تناسُب
التناسب مبدأ أساسي في القانون الدولي يقضي بأن شرعية عمل ما تتحدَّد حسب احترام التوازن بين الهدف والوسيلة والطريقة المستخدمة لبلوغه وكذلك عواقب هذا العمل. ويعني هذا المبدأ ضمنًا الالتزام بتقدير السياق قبل تحديد شرعية عمل ما أو عدم شرعيته. وهذا التقييم هو مسؤولية من يقومون بالعمل. وفي حالة الخلاف أو الشك، تستطيع المحاكم تقييم الوقائع وبالتالي تحديد شرعيته.
والتناسب ذو أهمية كبيرة في تقييم حجة الضرورة العسكرية عند تقييم شرعية استخدام القوة المسلحة. وهو ينطبق على وجه الخصوص في حالات الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي عن النفس، وفي حالات لجوء دولة ما إلى القوة المسلحة لاستعادة النظام والأمن العام في أوقات الاضطرابات الداخلية وفي حالات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وينص القانون الجنائي الدولي أيضًا على أن العقوبات يجب أن تتناسب مع خطورة الجريمة.
أولًا التناسب في الهجمات والانتقام
لا يجيز القانون الدولي للدول اللجوء إلى القوة المسلحة إلا في حالات الدفاع الشرعي عن النفس أو العدوان. وفرع القانون الذي يُنظِّم الحق في اللجوء إلى القوة المسلَّحة يُعرف في العادة بقانون الحرب. ومنذ عام 1945. أدمج هذا الحق في ميثاق الأمم المتحدة وآليتها للأمن الجماعي، لكن هذا المفهوم الخاص بالدفاع الشرعي عن النفس لا يسمح إلا بإجراءات “تتناسب” مع الاعتداء المسلح أو الضرورة التي تقتضي الرد عليه.
يستخدم القانون الدولي الإنساني الذي يطبق في النزاعات المسلحة (قانون الحرب) مبدأ التناسب للحد من الضرر الناجم عن العمليات العسكرية على السكان والأعيان المدنية. وحينما تلجأ دولة من الدول إلى استخدام القوة المسلحة، يتدخل قانون الحرب لتنظيم وتقييد استخدام القوة في أوقات النزاع المسلح.
وينص القانون الدولي الإنساني على أنه يجب على أطراف النزاع التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ولا سيما باستخدام أساليب معينة للحرب. ومع ذلك، فإن الهجوم على هدف شرعي قد يسبب ضررًا للمدنيين والأعيان المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني. ويُكمِّل مبدأ التناسب المبادئ الأخرى للقانون الدولي الإنساني مثل مبدأ التمييز لتقييم شرعية الأنشطة العسكرية. ويحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات التي قد تسبب “خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرارًا بالأعيان المدنية، أو أن تُحدث خلطًا من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة” (البروتوكول 1 المادتان 51، 57). ولذلك، فإن مبدأ التناسب يتضمن مختلف العناصر في قانون اللجوء إلى القوة وقانون الحرب. وفي الحالة الثانية، يتجاوز شرط التناسب بين الهجوم العسكري والرد عليه. ويقضي بالموازنة بين المزايا العسكرية المطلوبة والأضرار والخسائر المدنية المتصلة به. وينطبق شرط التناسب أيضًا على الأعمال الانتقامية بعد هجوم. ومبدأ التناسب معترف به الآن كقاعدة من قواعد القانون العرفي التي تنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية (القاعدة 14 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون العرفي الصادرة في 14 تموز/ يوليو 2005).
☜ يعتبر مبدأ التناسب واحدًا من المبادئ الأساسية التي تمكّن وتعزّز جدلًا ملموسًا بشأن القيود على العمليات العسكرية وبشأن المجال الذي يجب أن يترك للعمليات الإنسانية ضمن إطار حالات النزاع. وتتيح مثل هذه الفكرة إمكانية تصنيف أشكال معينة من المعاناة على أنها غير ضرورية. ولا تعني أن إيقاع أنواع أخرى من الأذى يُعدّ أمرًا مقبولًا، بل بالأحرى، تعكس حقيقة أن القانون الإنساني يحظر المعاناة التي لا تنجم عن الصلة المباشرة بفائدة عسكرية ملموسة ولا تتناسب معها.
وتعتبر الطبيعة التناسبية لعملية انتقام ما لها صلة بهجوم سابق هي العنصر الذي يجعل من التمييز بين انتقام مقبول بموجب قانون النزاع المسلح وعملية انتقام محظورة دائمًا. ويحدّد القانون الإنساني بوضوح مسؤولية القادة العسكريين في ما يتعلّق باحترام هذا المبدأ.
ويتناول قانون المحكمة الجنائية الدولية الذي اعتمد في 17 تموز/ يوليو 1998 ودخل حيَّز التنفيذ في 1 تموز/ يوليو 2002، هو الآخر أعمالًا مثل جرائم الحرب ويدخلها ضمن الجرائم التي لها سلطة عليها. وتضيف إلى هذا التعريف عملية “تعمد شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن [...] إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحًا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة” (المادة 8-2-ب4، من قانون المحكمة الجنائية الدولية).
وحدَّدت قرارات المحاكم الدولية مضمون هذه الالتزامات (راجع السوابق القضائية).
ثانيًا تناسب القيود على حقوق الإنسان في حالات الاضطرابات الداخلية
تثور قضية تناسب القيود على حقوق الإنسان التي تفرضها دولة من الدول باسم الأمن القومي أو الدفاع عن النظام العام في الكثير من الحالات مثل الاضطرابات الداخلية أو مكافحة الإرهاب، وهي حالات لا تؤدي فيها شدة العنف إلى تطبيق القانون الإنساني. ومن ثم تتولَّى المحاكم الوطنية أو الإقليمية مسؤولية تذكُّر السياق ومضمون متطلبات التناسق في مثل هذه الحالات.
ومن منظور الفقه القانوني، يبدو أن حقوق الإنسان تظل نافذة في هذه الحالات إلا في حالات المخالفة التي تقوم بها الدول وفقًا للإجراءات المطلوبة لهذا الغرض. وينص الفقه القانوني أيضًا على أنه في هذه الظروف، تظل قرارات السلطة التنفيذية خاضعة لسلطة القضاة الوطنيين والدوليين. ويحتفظ القضاة الدوليون بالسلطة والمسؤولية النهائية عن تقييم الكفاءة والتناسب بين القيود على حقوق الإنسان وحجة “الضرورة” التي تتذرع بها الحكومة لتبرير أفعالها (انظر السوابق القضائية).
ثالثًا تناسب الجزاءات
تستخدم فكرة التناسب كذلك في الإشارة إلى الضمانات القضائية الأساسية، وتنصُّ على ضرورة أن تكون العقوبة متناسبة مع الجريمة، ويتضح ذلك في اتفاقيات جنيف التي تؤكد أن على “محاكم [السلطة القائمة بالاحتلال] أن تطبق [...] المبدأ الذي يقضي بأن تكون العقوبة متناسبة مع الذنب” (اتفاقيّة جنيف 4 المادة 67).
←هجمات؛ واجب القادة؛ المحكمة الجنائية الدولية؛ أساليب (ووسائل) الحرب؛ ضرورة عسكرية؛ أهداف عسكرية؛ ممتلكات وأشياء محمية؛ أعمال انتقامية/ ثأرية؛ حرب.
السوابق القضائية
- محكمة العدل الدولية
أشارت محكمة العدل الدولية إلى أن “الدفاع الشرعي عن النفس [....] لا يجيز سوى التدابير التي تتناسب مع الهجوم المسلح وتكون ضرورية لمواجهته، وهي قاعدة أُرسيت في القانون الدولي العرفي” (الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها [قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية]، حيثيات القضية، الحكم، تقارير محكمة العدل الدولية 1984، ص. 14، الفقرة 176).
وفي الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 1996 بشأن شرعية استخدام الأسلحة النووية، رأى القاضي هيجنز أن “مبدأ التناسب، وإن لم يُوجد ذكر مُحدَّد له، يتضح في الكثير من أحكام البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949. وعليه، فإنه لا يجوز مهاجمة هدف مشروع إذا كانت الخسائر المدنية التبعية لا تتناسب مع المكسب العسكري المُحدَّد الناجم عن الهجوم”. (شرعية التهديد باستخدام الأسلحة النووية، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1996، ص. 226، رأي منفصل للقاضي هيجنز، ص, 587).
- المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا
يعني مبدأ التناسب، حسب رأي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا، أن الأضرار العرضية غير المقصودة التي تصيب السكان المدنيين أثناء هجوم عسكري يجب ألا تكون مفرطة بالمقارنة بالميزة العسكرية المباشرة المترتبة عليه.
يتضمَّن القانون الدولي مبدأ عامًّا يقضي بأنه يجب بذل العناية المعقولة عند مهاجمة أهداف عسكرية حتى لا يصاب مدنيون بلا داع بسبب الإهمال. والهجمات، حتى إذا كانت مُوجَّهة إلى أهداف عسكرية مشروعة، تكون غير قانونية إذا كان تنفيذها باستخدام وسائل أو أساليب حرب عشوائية، أو بطريقة تُسبِّب أضرارًا عشوائية بلا تمييز للمدنيين (قضية كوبريسكيتش، الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا، 14 كانون الثاني/يناير 2000، الفقرة 524). وفي قضية كوبريسكيتش، رأت الدائرة الابتدائية للمحكمة أنه مما لا جدال فيه أنه على أقل تقدير كان من الممكن أن تكون بين المقاتلين أعداد كبيرة من الإصابات المدنية. وأضافت قولها “النقطة التي يجب التأكيد عليها هي الطابع المُقدَّس لواجب حماية المدنيين الذي يستتبع، بين أشياء أخرى، الحظر المطلق للأعمال الانتقامية ضد السكان المدنيين”. وحتى إذا أمكن إثبات أنه لم يكن كل السكان مدنيين، إنما كانت بينهم بعض العناصر المسلحة، فإنه لا يوجد ما يجيز شن هجمات واسعة النطاق عشوائية بلا تمييز على المدنيين. وفي الواقع، فإنه حتى في حالة وقوع نزاع مسلح واسع النطاق، فإن معايير أساسية معينة تحظر على نحو لا لبس فيه ولا غموض مثل هذه السلوكيات، ومنها القواعد المتصلة بالتناسب (الفقرة 513). وأعلن القضاة أنه “إذا أدَّت هجمات على أهداف عسكرية إلى أضرار بالمدنيين، فإن القانون الدولي يتضمَّن مبدأ عامًّا يقضي بضرورة اتخاذ قدر معقول من العناية عند مهاجمة أهداف عسكرية حتى لا يتضرر المدنيون بدون داع”. (الفقرة 524). واستذكروا أن هذه المبادئ تم توضيحها إلى حد ما في المادتين 57 و58 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977. ويبدو أن مثل هذه الأحكام أصبحت الآن جزءًا من القانون الدولي العرفي، لا فحسب لأنها تُحدِّد وتُبيِّن معايير عامة موجودة بالفعل ولكن أيضًا لأنها فيما يبدو ليست محلًا للطعن من قِبَل أي دولة بما في ذلك الدول التي لم تصدق على البروتوكول الإضافي، حتى وإن كان هذان البندان يتركان هامشًا واسعًا للتقدير والاستنساب للمتحاربين باستخدام تعبيرات قد يُنظر إليها باعتبارها تترك كلمة الفصل النهائية للطرف المهاجم. مهما يكن من أمر، فإن هذا مجال يجب فيه استخدام “الاعتبارات الأساسية للإنسانية” إلى أقصى حد عند تفسير وتطبيق قواعد دولية فضفاضة على أساس أنها تُبيِّن مبدأ عامًّا من مبادئ القانون الدولي (الفقرة 524).
وتقر المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا أن توضيح مبدأ التناسب قد يكون أسهل من تطبيقه على وضع معين لأنه يجب الموازنة بين مختلف القيم والكميات. وفي حملة حلف شمال الأطلسي للقصف الجوي على صربيا، رأت المحكمة أن قضية هل تم مراعاة مبدأ التناسب يجب تحليلها على أساس كل حالة على حدة وفقًا لمعيار موضوعي: وهو تقييم “القيادة الرشيدة”. ولذلك ترفض المحكمة الاعتماد على تقييم أجرته منظمة لحقوق الإنسان. وبدلًا من ذلك، فإنها ترى أن الأسئلة التي تظل بدون إجابة عند تقرير تطبيق مبدأ التناسب تشتمل على ما يلي:
ما هي القيم النسبية للميزة العسكرية المتحققة والضرر الذي يصيب غير المقاتلين و/ أو الضرر الذي يصيب الأعيان المدنية؟
ما الذي تضيفه أو تقتطعه عند تقدير إجمالي هذه القيم؟
ما هو معيار القياس في الزمان أو المكان؟
إلى أي مدى يكون القائد العسكري ملزمًا بتعريض قواته للخطر للحد من الإصابات بين المدنيين أو الأضرار في الأعيان المدنية؟ (التقرير النهائي للمدعي العام للجنة التي أنشئت لمراجعة حملة القصف الجوي لحلف شمال الأطلسي على جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا، 13 حزيران/ يونية 2000، الفقرة 49، متاح في الموقع الإلكتروني http://www.un.org/icty/pressreal/nato061300.htm )
- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
في حكمها في قضية أكسوي ضد تركيا، استذكرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان “أن كل دولة متعاقدة مع ما عليها من مسؤولية عن حياة أمتها، لها أن تُحدِّد ما إذا كانت تلك الحياة معرضة للخطر بسبب طارئ عام، وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدى يكون من الضروري الذهاب إليه في محاولة التغلُّب على هذا الطارئ .. مهما يكن من أمر فإن الأطراف المتعاقدة لا تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة. وللمحكمة أن تُحدِّد –من بين أمور أخرى- ما إذا كانت الدول تجاوزت المدى المطلوب الذي تستلزمهبدقة مقتضيات الأزمة”. وعليه فإن التدابير السلبية يجب أن تمليها بدقة مقتضيات الوضع ( قضية أكسوي ضد تركيا ، طلب رقم 21987/93، الحكم ، الدائرة الابتدائية، 18 كانون الأول/ ديسمبر 1996، الفقرة 68).
- محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان
في حكمها في عام 1988، أكَّدت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان أنه “بصرف النظر عن خطورة أفعال مُعيَّنة وأعمال مرتكبي جرائم مُعيَّنة، فإن سلطة الدولة ليست مطلقة بلا حدود، ولا يجوز للدولة أن تلجأ إلى أي وسيلة لبلوغ أهدافها”. (قضية فيلاسكيز رودريجيز ضد هندوراس، محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان،[Ser. C.], no. 4, 1، 1988، الفقرة 154).
5.المحكمة الإسرائيلية العليا
في حكم صدر في عام 1999 فيما يتعلق بفحص شرعية استخدام أساليب استجواب غير عادية في سياق مكافحة الإرهاب، أكَّدت المحكمة الإسرائيلية العليا أنه لا القانون الدولي ولا القانون الوطني يقر بحجة “الدفاع الاضطراري” للجوء إلى التعذيب أو وسائل مادية أثناء الاستجوابات في سياق مكافحة الإرهاب. وكان رأي المحكمة هو أن هذه الحجة لا تجيز استخدام الوسائل المادية لتمكين المحققين من أداء واجباتهم في ظروف الضرورة. وأكَّدت المحكمة أن المبادئ العامة التي تحكم استعمال الوسائل المادية أثناء الاستجوابات يجب أن تستند إلى تفويض ينص عليه القانون لا إلى دفاعات تستند إلى المسؤولية الجنائية. ولا يشكل الدفاع “الاضطراري” أساسًا مسبقًا للأحكام فيما يتصل بالاستجواب (اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ضد الحكومة الإسرائيلية، المحكمة الإسرائيلية العليا، 5100/94، 26 أيار/ مايو 1999، الفقرتان 36-37)
في حكم صدر في عام 2004 فيما يتعلق بفحص شرعية تدخل القوات المسلحة الإسرائيلية في رفح (بقطاع غزة) أقرت المحكمة الإسرائيلية العليا بأن حجة “الضرورة” لا تجيز عملية عسكرية لكنها أشارت إلى أن مثل هذه العملية العسكرية يمكن أن تكون مشروعة من وجهة النظر العسكرية لكنها مع ذلك غير قانونية. وأكَّدت المحكمة أنه يجب على القضاة دراسة شرعية العمليات العسكرية من منظور مبدأ التناسب.
ولا تدرس مراجعة الأحكام القضائية مبلغ حكمة قرار تنفيذ عمليات عسكرية. فالقضية التي تعالجها هذه المراجعة هي شرعية العمليات العسكرية. ولذلك، نفترض أن العمليات العسكرية التي نُفِّذَت في رفح ضرورية من وجهة النظر العسكرية. والسؤال المطروح أمامنا هو هل تستوفي هذه العمليات العسكرية المعايير الوطنية والدولية التي تُحدِّد شرعية هذه العمليات. وحقيقة أن العمليات ضرورية من وجهة النظر العسكرية لا تعني أنها سليمة من وجهة النظر القانونية. وفي الواقع نحن لا نستغني عن تقدير القائد العسكري فيما يتعلق بالاعتبارات العسكرية. فهذه خبرته. ولكننا ندرس عواقبها من وجهة نظر القانون الإنساني فهذه خبرتنا ( قضية أطباء من أجل حقوق الإنسان ضد قائد قوات الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية، المحكمة الإسرائيلية العليا ، 2117/02 ، 30 أيار/ مايو 2004، الفقرة 9).
وفي حكم صدر في عام 2005 فيما يتعلق بتقييم سياسة إسرائيل للقتل المستهدف في إطار مكافحة الإرهاب بعد الانتفاضة الثانية، أكَّدت المحكمة الإسرائيلية العليا اجتهادها في عام 1999 بشأن الضابط القضائي لمبدأ التناسب فيما يتصل بحالات المخالفة. وأكَّدت أنه من الضروري إيجاد توازن بين الأمن القومي الضروري والحقوق الفردية: “ليست كل وسيلة كافية تعتبر أيضًا قانونية. فالغايات لا تبرر الوسائل... وتلك الموازنة تلقي عبئًا ثقيلًا على القضاة الذين يجب عليهم_وفقًا للقانون القائم_تحديد ما هو مباح وما هو محظور” (قضية اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ضد الحكومة الإسرائيلية، المحكمة العليا الإسرائيلية، 769/02، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2005، الفقرة 63). وأقرت المحكمة بأن مبدأ التناسب هو مبدأ عام من مبادئ القانون الدولي، وأحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي بوجه عام، ولا سيما في أوضاع الاحتلال العسكري، الفقرتان 41 و42).
ورأت المحكمة أن مبدأ التناسب يثور حينما تكون العملية العسكرية موجهة إلى مقاتلين وأهداف عسكرية، أو إلى مدنيين في الأوقات التي يشاركون فيها مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، ومع ذلك يتضرر المدنيون أيضًا. والقاعدة هي أن الضرر الذي يصيب المدنيين الأبرياء من جراء الأضرار التبعية العارضة أثناء العمليات العسكرية يجب أن تكون متناسبة. وقد يتضرر المدنيون بسبب وجودهم داخل هدف عسكري مثل المدنيين الذين يعملون في قاعدة عسكرية، وقد يتضرر المدنيون حينما يعيشون أو يعملون في داخل هدف عسكري أو يمرون بالقرب منه وفي بعض الأحيان بطريق الخطأ، والمدنيون يتضررون حتى إذا كانوا بعيدين عن الأهداف العسكرية، وفي بعض الأحيان يُجبرون على أن يقوموا بدور دروع بشرية من الهجوم على هدف عسكري. وهم يتضررون نتيجة لذلك. وفي كل تلك الأوضاع وفي أوضاع مماثلة أخرى القاعدة هي أن الضرر الذي يصيب المدنيين الأبرياء يجب أن يستوفي، بين أمور أخرى، متطلبات مبدأ التناسب (الفقرة 42).
ويُحدِّد اختبار التناسب أن الهجوم على مدنيين أبرياء لا يجوز إذا كان الضرر التبعي العارض الذي يصيبهم لا يتناسب مع الميزة العسكرية (في حماية المقاتلين والمدنيين). وبعبارة أخرى، يكون الهجوم متناسبًا إذا كانت المنفعة الناجمة عن تحقيق الهدف العسكري الصحيح تتناسب مع الضرر الذي يلحق بمدنيين أبرياء تضرروا بسببه، وهذا اختبار على أساس قياس المنفعة. إنه يستند إلى الموازنة بين القيم والمصالح المتعارضة. وهو مقبول في القانون الوطني لمختلف البلدان. ويُشكِّل اختبارًا معياريًّا رئيسيًّا لتقييم نشاط الحكومة بوجه عام والجيش بوجه خاص في إسرائيل (الفقرة 45).
وجانب التناسب هذا غير مطلوب فيما يتصل بالضرر الذي يصيب مقاتلًا أو مدنيًّا يشارك مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية في الوقت الذي يقع فيه الضرر. وفي الواقع فإن المدني الذي يشارك في الأعمال العدائية يعرض حياته للخطر، ومن ثم قد يكون-شأنه شأن المقاتل- هدفًا لهجوم مميت. وذلك القتل جائز. بيد أن ذلك التناسب مطلوب في أي حالة يتضرر فيها مدني بريء. وبالتالي، فإن متطلبات التناسب بالمعني الدقيق يجب استيفاؤها في الحالة التي يفضي فيها الضرر الذي يصيب الإرهابي إلى ضرر تبعي مصاحب يصيب مدنيين أبرياء قريبين. وتحقيق تلك الموازنة صعب. وهنا أيضًا يجب تقدير كل حالة على حدة وفي الوقت نفسه تضييق مجال الخلاف. ولنأخذ مثلًا الحالة المعتادة لمقاتل أو قنَّاص إرهابي يطلق النار على جنود من مكمنه. فإن إطلاق النار عليه يكون متناسبًا حتى إذا تضرر نتيجة لذلك جار مدني بريء أو مار. وليس الحال كذلك إذا تم تفجير المبنى من الجو وتضرر عشرات من سكانه أو من المارة. والحالات الصعبة هي تلك التي تكون في الوسط بين أمثلة متطرفة. وهنا يلزم إجراء دراسة دقيقة لكل حالة. ويجب أن تكون الميزة العسكرية مباشرة ومتوقعة (انظر الفقرة 57 (2) من البروتوكول الأول). وفي الواقع، فإنه في القانون الدولي، كما هي الحال في القانون الداخلي الغايات لا تبرر الوسائل.
وسلطة الدولة ليست مطلقة بلا حدود، وليست كل الوسائل جائزة. غير أنه حينما تحدث الأعمال العدائية وتقع الخسائر يجب الموازنة بين واجب الدولة في حماية جنودها ومدنييها وبين واجبها في حماية أرواح المدنيين الأبرياء الذين يتضررون خلال الهجمات على الإرهابيين وتلك الموازنة صعبة حينما تتعلق بحياة البشر وتثير مشكلات معنوية وأخلاقية. وعلى الرغم من صعوبة تلك الموازنة فإنه لا بديل عن القيام بها (الفقرة 46).
والنهج مماثل فيما يتصل بالتناسب. فالبت في مسألة هل المنفعة المترتبة على الهجوم الوقائي تتناسب مع الضرر التبعي العارض الذي يصيب مدنيين أبرياء بسببه هو مسألة قانونية، تكمن الخبرة بشأنها في أيدي الفرع القضائي. والتناسب ليس معيارًا للدقة. وفي بعض الأحيان، يوجد عدد من الطرق لاستيفاء شروطه. فيجب خلق منطقة للتناسب. والمحكمة هي التي تحمي حدود تلك المنطقة، والقرار داخل هذه الحدود هو قرار السلطة التنفيذية. وذلك هو هامش التقدير. (الفقرة 58).
لمزيد من المعلومات:
Amnesty International. “Collateral Damage” or Unlawful Killings? Violations of the Laws of War by NATOduring Operation Allied Force. Available at: http://www.amnesty.org/ailib/intcam/kosovo .
Cannizzaro, Enzo. “Contextualizing Proportionality: Jus ad Bellum and Jus in Bello in the Lebanese War.” International Review of the Red Cross 864 (December 2006): 779–92.
Dinstein, Yoram. “Collateral Damage and the Principle of Proportionality.” In New Wars, New Laws??, edited byDavid Wippman and Matthew Evangelista, ed211–24. New York: Transnational, 2005, 211–24.
Henckaerts, Jean-Marie, and Louise Doswald-Beck, ed. Customary International Law,. Vol. 1—, The Rules. Cambridge, U.K.: Cambridge University Press, 2005, part I1, chap. 4.
ICTY. Final Report to the Prosecutor by the Committee Established to Review the NATO Bombing Campaign Againstagainst the Federal Republic of Yugoslavia. Available at: http://www.un.org/icty/pressreal/nato061300ato061300.htm .
Jaworski, Eric. “Military Necessity and Civilian Immunity: Where Is the Balance?” In International Crime and Punishment, Selected Issues, edited by Sienho Yee, 2:87–127. Lanham, MD: University Press of America, 2004.
and Punishment, Selected Issues,
John-Hopkins, Michael. “Regulating the Conduct of Urban Warfare: Lessons from Contemporary Asymmetric Armed Conflicts.” International Review of the Red Cross 878 (June 2010): 469–93.
Vol. 2, ed. Sienho Yee. Lanham, Md.: University Press of America, 2004, 87–127.
Mulinen, Frederic de. Handbook on the Law of War for Armed Forced. Geneva: ICRC, 1989.