القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان

أولًا الاختصاص

يوجد مقرّ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، وهي مسؤولة أساسًا عن كفالة مراعاة حقوق الإنسان وإعطاء حكمها في انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950 (الموادّ 32، 33 و34 من قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)، والتي يدّعى أن دولة عضوًا في مجلس أوروبا ارتكبتها.

وأسندت هذه المهمة أولاً إلى هيئتين هما: المفوضية الأوروبية ومحكمة حقوق الإنسان. وبعد ذلك، في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، دخل البروتوكول 11 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حيز النفاذ، وبهذا عدل النص الصادر سنة 1950 وأدخل إصلاحات على كامل النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان. وقد استعيض عن النظام الأصلي الثنائي المستوى بمحكمة واحدة دائمة لحقوق الإنسان، ولها سلطة اختصاص على جميع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا. وتتلقى المحكمة شكاوى خاصة بوقائع انتهاكات لحقوق الإنسان من كيان الدول وغير الدول (سواء كان هذا من أشخاص أو منظمات غير حكومية أو من مجموعات من الأفراد).

وفي أيار/مايو 2004، اعتمدت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا البروتوكول 14 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومن ثم الشروع في إجراء إصلاح ثان للمحكمة. ودخل هذا البروتوكول حيز النفاذ في 1 حزيران/يونيه 2010.

ومن الناحية الرسمية، كان القصد من هذين الإصلاحين المتتاليين استتباب وتعزيز كفاءة النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان ومساعدة المحكمة على مواجهة زيادة كبيرة في أعبائها من القضايا وتزايد عدد أعضاء مجلس أوروبا. وكان الغرض من الإصلاح الثاني، على وجه الخصوص، تبسيط عملية فحص الالتماسات الفردية وتيسير دراسة حيثيات هذه الشكاوى.

وبالإضافة إلى اختصاصها في التعامل في قضايا التفاقم، تتولى المحكمة مهام استشارية (المادتان 32 و47 من قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان). وبناءً على طلب اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا، يجوز لها الإفتاء بإبداء وجهات نظرها بشأن تفسير الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها.

ثانيًا:- تشكيل المحكمة

تضمّ المحكمة في عضويتها عددًا من القضاة بقدر عدد الدول الأطراف في الاتّفاقيّة (وحتى نيسان/أبريل 2013، كانت 47 دولة عضواً في مجلس أوروبا قد وقَّعت وصدَّقت على الاتفاقية). ويتمّ انتخاب هؤلاء القضاة من قبل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من بين قائمة تشتمل على أسماء ثلاثة أشخاص ترشحهم كل دولة من الدول الأعضاء.

ويكون القضاة من الأشخاص المستقلين (أي أنهم أعضاء في المحكمة بصفتهم الشخصية ولا يمثلون أي دولة)، ومنذ دخول البروتوكول 14 حيز النفاذ فإنهم يشغلون مناصبهم لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد. ويقوم هؤلاء بانتخاب رئيس للمحكمة ونائبين للرئيس (يكونان أيضًا رئيسَي قسم)، وأمين سجل، ونائبين لأمين السجل. ويتولى القضاة وضع مسودة النظام الداخلي للمحكمة . وقد تمّ إقرار مجموعة جديدة من القواعد بعد إصلاح نظام حماية حقوق الإنسان. وقد اعتمد أحدث نظام داخلي في نيسان/أبريل 2012، ودخل حيز النفاذ في أيلول/سبتمبر 2012.

الخصائص الأساسية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

  • جميع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا تخضع بشكل تلقائي وإلزامي لسلطة اختصاص المحكمة.
  • ويجوز لأي دولة عضو في مجلس أوروبا تقديم دعوى أمام المحكمة، إذا زعمت أن هناك دولة أخرى من الأعضاء تخرق الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان (الطلبات التي قدمتها الدول حسب ما ورد في المادة 33 من الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان). وعلى أية حال، من النادر جدًا أن تتقدم دولة عضو بادعاءات ضدّ دولة أخرى. ومنذ إنشاء المحكمة، قُدِمت 16 دعوى بالمقارنة بما يزيد على مئات الآلاف قدمها أفراد. وتحدث القضايا المقدمة من دول غالباً في السياق الأعم للنزاعات، مثل قضية آيرلندا ضد المملكة المتحدة وقضية قبرص ضد تركيا في السبعينات والتسعينات أو القضايا الثلاث منذ سنة 2007 قدمتها جورجيا ضد روسيا.
  • وتجوز إحالة الشكاوى أيضًا إلى المحكمة من قبل أي أشخاص (مواطنو دولة طرف في الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان، لاجئون، عديمو الجنسية، ومن القصّر الذين لا يتمكنون من القيام بذلك محليًا بسبب القوانين الوطنية)، أو المنظمات غير الحكومية، أو مجموعات من الأفراد الذين يزعمون بأنهم ضحايا لانتهاك الحقوق التي تدافع عنها الاتّفاقيّة الأوروبية (شكاوى الأفراد، حسبما ورد ذكرها في المادة 34 من الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان).
  • والدول الأعضاء في مجلس أوروبا ملزمة بعدم القيام بأي شكل بإعاقة الممارسة الفعالة لحق الأفراد بشأن تقديم طلبات (المادة 34).
  • ويجوز لمقدمي الطلبات من الأفراد تقديم شكاواهم بأنفسهم، باستخدام نموذج متوفر لدى أمانة قلم المحكمة. وعلى أية حال، عند تقديم الطلب، يوصى هؤلاء باللجوء إلى التمثيل القانوني. وقد أنشأت المحكمة نظامًا للمساعدة القانونية لمقدمي شكاوى الذين لا تتوفّر لديهم موارد كافية لدفع أتعاب التمثيل.
  • وتخضع الطلبات الفردية لشروط القبول التي تفسّر دومًا لصالح الضحية. وهكذا فإن المعيار المتعلق بطرق الانتصاف المحلية والتي تمّ استنفادها يمكن رفضه من قبل المحكمة لأسباب عديدة: عندما يصبح من غير الممكن - من الناحية العملية - اللجوء إلى المحاكم إذا لم يكن هناك تأخير غير مٌبرَّر في الإجراءات الوطنية؛ أو إذا قامت الدولة وحدها بمباشرة تلك الإجراءات فور إحالة الدعوى إلى المحكمة، في محاولة لتفادي الخضوع لسلطة اختصاصها.

وتتكوّن المحكمة من أربعة أقسام ودائرة كبرى. ويكون تشكيل كل قسم ثابتاً لمدة ثلاث سنوات ويستند إلى معايير التمثيل العادل بحيث تكون متوازنة من الناحية الجغرافية ووفقًا للجنس، وتأخذ في الاعتبار الأنظمة القانونية المختلفة للدول الأعضاء في مجلس أوروبا. وضمن كل قسم، يتمّ تشكيل لجان تتكوّن كل منها من ثلاثة قضاة (لفترات مدة كل منها اثنا عشر شهرًا) والدوائر تتكون من سبعة أعضاء بالتناوب.

وتتشكل الدائرة الكبرى من سبعة عشر قاضيًا يتمّ اختيارهم لمدة ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى الأعضاء بحكم الوظيفة (رئيس المحكمة، نائبا الرئيس، ورئيسا القسمين الآخرين)، تتكوّن الدائرة الكبرى من قضاة من مجموعتين يتناوبون المنصب كل تسعة شهور. ومرة أخرى، يكفل تشكيل هذه المجموعات التمثيل العادل من حيث المنطقة الجغرافية والجنس والنظام القانوني داخل الدول الأعضاء في مجلس أوروبا.

وتكون الدائرة الكبرى مسؤولة عن فحص طلبات الرأي والمشورة بشأن مسائل تفسير الاتّفاقيّة الأوروبية. ويمكنها التدخل، بشكل استثنائي، في تسوية القضايا المثيرة للنزاع.

ثالثًا الحالات المثيرة للنزاع

1 معايير القبول

الطلبات المقدمة من الدول الأعضاء لا تخضع لمعايير القبول. والطلبات المقدمة من الأفراد يجب أن تفي بالعديد من المعايير الخاصة بالقبول (المادة 35 من قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان).

وبالإضافة إلى استنفاد جميع طرق الانتصاف القانونية المحلية أولاً، يجب ألا تكون الطلبات مقدمة من مجهول، ولا يجب أن تكون غير متوافقة مع أحكام الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان بأي شكل، ولا يجب أن تكون مبنية على أسس غير سليمة أو تشكل إساءة استخدام لحق تقديم الطلبات. وكذلك لا يجب أن يكون الطلب في مضمونه مماثلاً لطلب آخر تمّ النظر فيه سابقًا من قبل المحكمة أو تمّ تقديمه إلى هيئة تقصي دولية أخرى أو هيئة دولية لحلّ النزاعات، ما لم يكن متضمّنًا لمعلومات جديدة.

وقد أضاف البروتوكول 14 معياراً جديداً للقبول ووفقًاً له يجوز للمحكمة أن تعتبر طلباً فردياً غير مقبول، حيث يكون مقدم الطلب لم يحدث أن تعرض لضرر جسيم، ما لم يتطلب احترام حقوق الإنسان على النحو المحدد في الاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها فحص الطلب استناداً إلى أسسه الموضوعية، وإذا لم تنظر في الدعوى على النحو الواجب محكمة محلية (المادة 12 من البروتوكول 14). وقد تعرض هذا المعيار الجديد الخاص بالقبول للنقد من منظمات حقوق الإنسان ومن عدة دول أعضاء ومن الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التي تعتبره غير واضح المعالم ويعرِّض للخطر الحق في تقديم طلب فردي. ومن الناحية العملية، يتوقف الأمر على تفسير القضاة لهذه الأحكام الجديدة. وقد أكدت الأحكام الفقهية للمحكمة السلطة التقديرية للقضاة في هذا المجال، حيث تقر على سبيل المثال، أن معيار استنفاد طرق الانتصاف المحلية ليس مطلوباً سوى في حالات حيث تكون طرق الانتصاف متاحة بالفعل ويمكن الوثوق بها.

وتقوم لجنة من ثلاثة قضاة أو دائرة من سبعة قضاة باتّخاذ قرار بشأن قبول القضية. وإذا كانت اللجنة مكونة من ثلاثة قضاة، وأعلنت عن قبول الطلب، عندها تحوّل الطلب إلى دائرة. ومنذ دخول البروتوكول 14 حيز النفاذ، صار من الممكن لقاضي وحيد أن يبت في الطلبات الفردية (لكن قد لا يفحص القاضي أي طلب ضد الدولة التي جرى بشأنها انتخابه فالقاضي الوحيد سيعلن أن الطلب غير مقبول أو أن يحيله إلى لجنة أو إلى دائرة لمواصلة بحث الطلب.

ويجوز للدائرة التنازل عن اختصاصها لصالح الدائرة الكبرى إذا كانت القضية تثير مسألة خطيرة تؤثر على تفسير الاتّفاقيّة، أو إذا كانت تسوية أي مسألة أمام الدائرة سيترتّب عليها نتائج تتعارض مع حكم سبق للمحكمة أن أصدرته (المادة 30 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان). ويجوز لأطراف القضية الراغبين في الاعتراض على هذا التنازل القيام بذلك، خلال شهر من الإخطار بشأن النية في التنازل.

2 الإجراءات ذات الصلة بالوقائع

الإجراء الخاص بفحص الطلبات المقدمة من الأفراد والدول، والذي تقوم به المحكمة وممثلو الأطراف يكونمتضارباًوعلنيًا. ويجوز للدائرة أو الدائرة الكبرى اتّخاذ قرار بشأن الشروع في إجراء تحقيق. وهنا فإن جميع الدول المعنية مطالبة بالتعاون في ذلك التحقيق (المادة 38 - 1أ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان).

وطيلة مراحل الإجراءات المتعلقة بالوقائع، يمكن لأمين السجل إجراء مفاوضات سرية بهدف التوصّل إلى حلّ ودي للنزاع. ومنذ أن دخل البروتوكول 14 حيز النفاذ، سوف تبت لجنة من ثلاثة قضاة في الأسس الموضوعية للطلب المقدم (وحتى الآن فإن الدائرة والدائرة الكبرى هما اللتان لهما مثل هذا الاختصاص). ومع ذلك فإن اللجنة سيكون لها الاختصاص فقط عندما تكون المسألة الأصلية هي موضوع الحكم الراسخ الصادر من المحكمة.

ويكون قرار المحكمة نهائيًا وملزمًا للدول المعنية (المادة 46). وقد يشمل القرار الحكم بدفع تعويضات إلى الضحية (المادة 41). وتكون اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا مسؤولة عن مراقبة تنفيذ الأحكام. ويجب على الدولة التي يتبيّن أنها مخالفة للاتفاقيّة أن تتخذ إجراءات ملائمة لتصحيح المخالفة ولكنها لا تكون ملزمة تلقائياً بتعديل قوانينها أو ممارستها. ومع ذلك، ففي هذه الحالات ستقوم الدول أحياناً بتعديل تشريعاتها أو لوائحها أو ممارستها لتجنب مواصلة إصدار الأحكام. وفي هذه الحالات، تقوم الدول عادة في مثل هذه الحالات بتعديل تشريعاتها لتفادي مقاضاتها مرة أخرى.

وإذا كانت القضية تثير تساؤلات خطيرة بشأن تفسير أو تطبيق بالاتّفاقيّة أو بروتوكولاتها أو مسائل أخرى خطيرة عامة، يجوز لأي من أطراف النزاع أن يطلب إحالة القضية إلى الدائرة الكبرى خلال ثلاثة شهور من تاريخ صدور الحكم الابتدائي (المادة 43). وتقوم هيئة الدائرة الكبرى المكونة من خمسة قضاة بدراسة مسألة قبول الطلب واتّخاذ قرار بذلك الخصوص.

السوابق القضائية

رغم أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنشئت لكفالة احترام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، نصبت نفسها مختصة بتلقي الطلبات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في حالات النزاع المسلح والاحتلال العسكري.

ومن ثم أصدرت أحكاماً في حالات بشأن الحرب في أيرلندا الشمالية وقبرص والشيشان وتشريعات تركيا المناهضة للإرهاب والتشريعات والممارسات المناهضة للإرهاب بعد الهجمات الإرهابية سنة 2001 في نيويورك (الولايات المتحدة). كما أنها أصدرت مؤخراً حكمها بشأن شروط التدخل العسكري من جانب المملكة المتحدة في العراق في سنة 2003، كجزء من القوة المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة. وتعالج الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عدداً معيناً من النقاط القانونية موضوع المناقشات الدولية.

وتدرك المحكمة التطبيق الفوري والتكميلي في حالات تنازع قواعد ناشئة من القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وهي تصف بالتحديد أن تطبيق قانون حقوق الإنسان مقيد في حالات النزاع فحسب باستثناءات رسمية تنفذها الدول وفقاً لإجراءات قانونية وتحت إشراف المحكمة. وفي الواقع، تفحص المحكمة كلاً من الضرورة والتناسبية بين التقييدات لحقوق الإنسان والأخطار التي تهدد الأمن القومي الذي تتذرع به الدول لتبرير حالات عدم التقييد بالاتفاقية الأوروبية.

وتؤكد المحكمة أيضاً التطبيق خارج الإقليم للالتزامات الخاصة بحقوق الإنسان في حالات حيث تمارس الدولة رقابة محكمة فعلية على شخص أجنبي و/أو أرض أجنبية. وتتخذ المحكمة موقفاً خاصاً بشأن التطبيق الفوري والدور التكميلي لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.وعلى النقيض من أولئك الذين يظنون أن القانون الدولي الإنساني ينبغي أن تكون له الأسبقية على حقوق الإنسان في حالات النزاع لأنه أكثر دقة في مثل هذه الحالات (قاعدة التخصيص)، تتخذ المحكمة موقفاً آخر. فهي تعطي أسبقية للالتزامات ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني عندما تتيح هذه مزيداً من الحماية للأفراد (وتعتبر ملزمة للدول بدرجة أكبر) وفي الحالات حيث لا تكون في تناقض مباشر مع التزام مخالف يتوخاه القانون الدولي الإنساني. وقد تخلق هذه الأحكام القضائية بعض البلبلة، نظراً لأن مضمون وتفسير القواعد ذات الصلة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني مستندان إلى أفكار ليست دائماً متكافئة، مثل الحق في الحياة. ومع ذلك، فهي تساعد على منع تطبيق انتهازي للقانون الأقل إلزاماً وإصراراً من جانب الدول في حالات الأزمة والنزاع.

وفي قضية اكسوي ضد تركيا (الطلب رقم 21987/39، حكم الدائرة)، 18 كانون الأول/ديسمبر 1996)، باشرت المحكمة القضية وفحصت حالات عدم التقيد بحقوق الإنسان التي تستطيع أية دولة أن ترتكبها لأسباب تتعلق بالنظام العام، وخصوصاً باسم مكافحة الإرهاب داخل أراضيها، ونصت كذلك على الالتزام بالمنع والتحقيق بشأن سوء معاملة وتعذيب أشخاص محتجزين داخل هذا الإطار القانوني الاستثنائي.

وأقرت المحكمة أن الأمر متروك لكل دولة متعاقدة في حدود مسؤوليتها عن الحياة لأمتها أن تحدد ما إذا كانت الحياة لديها معرضة للخطر من حدوث ’طارئ عام‘ وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدى من الضروري الانطلاق في محاولة للتغلب على الظرف الطارئ. ورغم ذلك، أشارت المحكمة إلى أن الأطراف المتعاقدة لا تتمتع بحرية تقدير غير محدودة، والأمر متروك للمحكمة للبت فيما إذا كانت الدول قد تجاوزت ”الحد المطلوب بشكل صارم بسبب الضرورات الخاصة“ بالأزمة (..) الفقرة 68).

وارتأت المحكمة أيضاً أنه ”حيثما تم اقتياد فرد إلى الحجز لدى الشرطة وهو في صحة جيدة، لكنه يوجد عند إطلاق صراحه مصاباً بجروح وقت إطلاق سراحه، يكون لزاماً على الدولة أن تقدم توضيحاً معقولاً لسبب الإصابة، وإلا يفترض أنه تعرض للتعذيب (الفقرة 61).

وفيما يتعلق بالالتزام باستنفاد طرق الانتصاف المحلية كشرط لقبول طلب مقدم من الأفراد، أشارت المحكمة أيضاً إلى أنها تحتفظ في هذا المجال بسلطات تقديرية في تفسير فعالية طرق الانتصاف نظراً ”لأنه لا يوجد التزام باللجوء إلى طرق الانتصاف التي تعتبر غير كافية وغير فعالة“ (الفقرة 52).

وفي قضية إرغي ضد تركيا (طلب رقم 23818/94، قرار المحكمة الصادر في 28 تموز/يوليه 1998)، ارتأت المحكمة أن مسؤولية الدولة في حماية الحق في الحياة لا تقتصر على الظروف عندما يوجد دليل هام في أن نيراناً وجِّهت بالخطأ من عاملين بالدولة قتلا شخصاً مدنياً. ويمكن أن تنشغل المحكمة بهذا أيضاً حيث تخفق الدول في اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل وأساليب عملية أمنية توجه ضد جماعة معارضة بهدف تجنب والتقليل إلى أدنى حد من وقوع خسائر عارضة بين الأحياء المدنيين (الفقرة 79). وفي ضوء فشل السلطات لدى الدولة المدعى عليها في إيراد حجة مباشرة بشأن تخطيط وارتكاب عملية كمين للخصم، وجدت المحكمة أنه يمكن الاستدلال منطقياً أنه لم تتخذ احتياطات كافية لحماية أرواح السكان المدنيين (الفقرة 81). وعلى النقيض مما أكدته الحكومة (تركيا –ندلر ndlr)، لا يقتصر هذا الالتزام على القضايا حيث ثبت أن القتل كان سببه عامل تابع للدولة. وفي القضية موضوع النظر، مجرد العلم بالقتل من جانب السلطات يثير فعل الواقع إلزاماً بموجب المادة 2 من الاتفاقية لإجراء تحقيق فعال في الظروف المحيطة بالوفاة (الفقرة 82).

وفي حكمين اثنين صادرين في 24 شباط/فبراير 2005، ارتأت المحكمة قبول طلبات تقدّم بها ضحايا جرائم ارتكبها الجيش الروسي في الشيشان.

قضية ايساييفا ويوسوبوفا و باسييفا ضد روسيا، طلبات 57947/00 و 57948/00 و57949/00، قرار المحكمة (24 شباط/فبراير 2005، في هذا الحكم قررت المحكمة أن روسيا قد انتهكت المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (الحق في الحياة) والمادة 1 من (البروتوكول الأول) حماية الممتلكات (فيما يخص أحد الطلبات والمادة 13 (الحق في سبيل انتصاف فعال).

قضية خاشييف وأكاييفا ضد روسيا، الطلبان رقما 57942/00 و57945/00. قرار المحكمة (24 شباط/فبراير 2005، في هذا الحكم، قررت المحكمة أن روسيا انتهكت المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة 3 من الاتفاقية (حظر التعذيب) (والمادة 13).

قضية شاماييف وآخرين ضد جورجيا وروسيا، الطلب 363778/02، قرار المحكمة (12 نيسان/أبريل 2005). في هذا القرار، رأت المحكمة أن جورجيا قد انتهكت مختلف مواد الاتفاقية فيما يتعلق بعدد من مقدمي الطلبات، وكذلك انتهاك التزاماتها العامة المتأصلة في الاتفاقية. ووجدت أيضاً أن روسيا انتهكت بعضاً من التزاماتها بموجب الاتفاقية.

وفي قضيتي السكيني وهلال الجدّا، رأت المحكمة أن التزامات القوات المسلحة البريطانية خارج إقليم الدولة استلزمت التدخل الدولي في العراق فيما يخص تطبيق الاتفاقية، وخصوصاً باعتبارها دولة احتلال، بل أيضاً فيما يخص احتجاز أشخاص.

وفي قضية السكيني وآخرين ضد المملكة المتحدة (طلب رقم 55721/07، الحكم ((الدائرة الكبرى)، 7 تموز/يوليه 2011)، رأت المحكمة أنه بعد إزالة نظام البعث من الحكم، تولت المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة ممارسة بعض الصلاحيات العامة، التي عادة تمارسها حكومة ذات سيادة في العراق لحين تعيين حكومة عراقية مؤقتة.وبالتالي، وفقاً لما ذكرته المحكمة، ظلت الحكومة البريطانية ملزمة باحترام الاتفاقية الأوروبية في جميع أفعالها في العراق وفيما يخص الشعب العراقي الخاضع لسيطرتها.

وذكرت المحكمة على وجه التحديد أن أي دولة متعاقدة في الاتفاقية الأوروبية ملزمة بتطبيق الاتفاقية حتى خارج نطاق أراضيها الوطنية، وملزمة إزاء الرعايا الأجانب عندما تمارس، عن طريق العاملين التابعين لها سيطرة أو سلطة على شخص أجنبي، وكلما تُمارس، نتيجة عمل عسكري مشروع أو غير مشروع، سيطرة فعالة على منطقة خارج أراضيها الوطنية (الفقرات 131-140).

واعترفت المحكمة باستثناءين لمبدأ الإقليمية في تطبيق الاتفاقية الأوروبية. أولاً، أشارت المحكمة إلى أن الدولة المسيطرة عليها مسؤولية التأمين، داخل المنطقة الخاضعة لسيطرتها، لكامل نطاق الحقوق الموضوعية المبيَّنة في الاتفاقية وتلك المنصوص عليها في البروتوكولات التي صدَّقت عليها. وفي تحديد ما إذا كانت السيطرة الفعلية قائمة، ستضع المحكمة أساساً إشارة لقوة الوجود العسكري للدولة في المنطقة وقدرتها على التأثير أو إخضاع الإدارات أو السلطات المحلية في هذه المنطقة (الفقرات 131-140).

وأكدت المحكمة أن هناك “ممارسة للاختصاص خارج النطاق الإقليمي تقوم بها دولة متعاقدة، عندما تمارس، من خلال موافقة حكومة ذلك الإقليم أو بدعوة منها أو خضوعها، جميع أو بعض الصلاحيات العامة التي تمارسها عادة تلك الحكومة (الفقرة 135).

وأضافت كذلك أن “الاستثناء الآخر لذلك المبدأ أن الاختصاص القضائي بموجب المادة 1 يقتصر على ذات إقليم الدولة، يحدث عندما تمارس دولة متعاقدة، نتيجة عمل عسكري مشروع أو غير مشروع، سيطرة فعلية على منطقة خارج ذلك الإقليم الوطني. ويستمر الالتزام بتأمين الحقوق والحريات المبيَّنة في الاتفاقية في ربوع هذه المنطقة، من حقيقة هذه السيطرة، ما إذا كانت تمارس بشكل مباشر عن طريق القوات المسلحة التابعة للدولة المتعاقدة أو عن طريق إدارة محلية تابعة (...). وإزاء استمرار بقاء الإدارة المحلية نتيجة للدعم العسكري وغيره من أنواع الدعم من الدولة المتعاقدة فإن هذا يستلزم مسؤولية تلك الدولة عن سياساتها وأعمالها. وعلى الدولة المتحكمة المسؤولية بموجب المادة 1 لتأمين كامل نطاق الحقوق الموضوعية المبيَّنة في الاتفاقية وتلك البروتوكولات الإضافية التي صدَّقت عليها، وذلك في المنطقة الواقعة تحت سيطرتها. وستكون مسؤولة عن أية انتهاكات لتلك الحقوق” (الفقرة 138). وهكذا أشارت المحكمة إلى القرار الذي اتخذته في حكمها الصادر في 10 أيار/مايو 2001 في قضية قبرص ضد تركيا (الفقرة 77).

وأوضحت المحكمة أن استخدام القوة في ظروف معيَّنة من قِبل تابعين لدولة ما يعملون خارج أراضيها قد يجعل الفرد الخاضع لسيطرة سلطات الدولة يخضع للاختصاص القضائي للدولة بموجب المادة 1. وقد طُبق هذا المبدأ حيث يساق الفرد إلى مكان الحجز التابع للعاملين التابعين لتلك الدولة في الخارج) كلما تمارس الدولة، من خلال عامليها، سيطرة وسلطة على الفرد وتمارس بالتالي الاختصاص، تكون الدولة خاضعة للالتزام (...) بأن تضمن لذلك الفرد الحقوق والحريات بمقتضى (...) الاتفاقية التي تعتبر ذات صلة بحالة ذلك الفرد“الفقرتان 136 و 137).

ووفقاً للمحكمة، المسألة تعتبر ذات صلة بالواقع إذا كان دولة متعاقدة تمارس سيطرة كاملة على منطقة خارج أراضيها. وفي تحديد ما إذا كانت السيطرة الفعلية قائمة، سترجع المحكمة أساساً إلى قوة الوجود العسكري للدولة في المنطقة (...). وقد تكون مؤشرات أخرى أيضاً ذات صلة، مثل مدى ما يوفره دعمها العسكري والاقتصادي والسياسي للإدارة التابعة المحلية من تأثير وسيطرة على المنطقة“ (الفقرة 139).

وفي قضية هلال الجدّا ضد المملكة المتحدة (طلب رقم 27021/08) الحكم، (الدائرة الكبرى)، 7 تموز/يوليه 2011)، أكدت المحكمة التزام الحكومة البريطانية بتطبيق الاتفاقية الأوروبية خارج نطاق الإقليم في أنشطتها العسكرية في العراق بوصفها دولة احتلال، وفي ضوء احتجازها أشخاصاً في هذا الإقليم.

وقد أصدرت المحكمة تفسيراً مثيراً للاهتمام لمبدأ أولوية القانون الخاص. وفي الواقع، هي ترى أن قواعد الاتفاقية الأوروبية ما زالت تطبق في حالات النزاع شريطة أنها لا تكون متناقضة بشكل مباشر مع تلك القواعد في القانون الدولي الإنساني. وبالتالي، تولي المحكمة أسبقية للقواعد الأكثر حماية في الاتفاقية الأوروبية على الأحكام الأخرى المتساهلة النابعة من قانون النزاعات المسلحة وأسبقية لولايات القوات الدولية بموجب قرارات الأمم المتحدة التي تسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أفراد (الفقرات 105 و 107 و109).

والمحكمة لا تعتبر أن اللغة المستخدمة في هذا القرار (1546) تدل دون مواربة على أن مجلس الأمن قصد أن يضع الدول الأعضاء داخل القوة المتعددة الجنسيات تحت التزام باستخدام تدابير الاعتقال غير المحددة الأجل دون تغيير ودون ضمانات قضائية، انتهاكاً لتعهداتها بموجب الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بما فيها الاتفاقية“ (الفقرة 105). ورغم أن قرار مجلس الأمن 1546 أذن للقوة المتعددة الجنسيات باتخاذ جميع التدابير الضرورية للمساعدة على استتباب الأمن والاستقرار في العراق. في غياب بند واضح يشير إلى النقيض، لا بد أن يكون الافتراض أن مجلس الأمن قصد الدول داخل القوة المتعددة الجنسيات للمساهمة في استتباب الأمن في العراق مع التقيُّد بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان”(الفقرة 105). إلى جانب ذلك، ترى المحكمة “أنه يظهر من أحكام اتفاقية جنيف الرابعة أن الاعتقال بموجب القانون الدولي الإنساني يجب أن يُنظر إليه ليس كالتزام على دولة الاحتلال بل كتدبير الملاذ الأخير” (الفقرة 107). ونتيجة لذلك، ما زالت المملكة المتحدة مرتبطة بالتزاماتها فيما يتعلق بالمادة 5 من الاتفاقية الأوروبية.”وفي غياب التزام مُلزم باستخدام الاعتقال، ليس هناك تضارب بين التزامات المملكة المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة والتزاماتها بموجب المادة 5، الفقرة 1 من الاتفاقية”، (الفقرة 109).

حقوق الإنسان؛ لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ أراضٍ محتلّة ؛تعذيب؛ تعويض.

قائمة تضمّ الدول الأطراف في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان (رقم 10).

للاتصال:

European Court of Human Rights

Council of Europe

67075 Strasbourg Cedex, France

Tel.: (33-3) 88 41 20 18

Fax: (33-3) 88 41 27 30.

@ European Court of Human Rights: http://www.echr.coe.int/echr

لمزيد من المعلومات:

Costa, Jean-Paul and O’Boyle, Michael, « The European Court of Human Rights and International Humanitarian Law » in La Convention européenne des droits de l’homme, un instrument vivant: Mélanges en l’honneur de Christos L. Rozakis, Bruxelles: Bruylant,2011.

Doswald-Beck, Louise, Human Rights in Times of Conflict and Terrorism, Oxford: Oxford University Press, 2011, 600p.

Hampson, Françoise. “Relationship between IHL and HR from the perspective of a human rights treaty body”. International Review of the Red Cross 871 (2008): 549-572

Heintze, Hans-Joachim. “The European Court of Human Rights and the Implementation of human rights standards during armed conflicts”. German Yearbook of International Law 45 (2003): 60-81.

Milanovic, Marko. Extraterritorial Application of Human Rights Treaties: Law, Principles and Policy. Oxford Monographs in International Law, Oxford, 2011, 304p.

Pejic, Jelena. “The European Court of Human Rights’ Al-Jedda judgment: the oversight of international humanitarian law”. International Review of the Red Cross 883 (September 2011): 837-851

Sassòli, Marco. “The European Court of Human Rights and armed conflicts” in Stephan Breitenmoser et al. (eds.). HumanRights, Democracy and the Rule of Law: Liber Amicorum Luzius Wildhaber, Dike, Zurich, 2007, pp.724-5

Wildhaber, Luzius. “European Court of Human Rights”. The Canadian Yearbook of International Law 40 (2003): 309-322.

Article également référencé dans les 3 catégories suivantes :