قانون طبيعيّ وقانون دينيّ وقانون وضعيّ
أولًا القانون الطبيعي
يرتبط القانون الطبيعي تاريخيًّا بمفهوم القانون الأخلاقي وما له من تأثير ديني. وقد جرى تطويره على أساس الفكرة القائلة إن البشر لديهم حقوق ومكتسبات معينة ثابتة لا تقبل التصرُّف ولها وجودها حتى لو لم تعترف بها الدول أو لم تكن محفوظة في نصوص مكتوبة. وهذه الحقوق طبيعية وغير قابلة للإلغاء. وترتبط هذه الحقوق بالإيمان بالكرامة الخاصة لكلّ كائن بشري.
واستند بعض القانونيين إلى القانون الطبيعي في انتقاد القانون الوضعي في فترة معينة لا سيما طريقة معاملة الأهالي الأصليين أثناء الفتح الإسباني لأمريكا الجنوبية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
☜ يشير أنصار نظرية القانون الطبيعي إلى أن الحقوق يمكن أن توجد خارج المدوّنات الرسمية للقوانين، وتكون نابعة من الالتزامات الأخلاقية المحفورة في ضمير الأفراد. وقد استخدموا هذا المفهوم لمجابهة القواعد الراسخة للقانون المكتوب. وأحد الأمثلة التاريخية المهمة هو التركيز الذي انصبّ على القانون الأخلاقي في النضال من أجل إلغاء العبودية.
لقد اعترف القانون الدولي رسميًّا بوجود قواعد قطعية غير مكتوبة لا يجوز الإخلال بها. وهذه هي القواعد الآمرة.
وبالاحتكام إلى القواعد الآمرة، من الممكن التهرب من القوانين الصارمة والمتقادمة التي قد تكون غير ملائمة لأوضاع جديدة أو ظالمة، وذلك لأنها سُنّت في حقبة زمنية معينة وأصبحت مثيرة للجدل في الحقبة التالية. وعندما يؤدي تطبيق قانون مكتوب إلى إهانة الكرامة الإنسانية بشكل واضح، فإن اللجوء إلى القواعد غير المكتوبة يُتيح فرصة لمعارضة هذه القوانين.
والفكرة الرئيسية لا تكمن في الخضوع الأعمى لشكليات القانون. فالمهم في كل الظروف هو أن نملك القدرة على:
- تحديد قوة أو مكانة القانون لحكم معيَّن ومقارنته بحكم آخر أعلى منه درجة في التسلسل الهرمي للقواعد.
- تقييم مضمون قانون معين ومقارنته بمجموعة أخرى من الأحكام التي قد تناقضه أو تكمله.
- التعرُّف على مختلف المبادئ التي تحكم التفسير اللازم لحكم مُعيَّن.
ثانيًا القانون الديني
تنصّ الديانات الكبرى في العالم على عدد من القواعد الإلزامية لكلّ مؤمن. فهي تفرض واجبات كالطيبة والشفقة والتضامن والعدل والتسامح واحترام العدو. وطالما كانت وما زالت تُستخدَم هذه القواعد في اختبار سلامة بعض القوانين والعادات الاجتماعية ومنها الحرب وإضفاء طابع إنساني عليها.
← القانون الدولي الإنساني
إلا أن بعض الديانات تنصّ أيضًا على عدد من القواعد الخاصة التي يتعارض البعض منها أو يبدو أنه يتعارض في بعض الأحيان مع هذه المبادئ العامة. ويعدّ تفسير هذه القواعد في السياق المناسب واجبًا لفهم معناها الحقيقي فهمًا صحيحًا.
مثلًا فيما يخصّ القانون الإسلامي، يعدّ القرآن والسنة أساس الشريعة . ويتعيّن تحديد هذه القواعد وفهمها وتفسيرها لتكوين الفقه. وتعود صعوبة التفسير إلى تعدّد التعاليم وتنوّع المدارس الفقهية التي تقوم بالتفسير (الفقه) فضلًا عن صعوبة القياس ما بين نصوص جرى وضعها في القرن السابع والنصوص التي تطبق حاليًّا.
أمام هذه الصعوبات، يمكن الاستعانة بمبدأ التطابق الذي يجب بمقتضاه تفسير قاعدة محدّدة على نحو يتفق مع المبادئ الأساسية ولا يتناقض معها.
ثالثا القانون الوضعي
القانون هو مجموعة من الأعراف والمعايير التي توضع عادة من قبل السلطات المسؤولة عن تمثيل المجتمع الذي تستهدف القوانين خدمته. وقد تتّخذ القوانين شكل الدساتير، والمراسم والسوابق القضائية، و... إلخ. وفي حالة القانون الدولي، فإنه يصف الاتفاقيات الرسمية بين الدول، والمعاهدات الدولية والمعاهدات الأخرى التي تعكس موافقة أو إرادة الدول التي ستتقيَّد بهذه القوانين. والقانون الوضعي يصف محتوى هذه النصوص. ويقوم المحامون بتحليل كل كلمة وكل فاصلة لتحديد نية من صاغوا تلك القوانين. كما أنهم يقومون أيضًا بتقييم قوة أو مكانة القانون الذي يحمله كل نص. وهم يحدّدون هذا بناء على الهيئة التي سنّته ومستوى الشكلية التي تمّ بها تبنّيه. ويقودهم في تفسيرهم وتطبيقهم للقانون التسلسل الهرمي للأعراف القانونية ومبادئها.
← هرمية القواعد؛ اتفاقيات دولية
إن القانون الدولي العرفي يكون مشمولًا في التفكير الوضعي، وفي حين أنه غير مدوّن ولا يعكس دائمًا الموافقة الصريحة للدول، إلّا أنه يعكس موافقتها الضمنية، كما يعبّر عنها من خلال الممارسة المتكررة المتسقة التي وافقت عليها الدول بحرية مطلقة. ومن هنا، فإنه يمثل إرادة الكثير من الدول، التي يستقي منها قوة القانون: فهو ملزم لجميع الدول.
←القانون الدولي العرفي
رابعًا القواعد الآمرة الدولية
مع أن القانون الوضعي أصبح الوسيلة الرئيسية والأكثر فاعلية لتنظيم العلاقات المجتمعية أو العلاقات بين الدول، إلّا أن فكرة وجود قواعد عليا يجب على الدول احترامها. فمصطلح القانون الطبيعي نادرًا ما يستخدم في القانون الدولي اليوم، غير أن القواعد الآمرة تشغل حيّزًا مشابهًا. وتقوم المبادئ الحديثة لحقوق الإنسان على فكرة أن الحقوق الأساسية والحريات هي أمور فطرية والكثير منها غير قابل للتصرف.
وتقرّ المادة 53 من اتفاقيّة فيينا حول قانون المعاهدات، التي تمّ تبنّيها في 23 أيار/ مايو 1969، بوجود قواعد قطعية معيّنة في القانون الدولي العام، أو القواعد الآمرة، ترتبط ارتباطًا لا ينفصم بطبيعة البشر وتكون “مقبولة ومعترفًا بها من قبل دول المجتمع الدولي، ككل، كقاعدة لا يجوز الانتقاص منها”.
واليوم، تمثل هذه القواعد نوعًا من “النظام العام الدولي” الذي لا يجوز الإخلال به قانونيًّا. ومن المسلم به عمومًا أن أي قانون أو اتفاقيّة تنتهك القواعد الآمرة تعتبر باطلة (المادة 53 من اتفاقيّة فيينا حول قانون المعاهدات).
إن المضمون الدقيق للقواعد الآمرة ما زال مثار كثير من الجدل. ومع ذلك، فقد صيغت حقوق معينة، وحريات وضمانات أساسية من قبل المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. وتحدّد النصوص أن الدول ممنوعة من انتهاك، أو تقييد أو تعليق هذه الحقوق الأساسية بأي شكل. وتعتبر القائمة الخاصة بحقوق الإنسان غير القابلة للتقييد والمشتقة من هذه الاتّفاقيات أول اتجاه نحو تعريف محدّد للقواعد الآمرة.
← ضمانات أساسية؛ القانون الدولي .
← القانون الدولي العرفي؛ ضمانات أساسية؛ هرمية القواعد؛ حقوق الإنسان؛ حقوق غير قابلة للتصرف؛ اتفاقيات دولية؛ القانون الدولي الإنساني؛ القانون الدولي؛ عدم المساس بالحقوق.
لمزيد من المعلومات:
Elshtain, Jean Bethke. “The Just War Tradition and Natural Law.” Fordham International Law Journal 28, no. 3 (2005): 742–62.
Küng, Hans. “Religion, Violence, and ‘Holy Wars.’” International Review of the Red Cross 858 (2005): 253–68.