الأشخاص الجرحى والمرضى
الجرحى والمرضى، وفقًا للتعريف الوارد في القانون الإنساني هم أفراد، عسكريين كانوا أم مدنيين، والذين هم بحاجة إلى عناية طبية (سواء أكان ذلك بسبب جرح، أو مرض، أو أي خلل جسدي أو ذهني آخر، أو إعاقة) ولا يشاركون في العمليات الحربية (البروتوكول 1 المادة 8). ويحظر القانون الإنساني أي تمييز سلبي في ما بينهم لأسباب غير طبية، وإذا كان الفرد المعني ينتمي إلى الطرف المعادي، فيجب في هذه الحالة إعطاء الأولوية لحالته بصفته جريحًا أو مريضًا وليس بصفته مقاتلًا، وذلك طيلة الفترة التي يمنعه فيها جرحه أو مرضه من المشاركة في الأعمال الحربية أو يحتاج فيها إلى رعاية طبية. وعليه فإن المقاتل الذي يتماثل للشفاء خلال وجوده في قبضة الطرف المعادي يصبح عندها أسير حرب ومشمولًا بالقوانين التي تمنح حماية لمثل هؤلاء الأشخاص.
☜ المبدأ العام فيما يتعلّق بجرحى أو مرضى أي طرف من أطراف النزاع، هو وجوب معاملتهم بشكل إنساني في جميع الظروف ومنحهم، جهد المستطاع وبالسرعة الممكنة، الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم. ويجب عدم التمييز بينهم لأي اعتبار سوى الاعتبارات الطبية (المادة المشتركة 3 في ما بين اتفاقيات جنيف 1 - 4؛ والبروتوكول 1 المادتان 8 و10؛ والبروتوكول 2 المادتان 7 و8).
وهذا من أقدم مبادئ القانون الإنساني التي كرستها اتفاقية جنيف الأولى لعام 1864.
أولًا حماية أفراد الخدمات الطبية وواجباتها
يحمي القانون الإنساني استقلالية وكرامة الأطباء وذلك من خلال إعادة التأكيد على قواعد أخلاقيات مهنة الطب. وهي التي تحدّد أيًا من الأعمال الطبية تكون محظورة وأيها غير محظور، وتحديدًا عندما يكون الأشخاص الجرحى والمرضى تحت رعاية أية سلطة لا يحملون جنسيتها، وذلك بسبب ظروف الاحتلال أو الاحتجاز (المادة 3 المشتركة في ما بين اتفاقيات جنيف 1-4؛ والبروتوكول 1 الموادّ 10، 11، 16؛ والبروتوكول 2 المادتان 9 و10)
← أخلاقيات مهنة الطب.
وكذلك فإن القانون الإنساني يحمي المنشآت الطبية من التعرض للهجمات (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 18؛ والبروتوكول 1 المادة 12؛ والبروتوكول 2 المادة 11) ومن المصادرة (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 57؛ والبروتوكول 1 المادة 14) وكذلك فإنه يسمح باستخدام الشارة المميزة للصليب الأحمر لحماية تلك المنشآت (اتفاقيّة جنيف 1 الموادّ 38-44؛ واتفاقيّة جنيف 4 المادة 18؛ والبروتوكول 1 المادة 18؛ والبروتوكول 2 المادة 12). وأخيرًا فهو ينصّ على ضرورة السماح بدخول ونقل الموادّ الطبية والعلاجية بحرية، بما في ذلك إلى المناطق المحاصرة (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 23)
← شارات، علامات وإشارات التعريف (الدلالة) أو الحماية؛ خدمات طبية؛ مصادرة؛ حصار.
يفرض القانون الإنساني التزامًا يقضي بالبحث عن، وجمع، والعناية بالجرحى والمرضى (المادة 3 المشتركة في ما بين اتفاقيات جنيف 1-4؛ واتفاقيّة جنيف 4 المادة 16؛ والبروتوكول 2 المادة 8). ويحق لأفراد الفرق الطبية الحصول على حماية خاصة لتسهيل حركتهم والوصول إلى أي مكان بحاجة إلى خدماتهم (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 15؛ والبروتوكول 1 المادتان 15 و 23).
← أفراد الخدمات الطبية؛ حقّ الوصول.
☜ النساء الحوامل، وحالات الأمومة، والرضع حديثو الولادة، والأشخاص العاجزون، كل هؤلاء ينطبق عليهم تعريف القانون الإنساني للجرحى والمرضى، وذلك لغرض زيادة مستوى الحماية التي يحق لهم الحصول عليها (البروتوكول 1 المادة 8). ويعزز هذا النصّ من مسؤوليات المنظمات الإنسانية والطبية تجاه هؤلاء الأعضاء من السكان المدنيين.
ثانيًا الجرحى والمرضى من أسرى الحرب
بموجب القانون الإنساني، يكون أسرى الحرب الجرحى والمرضى، الذين يعانون من جروح أو أمراض خطيرة مؤهلين للحصول على معايير حماية خاصة. حيث إن هذه الأحكام تأخذ بعين الاعتبار ضعف هذه الفئات ومخاطر إساءة المعاملة التي قد يتعرّض لها الأشخاص المرضى والجرحى، وكذلك مدى الفائدة التي يمكن الحصول عليها جراء معالجتهم في بيئة سلمية وآمنة (اتفاقيّة جنيف 3 الموادّ 109-117). وتحدّد اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها الإضافيان الظروف التي يتمّ بموجبها إجلاء المصابين بأمراض أو جروح خطيرة من أسرى الحرب، أو استضافتهم في دولة محايدة لتلقي العلاج، بدلًا من استمرار معالجتهم في مستشفيات سلطات الاعتقال، والاستمرار في اعتبارهم أسرى حرب.
وبموجب المادة 110 من اتفاقيّة جنيف الثالثة فقد تمّ لاحقًا وضع قائمة بالأمراض والأوبئة التي تتطلب إعادة أسير الحرب المصاب بها مباشرة إلى وطنه، أو توفير إقامة له في بلد محايد. أما الأشخاص الذين يتطلب مرضهم أو جروحهم إعادتهم مباشرة إلى أوطانهم فهم:
- الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم، والذين يبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة،
- الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم خلال عام طبقًا للتوقعات الطبية، وتتطلب حالتهم العلاج، ويبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة،
- الجرحى والمرضى الذين تمّ شفاؤهم ولكن يبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة وبصفة مستديمة.
أما الذين يمكن توفير إقامة لهم في دولة محايدة فهم:
- الجرحى والمرضى الذين ينتظر شفاؤهم خلال عام من تاريخ الجرح أو بداية المرض، إذا كانت معالجتهم في بلد محايد تدعو إلى توقع شفاء أضمن وأسرع،
- أسرى الحرب الذين تكون صحتهم العقلية أو البدنية، طبقًا للتوقعات الطبية، مهددة بشكل خطير إذا استمر أسرهم، ويمكن أن يمنع إيواؤهم في بلد محايد هذا الخطر.
هناك أسرى حرب معيّنون، في حال وجودهم في بلد محايد، يمكن إعادتهم مباشرة إلى أوطانهم فور الانتهاء من معالجتهم، وذلك بموجب اتفاق يتمّ إبرامه بين السلطات ذات العلاقة، وهم:
الذين تدهورت حالتهم الصحية بحيث أصبحت تستوفي شروط الإعادة المباشرة إلى الوطن،
الذين تظلّ حالتهم العقلية أو البدنية متدهورة بعد المعالجة
← أسرى الحرب.
يمكن أن تنطبق تلك المعايير أيضًا على المعتقلين المدنيين الذين هم بحالة مرضية خطيرة، أو جروحهم خطيرة (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 132).
☜ تكون سلطات الاعتقال مسؤولة عن الصحة والسلامة الجسدية للسجناء الذين في قبضتها. ولا يجوز أن ترفض تلك السلطات توفير العناية اللازمة لشخص تحت سيطرتها أو أن تتعمد تعريض صحته للخطر.
ويؤكد البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف على تعزيز الحماية التي يجب توفيرها لضحايا النزاعات بشكل عام، وتحديدًا الجرحى والمرضى منهم. “يجب ألا يمسّ أي عمل أو إحجام لا مبرّر لهما بالصحة والسلامة البدنية والعقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم أو يتمّ احتجازهم أو اعتقالهم أو حرمانهم بأية صورة أخرى من حرياتهم نتيجة [للنزاع]” وأي عمل أو تقاعس على ذلك النحو يعتبر انتهاكًا جسيمًا وجريمة خطيرة (البروتوكول 1 المادة 11؛ والبروتوكول 2 المادة 5).
يؤكد هذا النصّ على مسؤولية المنظمات الإنسانية والطبية تجاه مراقبة الوضع الصحي للسكان المدنيين، وبشأن مصير الجرحى والمرضى.
ثالثًا الضمانات التي نص عليها القانون الدولي الإنساني العرفي
أوضحت دراسة قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 البنود التي تكفل الحماية للجرحى والمرضى والغرقي والتي تنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وفي ما يلي هذه القواعد:
- القاعدة 109: “يتخذ كل طرف في النزاع، كلما سمحت الظروف، وبخاصة بعد أي اشتباك، كل التدابير الممكنة ودون إبطاء للبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى وجمعهم وإجلائهم دون أي تمييز مجحف”.
- القاعدة 110: “يتلقى الجرحى والمرضى والغرقى الرعاية والعناية الطبية التي تقتضيها حالتهم بأقصى حد ممكن دون إبطاء، ويجب عدم التمييز بينهم لأي اعتبار سوى الاعتبارات الطبية”.
- القاعدة 111: “يتخذ كل طرف في النزاع كل الإجراءات الممكنة لحماية الجرحى والمرضى والغرقى من سوء المعاملة ومن نهب ممتلكاتهم الشخصية”.
← اعتقال؛ واجبات طبية؛ أخلاقيات مهنة الطب؛ أفراد الخدمات الطبية؛ خدمات طبية؛ أسرى الحرب؛ إغاثة.
لمزيد من المعلومات:
Dinstein, Yoram. The Conduct of Hostilities under the Law of International Armed Conflict. Cambridge,U.K.: Cambridge University Press, 2004.
Henckaert, Jean-Marie, and Louise Doswald-Beck, eds. Customary International Law. Vol. 1, The Rules. Cambridge: Cambridge University Press, 2005, 396–405.
Rezek, Jose-Francisco. “Wounded, Sick and Shipwrecked Persons.” In International Dimensions of Humanitarian Law, 153–66. Geneva: Henri Dupont Institute, 1988.