave Breaches Regime and of Individual Criminal Responsibility by the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia.” International Review of the Red Cross 850 (June 2003): 351–85.