عقوبات/ جزاء
تُفرض العقوبات الجزائية أو الجزاء في حالة انتهاك إحدى لوائح القانون الوطني أو الدولي. وتتفاوت الأهداف: إما لعقاب شخص مذنب أو لحماية النظام العام أو للتأكيد من جديد رسميًا على أن حكم القانون سوف يسلم من تلك الانتهاكات، أما التعويضات التي تُمنح للضحايا فلها أنواع مختلفة من الآليات التي تهدف إلى علاج ضررٍ ما، ونادرًا ما تُذكر التعويضات ضمن أحكام القانون الدولي الذي عادة ما يُحيل الضحايا إلى قضاء المحاكم الوطنية إلّا أن هنالك استثناءات نادرة تشمل محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان والتي لها اختصاص قضائي ضيق نسبيًا وكذلك المحكمة الجنائية الدولية التي تمّ اعتماد نظامها الأساسي في يولية 1998 ودخل حيّز التنفيذ في 1 تموز/ يولية 2002.
ولًا أسلوب العقاب
يتفاوت الأسلوب الذي تُفرض العقوبات تبعًا له اعتمادًا على طبيعة الجريمة وعلى ما إذا كان الفاعل فردًا أم منظمة أم دولة.
تطبق الأحكام العادية للقانون الجنائي لعقاب “جرائم تقليدية”، أما الأحكام الخاصة فيجب تطبيقها لمقاضاة وعقاب جرائم ذات خطورة معينة مثل جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية والتعذيب والإرهاب ...إلخ.
تصدر العقوبات الجزائية ضدّ الأفراد أما بالنسبة للحكومات والدول والمنظمات فلا يمكن إثبات أنها مذنبة حسب شروط القانون الجنائي. ومن ثم فلا يصدر بحقها عقوبات جنائية أو جزائية بالمعنى الحرفي للكلمة رغم أنه يمكن مساءلة الدولة أمام محكمة العدل الدولية عن الأضرار الناجمة عن أنشطتها وإلزامها بدفع تعويضات ( ← محكمة العدل الدولية؛ تعويض) لكن قادتها فقط هم المعرضون للمساءلة الجنائية ويتمّ مقاضاتهم فرادى.
تستطيع بعض الهيئات الدولية والقضائية أو غير القضائية “الحكم على” سلوك الدول والخلافات التي ترفعها الدول إليها. وتكون القرارات ملزمة إلّا أن غالبية هذه الهيئات ليست مخولة لفرض عقوبات. فبعض الهيئات السياسية، كمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي التي بإمكانها فقط فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ضدّ الدول.
وتطبق القواعد العادية للقانون الجنائي للمعاقبة عن الجرائم “التقليدية”. لكن يجب تطبيق قواعد خاصة للمقاضاة والمعاقبة عن الجرائم الخطيرة بشكل خاص مثل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية أو التعذيب أو الإرهاب.
←اللجنة الأفريقيّة والمحاكم الأفريقية لحقوق الإنسان؛ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ حقوق الإنسان؛ لجوء الأفراد إلى المحاكم؛ محكمة العدل الدولية؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ولجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ تعويض، مسؤولية؛ الاختصاص العالميّ؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.
ثانيًا طبيعة العقوبات
يتفاوت نوع العقاب الذي يمكن النطق به اعتمادًا على الجهة التي تفرض العقوبة. والنوعان الرئيسيان هما عقوبات جزائية وعقوبات تأديبية.
1 العقوبات الجزائية
تصدر المحاكم الأهلية العقوبات الجزائية أو الجنائية وفقًا لقواعد الإجراء القانوني. يخضع الأفراد للعقوبات الجنائية عندما يرتكبون جناية أو جنحة كما عرفها القانون. ويحدّد القانون الدولي وخاصة القانون الإنساني أحكامًا وقواعد تضمن محاكمة عادلة ومنصفة وكذلك الضمانات القضائية الأخرى.
ينصّ القانون الإنساني على أحكام دقيقة تنظم تنفيذ العدالة والعقاب والقصاص في أوقات النزاع (وبشكل أساسي لأسرى الحرب والمعتقلين أو المحتجزين) وفي الأراضي الواقعة تحت احتلال أجنبي، ويجب أن تفرض العقوبات محكمة غير متحيّزة ومنتظمة الانعقاد في سياق نزاع مسلح دولي (البروتوكول الإضافي 1 المادة 75.4) أو على الأقل من محكمة تقدم الضمانات الأساسية للاستقلالية والحياد في نزاع مسلح غير دولي (المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع، البروتوكول الإضافي 2 المادة 6). وتشمل هذه الضمانات المبادئ التالية: لا يُعاقب الفرد لفعل كان لا يُعتبر جريمة في الوقت الذي ارتكب فيه (وهذا المبدأ هو انعدام الأثر الرجعي للقوانين الجنائية)؛ لا يمكن أن ينال الفرد جزاءً أكبر من الذي كان يُطبق وقت ارتكاب الجريمة؛ ويجب أن تكون العقوبات فردية وتطبق فقط على الشخص المذنب أي أن العقاب الجماعي ممنوع دومًا.
← ضمانات قضائية.
2 العقوبات التأديبية
يفرض العقوبات التأديبية رئيس ضدّ مرؤوسه أو تابع له تحت سلطته بسبب انتهاكه نظامًا داخليًا.
☜ لا تكون العقوبات التأديبية محاطة بنفس الضمانات الإجرائية وكما هي الحال في العقوبات الجزائية ورغم أن للعقوبات التأديبية عواقب وخيمة للأفراد (خاصة في أوقات النزاع) الذين هم يحرمون من الحرية كالمعتقلين أو المحتجزين. ويضع القانون الإنساني أحكامًا وضمانات دقيقة في ما يخصّ العقوبات التأديبية التي يمكن فرضها على مثل هؤلاء الأشخاص.
كما يضع القانون الإنساني قيودًا دقيقة على العقاب التأديبي الذي يمكن فرضه على المحتجزين والمعتقلين وأسرى الحرب.
← اعتقال؛ احتجاز؛ أسرى الحرب.
ثالثًا نطاق العقاب القابل للتطبيق
يعتمد نوع العقوبات المفروضة ودرجة خطورتها على نوع الجرم المقترف ويعتمد أيضًا على النظام القضائي الذي تجري في ظلّه المحاكمة، وتتفاوت العقوبات أيضًا اعتمادًا على ما إذا كان المتهم فردًا أم دولة.
تُعَرف القوانين الداخلية العقوبات المفروضة ضدّ أفراد وتنظمها وتضبطها تبعًا لأهمية الجرم. وهي تشمل التالي:
- عقوبة الإعدام؛
- الحرمان من الحرية (الأحكام بالسجن)؛
- الغرامات؛
- العقاب الجسدي: تمّ إلغاء هذا النوع من العقاب في عدة دول تبنت مبدأ أمر إحضار السجين أمام المحكمة للنظر في شرعية حبسه وركزت عقوباتها على أحكام للسجن ذات مدد مختلفة الطول، وما زال هذا العقاب موجودًا، وبخاصة في الشريعة الإسلامية وبعض الأنظمة القضائية التقليدية؛
← عقاب جسدي؛ عقوبة الإعدام؛ احتجاز؛ اعتقال؛ ضمانات قضائية؛ أسرى الحرب.
- العقاب بالتعويض: هذا النوع من العقاب يُقرن عقاب الشخص المذنب بدفع تعويض للطرف المتضرر، وهو الأساس لمعظم القضايا المدنية على سبيل المثال، وهو شائع أيضًا في كثير من نظم القضاء بحيث تدفع عائلة الجاني مبلغًا من المال مساويًا للضرر الواقع؛
- يعاقب بعض المجتمعات الأفراد بطردهم من المجتمع.
ويجوز أن تُفرض العقوبات ضدّ دول إما من طرف واحد أو في إطار آليات تنفيذ الأمن الجماعي المشترك وفي تلك الحالات تكون العقوبات إما دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية.
← عقوبات جماعية؛ أمن جماعي؛ عقاب جسدي؛ عقوبة الإعدام؛ محكمة العدل الدولية؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان بيوغوسلافيا السابقة ورواندا؛ ضمانات قضائية؛ عقوبات جزائية في القانون الإنساني؛ تعويض؛ عقوبات (دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية)؛ جرائم حرب/ جرائم ضدّ الإنسانية.
السوابق القضائية
إن تحديد الأحكام يتطلب مراعاة أوجه الخصوصية في كل قضية وينبغي أن يراعي جسامة الجريمة وكذلك شكل مشاركة مرتكبيها ودرجة هذه المشاركة. وعند تقرير العقوبة، يجب أن تحترم المحكمة مبدأ التناسب بين فداحة الجرم ودرجة المسؤولية التي يتحملها مرتكب الجريمة. وفداحة الجرم هي الاعتبار الرئيسي عند فرض العقوبة (دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، قضية سيليبتشي، 20 شباط/ فبراير 2001، فقرة 731؛ الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، قضية كامباندا، 4 أيلول/ سبتمبر 1998، فقرة 29).
وفي قضية بلافسيتش (27 شباط/ فبراير 2003)، أوضحت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أن جسامة جريمة ما تتضح من النطاق الواسع وحجم الاضطهاد والظلم؛ وعدد القتلى والمرحّلين والمطرودين قسرًا؛ والمعاملة غير الإنسانية على نحوٍ فادح للمحتجزين؛ ونطاق التدمير غير المبرر للممتلكات والمباني الدينية (فقرة 52). وفي قضية كرنولاتش (15 آذار/ مارس 2002)، اعتبرت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أن “نطاق معاناة الضحايا المادية والنفسية والعاطفية على المدى البعيد ذات صلة بفداحة الجرم” (فقرة 512).
ويجوز أن يخفض القضاة أو يشددوا الحكم حسب أوجه الخصوصية في كل موقف.
وفيما يتعلق بالظروف المخففة، رأت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في قضية كايشيما وروزيندانا (21 أيار/ مايو 1999، فقرات 19-23) وفي قضية كامباندا (4 أيلول/ سبتمبر 1998، الفقرتان 61 و62) أنه يمكن اعتبار العناصر التالية ظروفًا مخففة: التعاون مع الادعاء، الاستسلام للسلطات، الاعتراف بارتكاب الجرم وإظهار الندم للضحايا، وحقيقة أن المتهم لم يكن يتمتع بسلطة قانونية. انظر أيضًا الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، قضية كامباندا (4 أيلول/ سبتمبر 1998، الفقرتان 61 و62)، وقضية سيروشاجو (5 شباط/ فبراير 1999، فقرات 31-42)، وقضية موسيما (27 كانون الثاني/ يناير 2000، الفقرات 1005-1008). وفي قضية أكايسو (2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998) اعتبرت أنه من الظروف المخففة حقيقة أن أكايسو لم يكن مسؤولًا رفيع المستوى في التسلسل الهرمي الحكومي في رواندا، وحقيقة أن نفوذه وسلطته أضعفتهما الأحداث في ذلك الوقت ولم يكونا متناسبين معها. وفي قضية روجيو (1 حزيران/ يونية 2000)، أضافت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أمثلة على الظروف المخففة: غياب سجل إجرامي، طبيعة المتهم، مساعدة المتهم للضحايا، وحقيقة أن المتهم لم يشارك شخصيًا في أعمال القتل (فقرات 53-80).وقد لا يُعدّ الضغط الذي يمارسه الأشخاص الأرفع مقامًا مبررًا لكن يجوز اعتباره ظرفًا مخففًا.
وفيما يتعلق بالظروف المشددة، يوجد عنصران رئيسيان: سلطة المتهم، وحقيقة أنه شارك بقوة في العمل الإجرامي. ورأت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أن مسألة منصب المتهم في التسلسل الهرمي في قضية كامباندا (4 أيلول/ سبتمبر 1998، الفقرتان 61 و62) وحقيقة أن المتهم شغل منصبًا وزاريًا رفيعًا وقت وقوع الجرائم محل النظر تلغي الظروف المخففة. وبالمثل، ففي قضية روتاجاندا، (6 كانون الأول/ ديسمبر 1998)، أكدت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أن المتهم أساء استغلال سلطته وقام بدور قيادي مهم في تنفيذ الجرائم (فقرات 468-470). انظر أيضًا قضية موسيما (27 يناير 2000، فقرات 1000-1004). وأعيد تأكيد ذلك من جانب الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في القضايا التالية: قضية سيكيريتشا وآخرين (13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، فقرات 138 و139 و172)، وقضية كرستيتش (2 أغسطس 2001، فقرة 709) وقضية كوراناتش وكوفاتش وفوكوفيتش (22 شباط/ فبراير 2001، فقرة 863) وقضية بلاسكيتش (3 آذار/ مارس 2000، فقرة 788). وفي قضية بلاسكيتش، أوضحت الدائرة الابتدائية أن المشاركة القوية المباشرة في الجريمة تعني أن المتهم ارتكب بيده كل الجرائم المتهم بها أو بعضها (الفقرتان 791-792). وفي قضية موسيما (27 كانون الثاني/ يناير 2000) رأت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أن حقيقة أن المتهم كان مسلحًا ببندقية واستخدم السلاح خلال الهجمات تثبت أنه شارك فيها بقوة وبشكل مباشر، ولذلك فإن ذلك يعد ظرفًا مشددًا (الفقرات 1000-1004). وتأكد هذا النهج من جانب الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في قضية نتاكيروتيمانا (21 شباط/ فبراير 2003، فقرة 884).
لمزيد من المعلومات:
Orentlicher, Diane F. “Settling Accounts: The Duty to Prosecute Human Rights Violations of a Prior Regime.”Yale Law Journal 100, no. 8 (1991): 2537–2615.
Pejic, Jelena. “Accountability for International Crimes: From Conjecture to Reality.” International Review ofthe Red Cross 845 (2002): 13–33.
Sanbdoz, Yves. “Penal Aspects of International Humanitarian Law.” In International Criminal Law, edited by M.CherifBassiouni, 393–416. Ardsley, NY: Transnational, 1999.
Zalaquett, José. “Moral Reconstruction in the Wake of Human Rights Violations and War Crimes.” In HardChoices: Moral Dilemmas in Humanitarian Intervention, edited by Jonathan Moore, 211–28. Lanham, MD: Rowman& Littlefield, 1998.