القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

القانون الدوليّ العرفيّ

يعكسالقانون الدولي العرفي قيامدولببعضالممارساتالقانونيةبشكلمتكررحتىأصبحتهذهالممارساتمقبولةدوليًّا (الاعتقادبإلزاميةالممارسةوضرورتها)، وهو معرّف من قِبَل محكمة العدل الدولية بأنه ”هو القانون المقبول للممارسات العامة“ (المادة 38-1 من نظام المحكمة الأساسي)، ويعتبر من أقدم المصادر للقانون الدولي إلى جانب القانون المدون في الاتفاقيات الدولية. وعلى الساحة الدولية، تضع الدول معايير قانونية من خلال التعبير عن إرادتها من خلال الاتّفاقيات الدولية،ويشار إليهاعلى أنها قانون اتفاقي، بل أيضًا من خلال تصرفها، علمًا بأن القانون المكتوب يشكل جزءًا بسيطًا من القانون الدولي.واتباع تصرف معيَّن والممارسات المتبعة بطريقة متكررة ومتناسقة من الدول، ومقبولة ومعترف بها من قِبَل الدول على أساس أنها شرعية ونافعة؛ تخلق سوابق قانونية، وتكتسب السلطة القانونية للقانون العرفي. وبالتالي، فإن عدم احترام تلك الأعراف يشكل مخالفة للقانون. وهذا الانتهاك لا يزيل مع ذلك الطابع العرفي للقاعدة. ولهذا يمثل القانون الاتفاقي التقليدي المكتوب جزءًاصغيرًا من القانون الدولي. ويعالج القانون العرفي حالات وقضايا لا ينص عليها بالتحديد في قانون المعاهدات، ويتناول مشاكل التفسير المتضارب. ويؤدي القانون العرفي دورًا هامًّا في قانون النزاعات المسلحة والعمل الإنساني لأنه يدون التفاعلات والمواجهات بين الدول من ناحية والجهات الفاعلة غير الدول من ناحية أخرى.

أولًا القانون العرفي قانون ممارسة

ينبع القانون الدولي العرفي من معايير سلوكية معترف بها ومقبولة بصفتها شرعية ونافعة. وهذا السلوك يشكل السوابق التي يمكن التذرُّع بها لإثبات ذلك القانون. وعلى العكس، قد تؤدي التصرفات المتكررة التي تنتهك القانون إلى إضعاف تأثير القانون الدولي إذا لم يتمّ إدانتها بشكل علنيّ.

وفي ساحة العمل الإنساني قد يؤدي تصرف الجهات الفاعلة من الدول وبدرجة متزايدة كذلك من الجهات الفاعلة غير التابعة للدول، إما إلى إضعاف أو تعزيز مبادئ القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية. وهنا تترتّب على جهات العمل الإنساني مسؤولية الدفاع عن الأعراف الإنسانية من خلال أفعالها وإدانة أي إخفاق في احترامها.

والقانون الدولي العرفي يسبق غالبًا القانون المكتوب وقد يتم لاحقًا تدوينه إلى قانون مكتوب على شكل اتفاقيّة أو قرار رسمي من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو بواسطة لجنة القانون الدولي. ويظلّ هذا النهج متباينًا مع تقاليد القانون المدوَّن الذي تتبعه معظم الأنظمة القضائية المستندة إلى القانون الروماني، ويضفي أهمية كبرى على السلوك الذي تتبعه كل جهة فاعلة على الصعيد الدولي. والقانون العرفي، بوصفه قانون ممارسة يأخذ في الاعتبار فكرة الجهة الفاعلة التابعة لغير الدول في حالات النزاع. ويسد هذا القانون جزئيًّا الفراغ القانوني الذي يخلقه عدم التماثل بين الدول، التي هي جهات فاعلة للقانون الدولي الاتفاقي والجماعات المسلحة من غير الدول التي هي أطراف في النزاعات، لكنها ليست من الأطراف الموقِّعة على الاتفاقيات الدولية.

ويلعب القانون العرفي أيضًا دورًا هامًّا في سدّ الفراغات التي لم يتناولها القانون المكتوب، سواء بسبب عدم وجودها أو لعدم إمكانية تطبيقها - مثلًا، نظرًا للإجراءات المعقدة بشأن التوقيع والتصديق وربّما وضع تحفظات على اتفاقيّة دولية. وفي الحقيقة، هو المصدر الثاني للقانون الذي تشير إليه محكمة العدل الدولية في صياغة قراراتها (المادة 38-1 من النظام الأساسيلمحكمة العدل الدولية).

هرميّةالقواعد؛ محكمة العدل الدولية.

وفي القانون الدولي الإنساني،منالأهمية خصوصًاتفادي القضايا التي يترك بموجبها شخص ما بدون حماية أو مساعدة. وهذا قد يحدث إذا لم تتضمّن الاتّفاقيّة المعنية أحكامًا تتناول وضعًا يتعرّض له شخص أو أنها غير سارية في الدولة المعنية. وتؤكد اتفاقيات جنيف 1949 على حقيقة أن الأشخاص والحالات التي لا تشملها الاتّفاقيات يظلّ هؤلاء وتلك بالرغم من ذلك مشمولين بموجب القانون العرفي الدولي. وهذا المبدأ موجود في جميع الاتّفاقيات الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول. وهناك شرط يعرف باسم “شرط مارتنز” ينصّ على “أنه في الحالات التي لا تشملها اتّفاقيات جنيف أو البروتوكول الإضافي الأول، أو الاتّفاقات الدولية الأخرى، يظلّ المدنيون والمقاتلون مشمولين بحماية وسلطة مبادئ القانون الدولي المستقاة من الأعراف الراسخة ومبادئ الإنسانية وإملاءات الضمير العام” (البروتوكول1،المادة 1-2، اتفاقيّة جنيف 1، المادة 63، اتفاقيّة جنيف 2، المادة 62، اتفاقيّة جنيف 3، المادة 142، اتفاقيّة جنيف 4، المادة 158).

Eالقانون الدولي العرفي ملزم للدول كما هي الاتّفاقيات الدولية التي تكون تلك الدول طرفًا فيها (كما تشهد به المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية). وكذلك فإن عدم توقيع دولة معينة على اتفاقيّة دولية ما لا يؤثر على التزاماتها وفقًا للقانون العرفي.

ونجد اليوم أن اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وكذلك معظم أحكام البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 قد اكتسبت صفة القانون الدولي العرفي. وهذا يعني أنه حتى الدول التي لم تصدق على الاتّفاقيات، يجب أن تتقيَّد بقواعدها.

ثانيًا مضمون القانون الإنساني العرفي

أقرّت لجنة القانون الدولي سنة 1980 أن اتفاقيات جنيف قد عبرت عن المبادئ العامة التي تشكل أساس القانون الإنساني. وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة على هذا في تقريره بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (S/25704المؤرخ 3 أيار/مايو 1993). وقد أقرّ مجلس الأمن هذا التقرير في قراره رقم 827 (المؤرخ 5 أيار/مايو 1993).

ونشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 دراسة مفصَّلة عن قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.وتوضح هذه الدراسة قائمة شاملة بها 161 قاعدة للقانون الإنساني العرفي. وهذا العمل أُنجز من خلال عملية مراجعة موسَّعة خاصة بممارسات الدول في هذا المجال. وسمحت بتحديد القواعد المقبولة باعتبارها ملزمة من الدول في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية معًا. ويبين هذا العمل تقاربًا كبيرًا بين قواعد واجبة التطبيق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وهو يبسط وييسر تنفيذ القانون الدولي الإنساني ويخلق أمنًا قانونيًّا أكبر بخصوص قابلية تطبيق القانون الإنساني في سياق معين، نظرًا لأن سلطة وقيمة القواعد الـ 161 تعلو فوق عملية التوقيع أو التصديق من جانب الدول.

وترد القائمة الكاملة لدراسة القانون الدولي الإنساني العرفي في المدخل الخاص بالقانون الدولي الإنساني.

← ضمانات أساسية؛ محكمة العدل الدولية؛ هرميّة القواعد؛ القانون الدولي الإنساني؛ قانون طبيعيّ وقانون دينيّ وقانون وضعيّ.

أحكام القضاء

ذكرت محكمة العدل الدولية في حكمها في القضية: نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، أن انتهاكات قاعدة من القانون العرفي لا تزيل وجود طابعها العرفي. فالمحكمة لا ترى أن أية قاعدة لكي تكون راسخة كطابع عرفي، يجب أن تكون الممارسة المقابلة في حالة توافق قوي مع القاعدة بغية استقراء وجود قواعد عرفية، وتعتبر المحكمة أنه يكفي أن يكون تصرف الدول بوجه عام متسقًا مع هذه القواعد، وينبغي أن تعامل حالات تصرف دولة غير متسق مع قاعدة معينة كإخلال بتلك القاعدة وليس كدلائل تشير إلى الاعتراف بقاعدة جديدة. وإذا تصرفت دولة بطريقة غير متلائمة بديهيًّا مع قاعدة معترف بها، بيد أنها تدافع عن تصرفها باللجوء إلى الاستثناءات أو التبريرات الواردة في القاعدة ذاتها، عندئذ يكون تصرف الدولة في الواقع له ما يبرره على ذلك الأساس، فأهمية هذا الموقف تتمثل في تأكيد وليس في إضعاف القاعدة، الفقرة 186). (الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها (نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، الحيثيات، الحكم، تقارير محكمة العدل الدولية، 1986، ص 14).

وقد أكدت المحكمتان الجنائيتان الدوليتان ليوغوسلافيا ورواندا مرارًا دورهما في إبراز قواعد عرفية دولية تتصل بانتهاكات القانون الإنساني. وفي قضية كاييشيما وروزيندانا (21 أيار/مايو 1999)، رأت الدائرة الابتدائية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (الفقرة 88) أن جريمة الإبادة الجماعية تعتبر جزءًا من القانون الدولي العرفي وأكثر من ذلك قاعدة آمرة (قطعية). وفي قضية روتاغاندا، رأت نفس الدائرة الابتدائية أن الاتفاقية بشأن الإبادة الجماعية جزء من القانون الدولي العرفي (الفقرة 46). وتوضح الأحكام القضائية الصادرة من المحكمتين الجنائيتين الدوليتين كذلك كيف ينبغي تفسير الاتفاقية

← إبادة جماعيّة

وفيما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، ترى الدائرة الابتدائية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية أكاييسو (2 أيلول/سبتمبر 1998) أن ”القواعد الواردة في المادة الثالثة المشتركة قد اكتسبت صفة القانون العرفي في أن معظم الدول، بحكم قوانينها الجنائية المحلية، جرمت الأفعال التي إذا ما ارتكبت أثناء نزاع مسلح داخلي، ستشكل انتهاكات للمادة الثالثة المشتركة“ (الفقرات 608-609، 616).

ورأت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (قضية تاديتش، 2 تشرين الأول/أكتوبر 1995) أن البروتوكول الإضافي الثاني ليس معترفًا به بشكل عالمي شامل كجزء من القانون العرفي. بيد أنها ترى أن بعض أحكام هذا البروتوكول يمكن اعتبارها تفسيرية للقواعد القائمة أو أنها بلورت قواعد القانون العرفي الناشئ. ومع ذلك، يرد المتن الأصلي للبروتوكول الإضافي الثاني في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لسنة 1949، وبالتالي هي جزء من القانون العرفي المقبول عمومًا. وهذا يشمل بالتحديد حظر العنف ضد الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل ناشط في الأعمال العدائية وفي أسر الأشخاص والمعاملة المهينة وإصدار عقوبة بدون إجراءات قضائية واجبة (الفقرة 117).

لمزيد من المعلومات:

Bruderlein, Claude. “Custom in International Humanitarian Law.”International Review of the Red Cross 285 (November–December 1991): 579–95.

Henckaerts, Jean-Marie. “Study on Customary International Humanitarian Law: A Contribution to theUnderstanding and Respect for the Rule of Law in Armed Conflict.” International Review of the RedCross857 (March 2005): 175–212.

Henckaerts, Jean-Marie, and Louise Doswald-Beck, eds. Customary International Law.3 Vols. Cambridge: Cambridge University Press, 2005.

Koskenniemi, Martti, ed. Sources of International Law.Aldershot, UK:Ashgate, 2000.

Mendelson, M. H. “The Formation of Customary International Law.” Académie de Droit International,Recueil des Cours272 (1998): 155–410.

Meron, Theodor. “The Continuing Role of Custom in the Formation of International Humanitarian Law.”American Journal of International Law 90 (1996): 238–49.

Schachter, Oscar. “New Custom: Power, ‘Opinio Juris,’ and Contrary Practice.” In Theory of InternationalLaw at the Threshold of the Twenty-first Century, edited by Jerzy Makarczyk, 531–40. Boston: Kluwer Law International,1996.

Article également référencé dans les 2 catégories suivantes :