نزاع مسلّح دوليّ
☜ النزاعات المسلحة هي حقيقة واقعة ومسألة قانونية على حد سواء. وتحظر الأمم المتحدة منذ عام 1945 اللجوء إلى القوة المسلحة في العلاقات بين الدول، باستثناء حالات الدفاع عن النفس أو العدوان. ومع ذلك فإن تعريف العدوان بوصفه جريمة وفقًا للقانون الجنائي الدولي لم يُعتمد إلا عام 2010. وبالإضافة إلى ذلك، لا يوجد تعريف قانوني دولي للنزاعات المسلحة في حد ذاتها. ومنذ عام 1949، أعطت المادة الثانيةالمشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع تعريفًا للنزاع المسلح الدولي الذي يستتبع تطبيق القانون الإنساني. وتنص المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع (والمعروفة بالمادة الثالثة المشتركة) على القواعد الدنيا التي تُطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، دون إعطاء تعريف واضح لهذا النزاع. وتوسّع البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف المؤرخ في 1977 وكذلك فقه المحاكم الدولية في تعريف النزاعات المسلحة الدولية وتضمنت معايير تفسير هذا التعريف. وتكمن المشكلة التي تستتبع تلك التعريفات في الالتزام باحترام قواعد القانون الإنساني التقليدي والعرفي والسارية بشكل خاص على النزاعات المسلحة الدولية، بدلًا من القواعد الأكثر تقييدًا والمطبقة على النزاعات المسلحة غير الدولية.
إن تعريف وتمييز النزاع المسلح الدولي من الأمور الحاسمة لأن ذلك يتيح تطبيق وإنفاذ قواعد القانون الإنساني على تلك النزاعات.
النزاع المسلح الدولي يضع دولتين أو أكثر في مواجهة بعضها البعض.
النزاع المسلح الداخلي قد يتعرض للتدويل حيث تساند دولة أخرى وتسيطر على أنشطة جماعة مسلحة من غير الدول تعمل ضد حكومتها، أو حين تصبح قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات طرفًا في النزاع المسلح. ومع ذلك فإن القانون الإنساني الساري يعتمد على طبيعة الأطراف المتعارضة في النزاع سواء كانت الدولة أو غير تابعة للدولة.
أي نزاع مسلح، على أرض محتلة، يضع قوة الاحتلال في مواجهة مع جماعة مسلحة من غير الدول هو نزاع مسلح دولي، رغم أن الجماعة لديها صفات جماعة إرهابية.
القواعد السارية على النزاعات المسلحة الدولية يمكن استخدامها في تفسير القواعد السارية على النزاعات المسلحة غير الدولية.
القانون الدولي الإنساني العرفي يتوافق مع معظم القواعد السارية على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
أولًا التعريف التقليدي: النزاع المسلح بين الدول
وفقًا للقانون الدولي الإنساني التقليدي، فإن هذا المصطلح يصف النزاعات المسلحة بين دولتين أو أكثر، وحالات الاحتلال العسكري لبعض أو كل أراضي طرف سامٍ متعاقد، وكذلك حروب التحرير الوطني (المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف 1 و4، المادة 1 -3 – 4 من البروتوكول 1).
يغطي تعريف المادة الثانية المشتركة حالات الحروب المعلنة وكذلك أي نزاع مسلح حيث لا يُعترف فيها بحالة الحرب. ومنذ عام 1949، لم يعد تطبيق القانون الدولي الإنساني يعتمد على شكلية إعلان الحرب، أو الاعتراف بحالة الاشتراك في الحرب من جانب إحدى الدول المعنية. ويستند هذا التعريف إلى معايير موضوعية تستهدف تجنب الجدال السياسي حول التوصيف.
ويغطي القانون الساري على النزاعات المسلحة الدولية أيضًا جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لأراضي طرف سامٍ متعاقد، حتى لو كان ذلك الاحتلال لم يواجه أي مقاومة مسلحة ومن ثمّ لا توجد اشتباكات مسلحة، أو إذا كانت الاشتباكات المسلحة مع جماعات مسلحة من غير الدول على أراضي الدولة المُحتلة.
يعتبر البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 أن حروب التحرير الوطني التي يحارب فيها شعب ما ضد الهيمنة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو الأنظمة العنصرية هي نزاعات مسلحة دولية. وعلى وجه العموم، فإن هذه أيضًا هي حالة الحروب الناجمة عن محاولات شعب ما ممارسة حقه في تقرير المصير (البروتوكول 1 المادة 1). ولذلك يمكن تطبيق قانون النزاعات المسلحة الدولية على هذا النوع من النزاعات شريطة أن توافق السلطة التي تمثل الشعب المشارك في النزاع رسميًّا على تطبيق اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين (البروتوكول 1 المادة 96-3).
ولا يتضمن القانون الدولي الإنساني التقليدي والعرفي تعريفًا واضحًا لمفهوم النزاع المسلح. ويُنص في تعقيب المادة الثانية المشتركة أن أي خلاف ينشأ بين دولتين ويؤدي إلى تدخل أفراد القوات المسلحة هو نزاع مسلح ويقع في إطار المعنى الوارد في اتفاقيات جنيف، حتى لو نفى أحد الطرفين وجود حالة حرب. وينص التعقيب على أن مدة النزاع أو عدد الوفيات أو عدد القوات المسلحة المشاركة لا يؤثر على توصيف النزاع. ومجرد أن القوات المسلحة لأحد الطرفين أسرت أعضاء بالقوات المسلحة المعادية، حتى لم لو تقع وفيات، يكفي لتطبيق القانون الساري على النزاعات المسلحة الدولية. ولذلك، فإن وجود نزاع مسلح دولي لا يعتمد على أي شرط فيما يتعلق بالحد الأدنى من العنف ومدى كثافة الاشتباكات المسلحة، خلافًا للقواعد المطبقة على النزاعات المسلحة الداخلية.
ثانيًا التعريف القضائي: النزاعات المسلحة الدولية أو النزاعات المسلحة “التي تم تدويلها”
إن تعقد النزاعات المسلحة الحديثة، التي تتضمن طائفة واسعة من الأطراف الفاعلة من أطراف تابعة للدولة إلى أطراف غير تابعة للدولة وقوات مسلحة دولية وانتشار الآثار أحيانًا إلى أراضي دول غير أطراف رسميًّا في النزاع، يثير تساؤلات حول التوصيف والقانون الذي يُطبق على هذه الأطراف الفاعلة والحالات.
وفي حين أن المشاركة العسكرية المباشرة من جانب دول عديدة يسهل تحديدها، فإنها لا تفسر واقع معظم النزاعات المسلحة الحديثة، التي تتحدى معايير قانونية رسمية. ويمكن أن تقع بعض النزاعات المسلحة بالفعل على أراضي دول عديدة بدون اشتراك جيوشها الوطنية بشكل مباشر. ويقع غيرها على أراضي دولة واحدة لكن يشارك فيها جماعات مسلحة غير تابعة للدولة وتعمل من أراضي دولة مجاورة، وتخضع لسيطرة الدولة الأخيرة أو لا تخضع. وفي النهاية، فإن بعض النزاعات المسلحة تقع خارج الأراضي الوطنية لأحد أطراف النزاع... ومن الضروري أيضًا تجاوز الشكل القانوني فيما يتعلق بطبيعة الطرف المسلح غير التابع للدولة وتوضيح ما إذا كان يعمل فعلًا لحساب دولة أخرى أو يخضع لسيطرتها.
في النهاية، فإن وجود قوات مسلحة دولية، سواء كانت تحت ولاية الأمم المتحدة أم لا، يمكن أن يعدل أيضًا من طبيعة النزاع المسلح إذا كان التفويض الممنوح لها يتضمن المشاركة المباشرة في المعارك ولا يقيد اللجوء إلى القوة على الدفاع عن النفس.
وقد حدد الفقه القانوني الدولي معايير تدويل النزاع المسلح الذي لا يشمل دولتين أو أكثر، والذي لا يعد دوليًّا بالمعنى الحرفي للتعريف.
1 دعم جماعات مسلحة من غير الدول والسيطرة عليها
فحصت قرارات عديدة لمحكمة العدل الدولية ومحاكم جنائية دولية الظروف التي يمكن أن تُنسب فيها أعمال جماعات مسلحة من غير الدول إلى دولة ثالثة، ومن ثمّ تؤهل لأن تصبح نزاعًا دوليًّا أو نزاعًا مسلحًا “تم تدويله”. ففي حكم للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقًا صدر يوم 15 تموز/ يولية 1999 في قضية تاديتش، أعطت المحكمة رأيها في تأهيل النزاع. فقد أكدت المحكمة أن “(...) أي نزاع مسلح داخلي ينشب على أراضي دولة ما (....) قد يصبح دوليًّا (أو يصبح دوليًّا في خصائصه إلى جانب نزاع مسلح داخلي، حسبما تقتضي الظروف) إذا (1) تدخلت دولة أخرى في النزاع من خلال قواتها، أو بدلًا من ذلك (2) بعض المشاركين في النزاع المسلح الداخلي تصرفوا لحساب دولة أخرى” (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، القرار IT-94-1-A، الفقرة 84).
وقد حاولت محاكم جنائية دولية تحديد مفاهيم الدعم أو السيطرة المباشرة، التي قد تتضمن مسؤولية دولة ما عن أعمال جماعة مسلحة من غير الدول أو تأهيل هذه الجماعة كوكيل عن الدولة. وهناك اتفاق عام في الآراء على حقيقة أنه كي يتم تدويل نزاع ما يجب أن تتجاوز سيطرة دولة أخرى على جماعة مسلحة ما الدعم المادي الخالص. وفي حكم للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقًا، قضت بأن تحميل دولة ما المسؤولية عن أعمال جماعة مسلحة يتطلب إثبات أن هذه الدولة تسيطر على هذه الجماعة، لا بالتجهيز والتمويل فحسب بل أيضًا بالتنسيق أو المساعدة في التخطيط العام لنشاطها العسكري. ومع ذلك فليس من الضروري إثبات أن الدولة منخرطة مباشرة في القرارات المتعلقة بكل عمل عسكري معين. وقد صيغت هذه النظرية المتعلقة بالسيطرة العامة والمعايير المرتبطة بها في قرارات المحاكم الجنائية الدولية (السوابق القضائية أدناه).
ومع ذلك فهناك جدال بين محكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية فيما يتعلق بمستوى السيطرة المطلوبة لاعتبار جماعة مسلحة ما تعمل لصالح دولة أخرى، وهو المستوى الذي يحمّل الدولة المسؤولية عن أفعال الجماعة المسلحة. فبدلًا من “السيطرة العامة” التي حددتها المحاكم الجنائية الدولية، تتطلب محكمة العدل الدولية “سيطرة فعالة” وهي أكثر تقييدًا وتتضمن غياب استقلالية الجماعة المسلحة مقابل الدولة المعنية. وحاولت محكمة العدل الدولية التوفيق بين هذين المفهومين حين اعتبرت في قرار صدر عام 2007 أن إثبات وجود السيطرة العامة يكفي لاعتبار وضع ما نزاعًا مسلحًا دوليًّا. غير أن المحكمة نصت على أن السيطرة يجب أن تكون كاملة عمليًّا، إذا كان الأمر يتعلق بتحميل الدولة المسؤولية عن الأعمال الجنائية التي ارتكبتها الجماعة المسلحة الأجنبية (السوابق القضائية أدناه).
وأشارت محكمة العدل الدولية بشكل مفيد للغاية إلى أن القانون الإنساني ينبغي تفسيره على نحوٍ أكثر اتساعًا من عدسة القانون الدولي عن مسؤولية الدولة في القانون الجنائي الدولي. وينبغي أن تُدرس مساهمة الفقه الجنائي الدولي في مجال القانون الإنساني دراسة أكثر دقة في ضوء اختلاف الأهداف التي تتبعها هذه الأفرع المختلفة للقانون الدولي.
← مسؤولية؛ محكمة العدل الدولية
2 وجود قوات مسلحة دولية بإذن من الأمم المتحدة
فيما يتعلق بعمليات حفظ السلام وغيرها من التدخلات المسلحة الدولية التي تأذن بها الأمم المتحدة، فهناك العديد من الجدالات القانونية حول وضعها، وما إذا كان ينبغي اعتبارها أطرافًا في النزاع أم وسطاء. وقد أثرت هذه الجدالات على توصيف النزاعات التي تنتشر فيها وطبيعة القانون الإنساني الساري على أفرادها. ومن المسموح به الآن أن مجرد وجود قوات متعددة الجنسيات تحت تفويض من الأمم المتحدة في نزاع مسلح لا يكفي لتدويل النزاع. وفي أغلبية الحالات، بالفعل، فإن هذه القوات المسلحة الدولية منتشرة بموافقة الدول المعنية وليست مأذونة لاستخدام القوة خارج إطار الدفاع عن النفس. وعلى ذلك فلا يمكن اعتبارها أطرافًا في النزاع. وأقر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالوضع المدني لهذه القوات في حالات معينة، باعتبار أن الهجوم المتعمد على هؤلاء الأفراد يمثل جريمة حرب. ومع ذلك، ففي حالات كانت القوات الدولية مأذونة فيها باستخدام القوة بشكل هجومي وبالمشاركة في أعمال القتال، فإنها فقدت وضعها المدني. ويمكن اعتبار النزاع حينئذ مُدوّلًا، وعلى هذه القوات أن تحترم القواعد ذات الصلة في القانون الدولي الإنسانية.
← حفظ السلام
ثالثًا القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة الدولية
القواعد المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية هي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول وكذلك قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
وتم إعداد قواعد القانون الإنساني أساسًا في سياق النزاعات المسلحة الدولية. واليوم، فإن اللوائح المنظمة لهذه النزاعات ما زالت هي الأكثر تفصيلًا، إذ تنشئ القيود على أساليب ووسائل الحرب وتفرض التزامات على أطراف النزاع من حيث إغاثة وحماية السكان المدنيين والأشخاص العاجزين عن مواصلة القتال. وهي تنظم حقوق المنظمات الإنسانية والعقاب على جرائم الحرب.
وأكد الفقه القضائي الدولي أيضًا أن قواعد النزاعات المسلحة الدولية يمكن أن تُستخدم في تفسير أو استكمال القواعد المطبقة في النزاعات المسلحة الداخلية.
وعلاوة على التطبيق الإلزامي في حالات تغطيها الاتفاقيات، يمكن تطبيق بعض قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الإنساني العرفي على أساس محدد الغرض عن طريق اتفاق خاص وبموافقة أطراف النزاع.
← اتفاق خاص
حددت قرارات المحاكم الجنائية الدولية المعايير التي تسمح بتحسين الفهم لواقع النزاعات المسلحة. لكن تلك القرارات فتحت المجال أيضًا للمناقشات الفنية والعملية غير المتوافقة مع متطلبات التطبيق الفوري للقانون الإنساني في النزاع. وفي الواقع، فإنه ليس من الممكن ولا المستحسن تأجيل توصيف نزاع ما ومن ثمّ تحديد القانون الواجب التطبيق عليه انتظارًا لقرار القاضي الذي يجب عليه أن يصدر قرارًا بموجب الحقائق على مختلف عناصر ومعايير تلك القضية المعينة. ولهذا فإن روح القانون الإنساني هي تقييد التعريف الخاص به للنزاعات المسلحة، الدولية منها وغير الدولية، على معايير بسيطة موضوعية يمكن تطبيقها تلقائيًّا على جميع الحالات. وينص القانون الإنساني أيضًا على أن يلتزم جميع أطراف النزاع بتنفيذ جميع الاتفاقيات أو بعضها في بداية العمليات العدائية عن طريق اتفاق خاص، في حالة ما إذا كان التطبيق التقليدي فورًا يثير مشاكل.
وقد أثارت هذه القرارات نقاشات قانونية حول مسائل تتعلق بالقانون الجنائي الدولي ومسؤولية الدولة. ولم توضح محتوى القانون الإنساني المطبق في هذا النوع من النزاعات، وخاصة من حيث المساعدة والحماية أو فيما يتعلق بوضع أعضاء الجماعات المسلحة من غير الدول.
ويميل الاتجاه الحالي إلى تأمين التطبيق الفوري للقانون الإنساني بالإقرار بالطبيعة المختلطة لبعض النزاعات المسلحة، التي يمكن أن تضم عناصر دولية أو غير دولية في الوقت ذاته. وفي مثل هذه الحالات، يمكن تطبيق القانون الإنساني بأقل صورة ممكنة واعتمادًا بشكل تفاضلي على طبيعة الأطراف الفاعلة المسلحة. وهو يسمح بإخضاع الاشتباكات المسلحة بين قوات حكومية وقوات دولية للقانون الساري على النزاعات المسلحة الدولية. أما الأنواع الأخرى من الاشتباكات المسلحة التي تضم عدة جماعات مسلحة من غير الدول في مواجهة بعضها البعض أو في مواجهة قوات حكومية أو قوات دولية فينبغي أن يشملها القانون المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية في أدنى قواعده.
ويؤدي هذا النهج المتشرذم إلى تطبيق أنظمة قانونية مختلفة على الإقليم نفسه وفقًا لطبيعة الأطراف المتحاربة. ويأخذ هذا النهج في اعتباره احتمال وجود أنواع عديدة من النزاعات التي تقع بشكل متزامن في الإقليم ذاته ويشارك فيها أطراف فاعلة من الدول وغير الدول يكون لها قدرات مختلفة وعليها كذلك التزامات مختلفة فيما يتعلق بالقانون الوطني والقانون الدولي، ولا سيما فيما يتعلق بإنفاذ القانون والملاحقة القضائية والاحتجاز.
إن خطورة هذا النظام يعوضها جزئيًّا التوحيد الذي تم حديثًا لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، الذي يسري على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ووضع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الأمور في نصابها عن طريق التوحيد والتوسع في تعريفات الجرائم السارية على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وأخيرًا، يمكن لأطراف النزاع أن تعوّض هذه الضبابية القانونية بتطبيق أشد الأحكام وقايةً بالقانون الإنساني في حال الشك. فمن شأن هذا أن يخفف من تعدّد الأنظمة القانونية المطبقة على النزاعات المسلحة ويحول دون وضع الحكومات تصنيفات جديدة للنزاعات تتنصل من تطبيق القانون الإنساني. وفي هذه المسألة تحديدًا، ذكّرت المحكمة العليا الأمريكية بأن الحرب على الإرهاب لا تشكل تصنيفًا ثالثًا للنزاع المسلح. ففي قضية همدام (المحكمة العليا الأمريكية، رقم 05-184، سالم أحمد همدام، مقدم الالتماس، ضد دونالد إتش. رامسفيلد، وزير الدفاع وآخرين، طلب نقل الدعوى المقدم لمحكمة الاستئناف الأمريكية بدائرة مقاطعة كولومبيا، 26 حزيران/ يونية، 2006، الصفحات 65-69)، رفضت المحكمة العليا الأمريكية التفسير المتعسف لمعايير توصيف النزاع التي استخدمتها السلطات الأمريكية لاستحداث تصنيف ثالث للنزاع المسلح لا يشمله القانون الإنساني الساري.
← نزاع مسلح غير دولي؛ إرهاب
السوابق القضائية
1. السيطرة على جماعات مسلحة من غير الدول في السوابق القضائية للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا
في قضية تاديتش يوم 15 تموز/ يولية 1999 (IT-94-1-A)، دعمت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة الدفوع الخاصة بسيطرة دولة ثالثة على جماعات مسلحة من غير الدول.
فيما يتعلق بإسناد أفعال جماعة مسلحة إلى دولة ما، ذكرت دائرة الاستئناف أنه يجب على الدولة أن تمارس سيطرة عامة على تلك الجماعة (فقرة 131):
“لإسناد أفعال جماعة عسكرية أو شبه عسكرية إلى دولة ما، يجب إثبات أن الدولة تمارس سيطرة عامة على الجماعة، لا بتجهيز الجماعة وتمويلها فحسب، بل بالتنسيق والمساعدة أيضًا في التخطيط العام لنشاطها العسكري. عندئذ فقط يمكن تحميل الدولة المسؤولية الدولية على سوء سلوك تلك الجماعة. غير أنه ليس من الضروري، علاوة على ذلك، أن تصدر الدولة إلى رئيس الجماعة أو أعضائها تعليمات للقيام بأفعال معينة تخالف القانون الدولي”.
فيما يتعلق بالعناصر التي تتأسس عليها السيطرة العامة للدولة، فإن بعض العناصر أقل صرامة لجماعة مسلحة منظمة مما هي عليه بالنسبة للأفراد أو الجماعات غير المنظمة (فقرة 137):
“لا تتطلب القواعد الدولية دائمًا الدرجة ذاتها من السيطرة على الجماعات المسلحة أو الأفراد لغرض تقرير ما إذا كان فرد ما ليس له وضع مسؤول في دولة ما بموجب تشريع داخلي يمكن اعتباره عضوًا فعليًّا في الدولة”.
°فيما يتعلق بالجماعات المسلحة المنظمة، يجب أن تتجاوز السيطرة العامة مجرد تقديم المساعدة المالية أو المعدات العسكرية أو التدريب (فقرة 131-أعلاه، و137):
“(...).على النقيض، فإن سيطرة دولة ما على قوات مسلحة تابعة أو ميليشيات أو وحدات شبه عسكرية يجوز أن يكون لها سمة عامة (ويجب أن تشمل ما هو أكثر من مجرد تقديم المساعدة المالية أو المعدات العسكرية أو التدريب). غير أن هذا الشرط لا يصل إلى حد إصدار أوامر معينة من الدولة أو توجيهها لكل عملية منفردة. وبموجب القانون الدولي، فليس من الضروري بأي شكل أن تخطط السلطات المسيطرة جميع عمليات الوحدات التابعة لها، أو تختار أهدافها، أو تقدم لها تعليمات محددة تتعلق بالقيام بعمليات عسكرية، وأي انتهاكات مزعومة للقانون الدولي الإنساني. ويمكن اعتبار السيطرة، وفقًا للقانون الدولي، قائمة حين يكون لدولة ما (أو طرف النزاع، في سياق نزاع مسلح) دور في تنظيم الأعمال العسكرية للجماعة العسكرية أو تنسيقها أو التخطيط لها، علاوة على تمويلها وتدريبها وتجهيزها أو تقديم المساندة لعمليات تلك الجماعة. إن الأفعال التي تقوم بها الجماعة أو أعضاؤها يمكن اعتبارها أفعال هيئة تابعة فعليًّا للدولة بصرف النظر عن أي تعليمات معينة من الدولة المسيطرة فيما يتعلق بارتكاب أيٍ من هذه الأفعال”.
,فيما يتعلق بالأفراد أو الجماعات غير المنظمة عسكريًّا، لا يمكن أن تكون هناك مسؤولية للدولة إلا إذا ثبت أنها أعطت أوامر محددة لهذه الجماعة أو هؤلاء الأفراد لارتكاب الأفعال المتهمة بها (فقرة 137):
“إذا كان السؤال موضوع النقاش هو ما إذا كان فرد وحده أو جماعة غير منظمة عسكريًّاً تصرف كعضو فعلي في الدولة عند القيام بفعل محدد، فمن الضروري التأكد ما إذا كانت تلك الدولة أصدرت تعليمات معينة فيما يتعلق بارتكاب ذلك الفعل تحديدًا للفرد أو الجماعة محل النظر؛ ومن ناحية أخرى، يجب إثبات ما إذا كانت الدولة محل النظر قد صادقت أو وافقت علانيةً على الفعل غير المشروع بعد الواقعة”.
إن هذا التعريف للسيطرة العامة تأكد في قضايا لاحقة نظرتها دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة. فقد حددت أن اختبار “السيطرة العامة” يستدعي تقييمًا لمجموع عناصر السيطرة، وتحديدًا على هذا الأساس إذا ما كانت هناك الدرجة اللازمة للسيطرة. (قضية أليكسوفيتش، دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، 24 آذار/ مارس 2000، فقرة 145). وفي قضية “معسكر سيليبتشي” (موسيتش وآخرون) في 20 شباط/ فبراير 2001، أيدت دائرة الاستئناف المنطق القانوني للسيطرة العامة وصلتها بالمسألة بأن التحرّر من الشكلية القانونية لتحميل الدولة المسؤولية عن أنشطة جماعات مُفترض استقلالها وتعمل في الواقع بالنيابة عن هذه الدولة أو لصالحها. وحددت المحكمة أيضًا أنه حين تكون “الدولة المسيطرة محل النقاش دولة مجاورة لها طموحات إقليمية في الدولة التي ينشب فيها النزاع (...) فإن اختبار “السيطرة العامة” يمكن (...) أن تكون كاملة حتى إذا كانت القوات المسلحة التي تعمل نيابة عن “الدولة المسيطرة” لديها استقلالية في اختيار الوسائل والتكتيكات وإن كانت تشارك في استراتيجية مشتركة مع “الدولة المسيطرة”” _(فقرة 47 قضية معسكر سيليبتشي).
إن معيار “السيطرة العامة” الذي عرفته المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أقل تشددًا من تعريف “السيطرة الفعالة” الذي استخدمته لاحقًا محكمة العدل الدولية.
2. السيطرة على جماعات مسلحة من غير الدولة في السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية
في حكمها الصادر في 27 حزيران/ يونيو 1986 والمتعلق بالأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها (نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية)،الأسباب الموضوعية، الحكم، تقارير محكمة العدل الدولية 1986، صفحة 14، أيدت المحكمة أن “حتى إذا كان تمويل الكونترا أو تنظيمها أو تدريبها أو إمدادها أو تجهيزها أمرًا مرجحًا أو قاطعًا، فإن اختيارها لأهدافها العسكرية أو شبه العسكرية، وتخطيط عملياتها بالكامل، لا يكفي في حد ذاته، على أساس الأدلة التي بحوزة المحكمة، وذلك لأغراض نسبة أفعال ارتكبتها الكونترا إلى الولايات المتحدة (...) فتحميل الولايات المتحدة المسؤولية القانونية عن هذا السلوك يستوجب مبدئيًّا إثبات أن تلك الدولة كانت تمارس سيطرة فعلية على العمليات العسكرية أو شبه العسكرية ارتكبت خلالها الانتهاكات المزعومة” (فقرة 115).
وفي حكمها الصادر يوم 26 شباط/ فبراير 2007 فيما يتعلق بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود)، الحكم، تقارير محكمة العدل الدولية 2007، صفحة 43، أعادت المحكمة النص على الفارق بين مفهومي “السيطرة العامة” و”السيطرة الفعلية”. وأقرت المحكمة ضمنًا بأن معيار “السيطرة العامة” ذو صلة بتوصيف نزاع مسلح دولي ما، لكنها أوضحت أنه لا يكفي لتحميل الدولة المسؤولية عن أفعال غير مشروعة ارتكبتها جماعات مسلحة. وبذلك تكون المحكمة قدمت تفسيرًا مخالفًا للقانون الإنساني من ناحية، والقانون الجنائي أو قانون المسؤولية الدولية للدول من ناحية أخرى. “وبقدر ما يُستخدم اختبار “السيطرة العامة” في تحديد ما إذا كان نزاع مسلح ما دوليًّا أم لا، وهي المسألة الوحيدة التي انعقدت دائرة الاستئناف (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في قضية تاديتش) للبت فيها، ربما يكون الاختبار قابلًا للتطبيق وملائمًا” (فقرة 404). وعلى النقيض، “تتحمل الدولة المسؤولية عن أفعال ارتكبها أشخاص أو جماعات من الأشخاص – ليسوا من هيئات الدولة ولا يمكن مساواتهم بهذه الهيئات –فقط إذا نُسبت إليها، مع افتراض أن تلك الأفعال غير مشروعة دوليًّا (...) وهذا صحيح إذا أعطت هيئة ما من هيئات الدولة تعليمات أو قدمت توجيهًا قام على إثره مرتكبو الفعل غير المشروع بالتصرف أو إذا كانت مارست سيطرة فعلية على مجال التحرك الذي ارتكب خلاله الفعل غير المشروع. وفي هذا الصدد، فإن اختبار “السيطرة العامة” يكون غير ملائم، حيث إنه يوسّع إلى حد بعيد للغاية، بما يصل إلى نقطة الانهيار حتى، العلاقة التي يجب أن تكون قائمة بين سلوك هيئة دولة ما ومسؤوليتها الدولية” (فقرة 406).
وفي هذه القضية، أشارت محكمة العدل الدولية إلى أنه “من الملائم النظر إلى ما هو أبعد من الوضع القانوني وحده، وذلك من أجل فهم واقع العلاقة بين الشخص الذي قام بالفعل والدولة المرتبط بها ارتباطًا وثيقًا بحيث لا يبدو أكثر من كونه وكيلًا لها: أي حل آخر سيسمح بإفلات الدول من مسؤوليتها الدولية باختيار التحرك عبر أشخاص أو كيانات يكون استقلالهم المفترض صوريًّا محضًا”. (فقرة 392).
لكن المحكمة حددت أن تحميل الدولة المسؤولية يتطلب إثبات:
- أن الأشخاص الذين قاموا بالأفعال المزعوم أنها تخالف القانون الدولي كانوا بشكل عام في علاقة “من الاعتماد الكامل” على الدولة المدعى عليها، و
- أنهم تصرفوا بتعليمات من الدولة أو وفقًا “لسيطرتها الفعلية” (فقرة 400).
وأضافت المحكمة أنه يجب إثبات أنه تمت ممارسة “هذه “السيطرة الفعلية” أو أن تعليمات الدولة قد صدرت لكل عملية وقعت خلالها الانتهاكات المزعومة، وليس بشكل عام خلال الأفعال العامة التي قام بها الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين ارتكبوا الانتهاكات” (فقرة 400).
3. حالات التعاون العسكري
فيما يتعلق بالقانون المطبق على المواجهات المرتبطة بحالات التعاون العسكري، أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في حكمها الصادر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2005 بأن النزاع بين إسرائيل والجماعات المسلحة الموجودة في المنطقة، سواء اعتبرت منظمات إرهابية أم لا، يعتبر نزاعًا مسلحًا دوليًّا (اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، HCJ 769/02، فقرة 18).
في عديد من القرارات، أكدت محكمة العدل الدولية سريان القانون الإنساني على حالات الاحتلال (انظر أراضٍ محتلّة).
← القانون الدولي العرفي؛ اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان 1و2 لسنة 1977؛ اضطرابات وتوترات داخلية؛ القانون الدولي الإنساني؛ الوضع القانونيّ لأطراف النزاع؛ نزاع مسلح غير دولي؛ جماعات مسلحة من غير الدول؛ أراضٍ محتلّة؛ أطراف النزاع؛ حفظ السلام؛ حالات وفئات لم يشملها القانون الإنساني؛ اتفاق خاص
لمزيد من المعلومات
Bartels, Roger. “Timelines, Borderlines and Conflicts: The Historical Evolution of the Legal Divide between International and Non-international Armed Conflicts.” International Review of the Red Cross 873 (March 2009): 35–67.
Carswell, A. J. “Classifying the Conflict: A Soldier’s Dilemma.” International Review of the Red Cross 873 (March 2009): 143–61.
Corn, G. S. “Hamdan, Lebanon, and the Regulation of Armed Hostilities: The Need to Recognize a Hybrid Category of Armed Conflict.” Vanderbilt Journal of Transnational Law 40, no. 2 (March 2007): 295–355.
Crawford, Emily. “Unequal before the Law: The Case for the Elimination of the Distinction between International and Non-international Armed Conflict.” Leiden Journal of International Law 20, no. 2 (2007): 441–65.
Paulus, A., and M. Vashakmadze. “Asymmetrical War and the Notion of Armed Conflict—a Tentative Conceptualization.” International Review of the Red Cross 873 (March 2009): 95–125.
Pejic, Jelena. “Status of Armed Conflicts.” In Perspectives on the ICRC Study on Customary International Humanitarian Law,edited by Elisabeth Wilmshurst and Susan Breau, 77–100. Cambridge:Cambridge University Press, 2007.
Schondorf, R. S. “Extra-State Armed Conflicts: Is There a Need for a New Legal Regime?” New York University Journal of International Law and Politics 37, no. 1 (2004): 61–75.
Sivakumaran, Sandesh. “Re-envisaging the International Law of Internal Armed Conflict.” European Journal of International Law 22, no. 1 (2011): 219–64.
Stewart, James. “Towards a Single Definition of Armed Conflict in International Humanitarian Law: A Critique of Internationalized Armed Conflict.” International Review of the Red Cross 850 (June 2003): 313–50.
“Typology of Armed Conflicts.” International Review of the Red Cross 873 (March 2009).
Vité, Sylvain. “Typology of Armed Conflicts in International Humanitarian Law: Legal Concepts and Actual Situations.” International Review of the Red Cross 873 (March 2009): 69–94.
Willmott, Deirdre. “Removing the Distinction between International and Non-international Armed Conflict in the Rome Statute of the International Criminal Court.” Melbourne Journal of International Law 5, no. 1 (2004): 196–219.
Ni Aolain, F. D. “The Relationship between Situations of Emergency and Low-Intensity Armed Conflict.” Israel Yearbook on Human Rights 28 (1998): 97–106.
“Urban Violence.” International Review of the Red Cross 878 (June 2010): 309–536.