القاموس العملي للقانون الإنساني

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus.

سوء المعاملة

يعد “سوء المعاملة” فئة قانونية أوسع بكثير من “التعذيب والمعاملة القاسية أو العقوبات اللاإنسانية والمذلة”. وتحظر المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 كما تنهى اتفاقيات حقوق الإنسان المختلفة عن سوءَ المعاملة. وتنصّ هذه المعاهدات على الضمانات الأساسية الممنوحة للأفراد. ⇐ضمانات أساسية؛ تعذيب

—تفرض اتفاقيات جنيف، أثناء النزاع ،على الدول الأطراف في الاتفاقياتالتزام أن تعامل جميع الأشخاص المحميين معاملة إنسانية وأن توضح مضمون هذه الالتزامات،إلّا أنها لا تُعرّف “سوء المعاملة” أو “المعاملة بطريقة إنسانية” بحدّ ذاتها ولكنها تدرج أمثلة عن السلوك المحظور في ما يتعلّق بالأشخاص المحميين، وهم: المرضى والجرحى والغرقى والسجناء والمدنيون.

—يتعزز حظر سوء معاملة هؤلاء الأشخاص بالتزامات من أجل تشريع إجراءات ملموسة لحمايتهم خاصة في ما يتعلّق بالأسرى والمحتجزين والسكان في الأراضي المحتلة.

—يمكن إنزال عقوبات تأديبية أو جزائية بمسيئي المعاملة والمسؤولين عنهم لانتهاكهم نصوص اتفاقيات جنيف وذلك وفقًا لنوعية سوء المعاملة ودرجته.

—في حال تطابق سوء المعاملة مع المعايير والشروط الخاصة بتعريف التعذيب والمعاملة الوحشية والمعاملة اللاإنسانية التي تحط من الكرامة، فهي تشكل مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف وبذلك تصبح جريمة حرب يمكن رفع دعوى بشأنها أمام محكمة جنائية دولية. (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 50، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 51، اتفاقيّة جنيف 3 المادة 130، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 147).

← تعذيب؛ جرائم حرب/جرائم ضد الإنسانية.

أولًا الالتزامات

—في أوقات النزاع، تلتزم أطراف النزاعبأن تعامل جميع الأشخاص المحميين معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر (اتفاقيّات جنيف1- 4 المادة الثالثةالمشتركة بين اتفاقيات جنيف).

—يطبّق واجب المعاملة بطريقة إنسانية على الفئات التالية: الجرحى والمرضى(اتفاقيّة جنيف 1 المادة 15) والغرقى (اتفاقيّة جنيف 2 المادة 18) وأسرى الحرب (اتفاقيّة جنيف 3 المادتان 13 و17) والمدنيين (اتفاقيّة جنيف 4 المادتان 27 و28) في إطار النزاعات الدولية وغير الدولية(البروتوكول 2 المادة 4).

طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته أشخاص محميون مسؤول عن المعاملة التي يلقونها من وكلائه، دون المساس بالمسؤوليات الفردية التي يمكن التعرض لها (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 29).

—يمكن للأطراف المشاركة في النزاع اتخاذ ما قد يلزم من تدابير نتيجة الحرب على مستوى المراقبة والأمن في ما يخص الأشخاص المحميين بشرط احترام الالتزامات التالية:

  • حقّ الأشخاص المحميين في جميع الأحوال بالاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وتقاليدهم وحمايتهم، وبشكل خاص ضدّ جميع أعمال العنف والتهديد وضدّ السباب وفضول الجماهير (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 27، البروتوكول2 المادة 4).
  • تتّخذ أطراف النزاع جميع الإجراءات الممكنة لحماية الجرحى والمرضى من السلب وسوء المعاملة وضمان الرعاية المناسبة لهم (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 15، اتفاقيّة جنيف 2 المادة 18).
  • توفير حماية خاصة للنساء ضدّ أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضدّ الاغتصاب، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 27).وقد تمّ توسيع نطاق هذه الحماية من الاعتداء الجنسي أو سوء المعاملة لتشمل الأفراد من كلا الجنسين في البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف (البروتوكول2 المادة 4، البروتوكول1 المادتان 75-2، 76) ليشملالأشخاص المحتجزين إضافة إلى أسرى الحرب (اتفاقيّة جنيف 3 المادة 14).
  • يجب معاملة الأطفال بحسب احتياجاتهم وحقوقهم الخاصة (البروتوكول2 المادة 4).

—في حالات الاحتجاز أو الاعتقال، حدّدت اتفاقيات جنيف معنى سوء المعاملة بوضوح أكثر كما أنها وضعت التزامات جديدة تتعلّق بالاستجواب (اتفاقيّة جنيف 3 المادة 17، اتفاقيّة جنيف 4 المادة 31). وظروف الاحتجاز (اتفاقيّة جنيف 4 المادتان 100 و118).

  • يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية وحمايتهم في جميع الأوقات وعلى الأخص ضدّ جميع أعمال العنف والتهديد والسباب وفضول الجماهير (اتفاقيّة جنيف 3 المادة 13). يحظر على الدولة الحاجزة أي عمل أو إهمال غير مشروع مؤدّ إلى وفاة أسير الحرب أو تعريض حياته إلى الخطر، تشكل هذه الأعمال انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف وتصنف جرائم حرب.
  • لا يجوز تهديد أسرى الحرب الذين يرفضون الإجابة أو سبّهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف (اتفاقيّة جنيف 3 المادة 17). يجب أن تضمن منشآت الاحتجازالصحة والسلامة والبيئة الصحية، ويجب عدم استخدام الأسير كدرع بشري خلال العمليات العسكرية (اتفاقيّة جنيف 3 المادتان 22 و23). يجب أن يتمشى النظام في أماكن الاحتجاز مع مبادئ الإنسانية وألا يتضمّن بأي حال لوائح تفرض على المعتقلين إجهادًا بدنيًا خطيرًا على صحتهم أو إزعاجًا بدنيًا أو معنويًا (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 100). يحظر الوشم أو وضع علامات أو إشارات بدنية للتمييز وإطالة الوقوف والنداءات والتمارين البدنية العقابية وتدريب المناورات العسكرية وخفض جرايات الأغذية (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 100)، والسجن في مبان لا يتخللها ضوء النهار وبصورة عامة أي شكل كان من أشكال القسوة (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 118).

ثانيًا الأعمال المحظورة بشكل صارم

تعتبر وتبقى الأعمال التالية، على وجه التحديد، محظورة حظرًا تامًا في أي وقت وأي مكان في ما يتعلّق بالأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 3) والمدنيون (اتفاقيّة جنيف 4 الموادّ 27، 31، 32):

—الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.

—أخذ الرهائن.

—الاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

—إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة (اتفاقيّة جنيف 1-4 المادة 3 المشتركة).

في ما يتعلّق بمختلف فئات الأشخاص المحميين، تحظر المعاهدات ما يلي:

—جميع التدابير التي من شأنها أن تسبّب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين، ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيهاالمعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضًا أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 32).

—لا يجوز معاقبة أي شخص محميّ عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيًا. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب. السلب محظور، تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 33).

—تحظر ممارسة أي إكراه بدني أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين المدنيين وأسرى الحرب، خصوصًا بهدف الحصول على معلومات منهم أو غيرهم (اتفاقيّة جنيف 3 المادة 17، جنيف 4 المادة 31).

—أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، تعتبر الأعمال التالية محظورة حظرًا تامًا: العقوبات البدنية، العقوبات الجماعية، أخذ الرهائن، أعمال الإرهاب، انتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان والاغتصاب والإكراه على الدعارة وكل ما من شأنه خدش الحياء، الرقّ وتجارة الرقيق بجميع صورها، السلب والنهب، تهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة (البروتوكول 2 المادة 4).

أما الجرحى والمرضى وأسرى الحرب والمحتجزون، فتحظر الاتّفاقيات أي محاولة تستهدف حياتهم وخاصة أعمال العنف ضدّ شخصهم، والقتل، والإبادة بالإضافة إلى تركهم عن قصد دون مساعدة ورعاية طبية، وتعريضهم للعدوى أو الإصابة بالأمراض التي يتمّ نشرها لذلك الغرض، أو إخضاعهم للتعذيب أو التجارب الطبية أو البيولوجية أو العلمية التي لا تتطلبها المعالجة الطبية لشخص خاضع للحماية (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 12، جنيف 2 المادة 12، جنيف 3 المادة 13).

ثالثًا أساليبالاستجواب وسوء المعاملة

يحدّد التقرير السري الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن معاملة أسرى قوات التحالف في سجن أبو غريب في العراق عام 2003، والذي نشر على الموقع الإلكتروني لجريدة “وول ستريت”(Wall Street) في أيار/ مايو 2004، مضمون مفهوم “سوء المعاملة” التي تشكل انتهاكًا للقانون الإنساني. فهي تشمل الأعمال التالية:

▪وحشية المعاملة أثناء الأسر وبداية الاعتقال مما سبّب أحيانًا الوفاة أو الإصابة بجروح خطيرة؛

▪الإكراه البدني أو المعنوي أثناء الاستجواب؛

▪الاعتقال المطوّل في زنزانات لا يتخللها ضوء النهار؛

▪إبقاء المعتقلين في أماكن خطرة، قريبة من الأماكن التي تتعرض للقصف.

تراوح سوء المعاملة أثناء الاستجوابات من الإهانة إلى التهديد والإكراه البدني والمعنوي، وهذه الأعمال هي أقرب ما يكون إلى التعذيب لحمل الأسرى على التعاون.

أما الحجز السرّي، فيطول عدّة أشهر من تاريخ الاعتقال داخل زنزانات دون كهرباء لمدّة قد تصل إلى 23 ساعة يوميًا، مما يشكل انتهاكًا لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة.استنكرتاللجنة الدولية للصليب الأحمر اللجوء غير المتناسب للقوة من قبل بعض الجهات المسؤولة لا سيما استخدام الأسلحة النارية ضدّ أشخاص عزّل، سلبت منهم حريتهم، يذكر أنه يمكن بأساليب أخرى التوصّل إلى النتيجة نفسها.

أدت هذه الأحداث إلى اعتبار أساليب الاستجواب المشددة اغير شرعية. كان هدف هذه الأساليب هو زيادة قلق وضيق الأسرى لتسهيل عملية الاستجواب، والتي تمثلت في وضع الأقنعة لفترات طويلة مع الضرب والتهديد أحيانًا بما يجهلونه، التهديد بأشياء تتعلّق بأفراد العائلة، التجريد من الملبس لعدة أيام مع العزل في الظلام الدامس، الإهانات الجنسية، الحرمان من النوم والاستجواب لأكثر من 24 ساعة.

صدر عن المحكمة الإسرائيلية العليا حكم في عام 1999 استعرضتفيه أساليب الاستجواب. وقررت المحكمة أن استخدام قسم الأمن العام”الإكراه البدني البسيط” غير قانوني حتى لو كان القسم يسعى إلى الحصول على معلومات قد تسمح بتدارك الهجمات، إذ تتعلّق بالاعتداء على الكرامة الشخصيةللمحتجزين.ورفضت المحكمة العليا تفسير الدولة لأعمال القسم مؤكدة أن استخدام القوة البدنية لا يمكن تبريره بحجّة الضرورة . (المحكمة الإسرائيلية العليا، اللجنة العامة ضد التعذيب في إسرائيل ضد دولة إسرائيل، HCJ 5100/94، 26 مايو 1999، الفقرات 35-37).

في حالات النزاع المسلح، يشكل حظر سوء المعاملة التزامًا أوسع من حظر التعذيب والمعاملة القاسية اللاإنسانية والمذلة. فبعض الأعمال التي لا تدخل في فئة التعذيب تشكل أفعالًا محظورة وتعدّ مخالفات بموجب اتفاقيّة جنيف. وتحظر المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب المعاملة القاسية اللاإنسانية والمذلة في جميع الأوقات.

← تعذيب؛

← طفل؛عقوبة بدنية؛احتجاز؛ تمييز؛ ضمانات أساسية؛ ضمانات قضائية؛ أراضٍ محتلّة؛ اضطهاد؛ أسرى الحرب؛ اغتصاب؛ الصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ تعذيب؛ جرائم حرب/جرائم ضد الإنسانية

لمزيد من المعلومات:

British Medical Association. The Medical Profession and Human Rights: Handbook for a ChangingAgenda. London: Zed in association with BMA, 2001, chap. 4.

Rodley, Nigel S. The Treatment of Prisoners under International Law.Oxford: Clarendon Press, 1999.

Article également référencé dans les 4 catégories suivantes :